دراسةٌ حديثةٌ تكشِفُ تشابُهاتٍ مذهلةً بينَ تركيبِ المُخِّ لدى مُدمِني الإباحيَّةِ ومُدمِني المُخدِّراتِ

هناك اختلافاتٌ واضحةٌ في نشاطِ المُخِّ بينَ المَرضى الذين يُعانون من سلوكيَّاتٍ جنسيَّةٍ قهريَّةٍ وبين المُتطوِّعينَ الأصحَّاءِ
A+ A-

علماءُ المُخِّ والأعصابِ بجامعةِ كامبريدج يكتشفونَ من خلال دراسة حديثة عام 2014 تشابُهاتٍ مذهلةً بينَ تركيبِ المُخِّ لدى مُدمِني الإباحيَّةِ ومُدمِني المُخدِّراتِ 

د. فاليري فوون هي شخصيَّةٌ معروفةٌ عالميًّا في مجالِ الإدمانِ، وباحثةٌ رئيسيَّةٌ في قسمِ علمِ المُخِّ والأعصابِ بجامعةِ كامبريدج المرموقةِ بإنجلترا، وطبقا لما ذُكرَ في صفحتِها على مَوقعِ قسمِ علمِ المُخِّ والأعصابِ بجامعةِ كامبريدج على شبكةِ الإنترنتف فإنَّ“معملَ د. فوون يركِّزُ على الآليَّاتِ المُتعلِّقةِ بالاضطراباتِ القهريَّةِ كإدمانِ الموادِّ المُخدِّرةِ والإدمانِ السُّلوكيّ”، ولكونِها حاصلةً على درجةٍ طبيَّةٍ في مَجالِ الاضطراباتِ الذهنيَّةِ والعقليَّةِ المُتعلِّقةِ بمشاكلِ الجهازِ العصبيّ، كما أنها حاصلةٌ كذلك على درجةِ الدكتوراه في علمِ المُخِّ والأعصابِ، فإنّ د. فوون تُعتبرُ في الصدارةِ فيما يتعلَّقُ بفهمِ المُخِّ البشريّ، وكيفية عمله، وكيفيةِ تأثُّرِه بالإدمانِ؛ ولذلك عندما تمَّ إلقاءُ الضوءِ على دراستِها -التي طالَ انتظارُها- وتمَّ نشرُها عامَ 2013م بالمملكةِ المُتحدةِ في وثيقةٍ عنوانُها “تأثيرُ الإباحيَّةِ على عقلِ المُخِّ البشريّ”وقد تسبَّبتْ الدراسةُ في اكتشافاتٍ رائدةٍ في هذا المجالِ خاصةً فيما يتعلَّقُ بتأثيرِ الموادِّ الإباحيَّةِ على المُخِّ، وكيفَ أنَّ مُدمني الإباحيَّةِ يُشبهونَ حقًّا مُدمني المُخدِّراتِ.

والدراسةُ نفسُها كانتْ تحملُ عنوانَ “الاقتراناتِ العصبيَّةِ الخاصّةِ بالاستجابةِ للخيالاتِ الجنسيَّةِ في الأفرادِ الذين يُعانون والذين لا يُعانون من سلوكيَّاتٍ جنسيَّةٍ قهريَّةٍ”، وهذه الدراسةُ تمكَّنتْ من إيجادِ شواهدَ قويَّةٍ على الحساسيةِ الزائدةِ في مُستهلكي الموادِّ الإباحيَّةِ بصورةٍ مُفرطةٍ، وتلك الحساسيةُ الزائدةُ يُقصدُ بها الاستجابةُ الزائدةُ للخيالاتِ الجنسيَّةِ؛ مِمَّا يُؤدِّي بالمُدمنِ إلى البحثِ مُجدَّدًا عن الإباحيَّةِ ومن ثَمَّ استهلاكُ الموادِّ الإباحيَّةِ، ولتبسيطِ الأمرِ فإنَّ مستخدمي الموادِّ الإباحيَّةِ يُصبحونَ أكثرَ حساسيةً للأشياءِ التي تقومُ بإثارتِهم، وهو ما يجعلُهم يُصابون برغبةٍ مُلحَّةٍ في مُشاهدةِ الإباحيَّةِ بصورةٍ لا يستطيعونَ السيطرةَ عليها، وهذهِ الصورةُ تُمثِّلُ التغيُّرَ الرئيسيَّ في المُخِّ

عندما نتكلَّمُ عن تعريفِ الإدمانِ، وتقولُ د.فوون في دراستها:

“هناك اختلافاتٌ واضحةٌ في نشاطِ المُخِّ بينَ المَرضى الذين يُعانون من سلوكيَّاتٍ جنسيَّةٍ قهريَّةٍ وبين المُتطوِّعينَ الأصحَّاءِ، وهذه الاختلافاتُ تُماثلُ تمامًا تلك الموجودةَ لدى مُدمني المخدِّراتِ.”

وقد وجدَ الباحثونَ أنَّ هناك “نشاطًا زائدًا في دائرةِ المُكافأةِ” في المُخِّ عند مُشاهدةِ الموادِّ الإباحيَّةِ في الشبابِ الأصغرِ سِنًّا مِمَّن تعرَّضوا للاختبارِ، وأظهرَ هذا الاختبارُ أنَّ المُستوياتِ الأعلى من الدوبامينِ والحساسيةِ الأعلى لنظامِ المكافأةِ في المُخِّ هما عاملانِ هامَّانِ في المُراهقينَ تحديدًا الذين هم أكثرُ عرضةً للإدمانِ والتكيُّفِ الجنسيِّ مع الإباحيَّةِ.

والشيءُ المُثيرُ في الدراسةِ أنَّ الباحثينَ وجدوا أنَّ مُستهلكي الموادِّ الإباحيَّةِ بشكلٍ إدمانيّ يحتاجونَ لمُشاهدةِ الموادِّ الإباحيَّةِ بشكلٍ أكبرَ، ومع ذلك لا يُوجدُ لديهم ارتفاعٌ في الرَّغبةِ الجنسيَّةِ الطبيعيَّةِ عن الآخرينَ الذين لم يُشاهدوا الموادَّ الإباحيَّةَ

كما أنَّ مُستهلكي الموادِّ الإباحيَّةِ يجدونَ أنفسَهم في رغبةٍ واحتياجٍ للمزيدِ والمزيدِ من الموادِّ الإباحيَّةِ، ومع ذلك فليسَ بالضرورةِ أن يكونوا من مُحبِّي الموادِّ الإباحيَّةِ، وهذه الصورةُ تنطبقُ تمامًا مع التعريفِ الحالي للإدمانِ, وتُبدِّدُ الخرافةَ التي تقولُ بأنَّ “الرغبةَ الجنسيَّةَ العاليةَ” هي ما تُسبِّبُ الاستهلاكَ المُتكرِّرَ للموادِّ الإباحيَّةِ.

والنقطةُ المحوريَّةُ أنَّ هذا كلَّهُ مُشابهٌ جدًا لإدمانِ المُخدِّراتِ، والعلمُ يقولُ أنَّ مُدمني المُخدِّراتِ يبحثونَ عنها؛ لأنّهم يشعرونَ بأنّهم في حاجةٍ لها، وليسَ لأنَّهم يستمتعونَ بها، وفي مرحلةٍ مُعيَّنةٍ يفقدُ المُدمنون الكثيرَ من المُتعةِ مع مُخدِّرِهم ويبدأونَ في الشعورِ بأنّهم يحتاجونَه ليبقوا على قيدِ الحياةِ، وهذا بالضبطِ كاحتياجِهم للغذاءِ والماءِ، وفي الأوساطِ العلميَّةِ تُعرَفُ هذه الصورةُ غيرُ الطبيعيَّةِ بالتحفيزِ الدَّافعِ، وهو أحدُ أكبرِ علاماتِ الإدمانِ.

وتقولُ الدراسةُ: “الباحثون أيضًا طلبوا من المُشاركين في الدراسةِ أنْ يُقيِّموا مُستوى الرغبةِ الجنسيَّةِ التي شعرُوا بها وهم يُشاهدونَ بعضَ المَقاطعِ الإباحيَّةِ، ومقدارَ إعجابِهم بالمقاطعِ التي شاهدُوها؛ فنحنُ نعلمُ أنَّ المُخدِّراتِ تقودُ مُدمنيها للبحثِ عنها؛ لأنّهم يُريدونَها أكثرَ من رغبتِهم في الاستمتاعِ بها، وهذهِ الصورةُ غيرُ الطبيعيَّةِ تُعرَفُ بالتحفيزِ الدَّافعِ، وهي نظريَّةٌ مُهمَّةٌ فيما يتعلَّقُ بالاضطراباتِ الإدمانيَّةِ. ”وكما هو مُتوقَّعٌ فإنَّ مَرضى السلوكيَّاتِ الجنسيَّةِ الإدمانيَّةِ أظهروا رغباتٍ عاليةٍ للمَقاطعِ الإباحيَّةِ، ولكنَّهم لم يُعطوها بالضرورةِ تقييمًا عاليًا كمَقاطِعَ يُحبُّونَها.

النتيجةُ النهائيَّةُ: إنَّ الموادَّ الإباحيَّةَ تضرُّ المُخَّ البشريَّ بطريقةٍ مُماثلةٍ تقريبًا لِما تفعلُهُ المُخدِّراتُ، وبالنسبةِ لهؤلاءِ الذين يعتقدونَ بأنَّ الموادَّ الإباحيَّةَ مُجرَّدُ “موادَّ غير مُضرَّةٍ للمُتعةِ والتسليَةِ” فإنَّ العلمَ يخبرُنا بالحقيقةِ، وهي أنَّ إدمانَ الموادِّ الإباحيَّةِ واقعٌ ، وأنّ الموادَّ الإباحيَّةَ هي فعلًا المخدِّرُ الجديدُ للمجتمعِ.

وكأنَّ هذه الدراسةُ غيرَ كافيةٍ لتُظهرَ التأثيراتِ الضارَّةَ للموادِّ الإباحيَّةِ على المُخِّ البشريِّ؛ فقدْ قامتْ د. فوون وفريقُها من باحثي جامعةِ كامبريدج مُؤخَّرًا بنشرِ نتائجَ أُخرَى بعنوانِ “السلوكيَّاتِ الجنسيَّةِ القهريَّةِ: تفاعلاتِ الفصِّ الجبهيِّ والنظامِ الحوفيِّ بالمُخِّ”
(
Compulsive sexual behavior: Prefrontal and limbic volume interactions )  وذلكَ بتاريخِ السابعِ والعشرينَ من أكتوبرَ لعامِ2016 ، وقد تكلَّموا فيها بشكلٍ أكبرَ عن مُدمني الموادِّ الإباحيَّةِ، وكيفَ تتفاعلُ أدمغتُهم مع الموادِّ الإباحيَّةِ.
وبينما يتسرَّعُ الكثيرونَ في الحكمِ على الموادِّ الإباحيَّةِ بأنَّها غيرُ إدمانيَّةٍ، وأنَّه لن يتمَّ إثباتُ إدمانيَّتِها بشكلٍ علميٍّ أبدًا

فإنَّ الحقائقَ والشواهدَ على تَسبُّبِها في الإدمانِ قدْ بدأَ تجميعيها .

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د.محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ.محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 20 يونيو 2021
  • عدد المشاهدات: 730
  • عدد المهتمين: 180

المصادر

  • Neural Correlates of Sexual Cue Reactivity in Individuals with and without Compulsive Sexual Behaviours الدخول للمصدر
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك