الدرس الثاني: دورة إدمان المواد الإباحية

في الواقع إن الدافع وراء ما يقرب من 90٪ من سلوكنا اليومي هو عقلنا الباطن (الدماغ البدائي)، والذي يجعل الأمور أكثر سوءا أنه وبمجرد بدء الجسم بالاستجابة للمواد الكيميائية المفروزة في الدماغ، فإنه يتجاوز القدرة المعرفية لدينا.
A+ A-

هيا بنا أحبتي في بداية درسنا نشاهد الشكل التالي ونتأمل فيه جيدا ونقرؤه مرارا لنأخذ فكرة عامة عن هذا الإدمان قبل الدخول في الموضوع:


بدايةً هناك، ما يعرف بالتصرف الخارجي The Acting Out Cycle أي (الانخراط في النشاط الذي لا تريد الانخراط فيه وأنت في حالة وعي) وعادة ما يبدأ مع مُشَغِّل أو دافع، والذي يتم ترجمته من قِبَل الدماغ في مستوى اللاوعي، وينتج بسبب عاطفة قوية، مثل الإثارة وحب الفضول، عندها فقط لا تقوم بالتفكير من خلال الدماغ الواعي الخاص بك.


تَفَكَّر في ذلك:

معظم الناس يؤمنون بأن تصرفاتنا تنبع من خلال تفكيرنا، هذا ليس صحيحا تماما.

في الواقع إن الدافع وراء ما يقرب من 90٪ من سلوكنا اليومي هو عقلنا الباطن (الدماغ البدائي)، والذي يجعل الأمور أكثر سوءا أنه وبمجرد بدء الجسم بالاستجابة للمواد الكيميائية المفروزة في الدماغ، فإنه يتجاوز القدرة المعرفية لدينا.

هذا يعني أننا ما زلنا على علم بما يجري لكننا غير قادرين وقتها على تقديم تقييم عقلاني دقيق لسلوكنا ولنتائجه المرتقبة.

مباشرة بعد إفراز المواد الكيميائية الداخلية لدينا يبدأ الجسم بالتغير، تحدثنا عنه في المقال السابق، وسنتحدث عنه في المستقبل أيضا.

هذا هو حقا خط الدفاع الأخير لدينا، إنه التفكير الثاني، وهو فرصتنا الأخيرة لندرك ما يحدث لنقوم باتخاذ إجراءات طارئة لإنقاذ أنفسنا (سوف نتحدث كثيرا عن هذا أيضا).

إذا لم نكن قادرين على كسر دورة الإدمان، فإن هناك فرصا لأن ينتهي هذا بالاستسلام والانخراط في السلوك.

بعد التصرف خارجيا (الاستمناء، أو مشاهدة الإباحية، أو كلاهما) يعود الدماغ إلى الوضع السابق، وتعود نفوسنا إلى الحالة العادية، حيث نكون ساعتها قادرين على النظر في الوضع منطقيا وندرك ما حدث.

رد الفعل المعتاد لهذا الإدراك هو أن يشعر الشخص بعواطف سلبية شديدة، مثل الشعور بالذنب والندم وكراهية الذات، رد الفعل هذا على عكس المتصور، يُقَوِّي الإدمان ويعززه لأنه يمنعنا من اتخاذ إجراءات بنَّاءة، تسهم بشكل جدي في تعافينا.

أقول: شعورنا بالذنب والندم، إن لم يكن إيجابيا يدفعنا لتوبة وإلى إجراء يغير من وضعنا الحالي، فهو ضار وليس بنافع.

لنتذكر: قد نقوم بفعل أشياء سيئة، ولكننا لسنا أهل سوء.

يقول حسن محمد نجار([1]) :

حاسِب بدل أن تجلِد:

"كثيرًا ما تتداعَى لنا الذكريات فينفرط شريط الأيام، عارضًا نجاحاتنا وزَلاَّتنا، وبين هذه وتلك، لابد من دقائق محاسَبة، نقضيها مع أنفسنا، مكافئين أو مُعاتبين، فالتعزيز له دور إيجابي في مواصلة النجاحات، والعَتب والمحاسبة، إنما هو محاولة لنبْش مواضع التقصير، والخطأ لتصحيحها.

لكن قد تعبر بنا أمواج التقصير، فنتخطَّى بها سواحل العتب، لنرتمي في أحضان (جلد الذات)، فلا نتوانَى في تعذيبها، وتحطيمها، لتغرقَ في بحرٍ من فقدان الثقة.

كثيرة هي زَلاَّتنا، فنحن أولاً وأخيرًا بشرٌ، ولسْنا معصومين، لكن من الخطأ أن نتوقَّف عندها زمنًا طويلاً، وأن نُنشئ على أعتابها مزارات، نُحيي بها ليالي من البكاء، والنُّواح، على ماضٍ لن يعود.

فمُحاسَبة الذات: هي مراجعة النفس، ومعرفة الأسباب، وطُرق علاجها، وهي ضرورية لكل إنسان صادقٍ مع نفسه، قبل غيره. وتُعتبر من العوامل المهمة التي تساعد على استقرار وَرُقِيّ حياة الإنسان، وتطورها، ومن ذلك حالة التوبة من الذنوب الكبيرة والصغيرة، فالتوَّابون يهدفون من خلال شعورهم بالذنب إلى تخليص النفس من آثامها، والعمل الجاد لتطهيرها، من خلال بناء الذات الجديدة والقادرة على العطاء، والانتقام من كلِّ مصادر الفشل والقَمْع.

بينما جلد الذات: الاستمرار في الإيذاء، دون علاج، وإنزال العقاب بزيادة اللوم والتعذيب للجسد أو للرُّوح، أو للمجتمع فقط دون التأمُّل في أسباب الخطأ.

اصبرْ… عالجْ… بدِّلْ:

يجب التحلِّي بالصبر والهدوء، في علاج أي مشكلة، أترى لو كان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- استسلَم في مهد الدعوة ولَم يَصبر عليها، هل كانت ستصل دعوته إلينا؟ قال أندرو كارنجي: ”الإنسان الذي يُمكنه إتقان الصبر يُمكنه إتقان أيِّ شيءٍ آخرَ".

ولكي يحدث هذا التغيُّر يتطلَّب القيام بالآتي:

أقْدِمْ لو أخطأت، اعتبرْ بماضيك، تطوَّرْ، أوْجِد البدائل ولا تكن كالذبابة، فقد ورَد أنه كانت هناك ذبابة تحاول الخروج من نافذة مُغلقة، وظلَّت تحاول وتحوم وتدور من اليمين إلى اليسار، ومن أعلى إلى أسفل، إلى أن نَفِدَت كلُّ طاقتها وماتت، وكان بالقُرب منها باب مفتوح، ولكنَّها لَم تحاول البحث عن طريق آخرَ للخروج، وإنما أصرَّت على الخروج من النافذة، وأصرَّت على طريقة واحدة إلى أن ماتتْ، وكان في استطاعتها أن تخرجَ من هذا المأزِق لو أنها فقط حاوَلَت"  كلام حسن محمد نجار.

نكمل كلامنا عن دورة إدمان الإباحية:

(كاسيلمان) مؤسس برنامج كانديو لعلاج مدمني الإباحية، وضع قائمة بتلك المحفزات والدوافع التي تدفع بالشخص إلى الدخول في دورة الإدمان وهي: الملل، ضغط العمل الشديد، الوحدة، القلق، الخوف، الغضب، التعب، الإرهاق. 

وأحيانا تختصر في أربعة أسباب رئيسة: الجوع والغضب والوحدة والتعب.

خلال أوقات الضعف تلك يفقد الدماغ الواعي القدرة على رؤية الأشياء بوضوح، فالأكثر احتمالا حينها هو تولي الدماغ اللاواعي تلك المهمة، رغم أننا نعرف حينها إلى أين نحن ذاهبون.

يمكنك تجنب الأوقات التي تضعف فيها مقاومتك للمشاهد الإباحية من خلال البدء باتخاذ رعاية جيدة لنفسك، أشياء بسيطة مثل: النوم لوقت كافٍ، وتناول الطعام بشكل صحيح، وشرب ما يكفي من المياه، وكتابة يومياتك لتفريغ تلك الفوضى من دماغك.

في الفصول القادمة سنتكلم عن الكثير من الأشياء التي يمكنك القيام به لإحلال السلام والهدوء في حياتك.

هذه هي دورة إدمان الإباحية بكل اختصار.

أليس هذا الذي يحدث لك في كل مرة تقوم فيها بالغرق في هذا المستنقع المحرم؟

الإجابة: نعم.

هذه الدورة متعلقة بإدمانك، إذا ما الحل؟

الخطوة الأولى في الحل هي معرفتك وتسليمك بأن هناك مشكلة، وأنك مدمن على مشاهدة المناظر الإباحية.

ثم الخطوة الثانية عليك أن تقبل بأن تبدأ بالعلاج.

ثم قبل البداية عليك أولا أن تستعين بالله، أليس من المفروض أنك تصلي، وتقرأ الفاتحة سبع عشرة مرة في اليوم والليلة أثناء صلواتك المكتوبة وتقول فيها ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ الفاتحة:5, ومعنى الآية: أي لا أعبد إلا إياك، ولا أستعين إلا بك، استحضِر هذا المعنى دوما، ثم عليك أن تستعين بالأسباب التي يسرها الله، ومن ذلك طرق علاج الإدمان التي نقدمها لك في هذا الكتاب، عسى الله أن ينفع بها.

إن الهدف يتمثل في قطع تلك الدورة بداية حدوثها بأي شكل وبأي طريقة.

 دوما كن محصنا، لا تجلس وحدك في مكان مغلق. كن حذرا عندما تكون مجهَدَا أو حزينا أو مهموما، كن حذرا و أنت جائع (الجوع خلاف الصيام فانتبه) لأنك في هذه المواقف تكون عُرْضَة أكثر للدخول في دورة الإدمان والاستسلام لها، كن دوما على طهارة، واظب على فعل الخيرات وعلى رأسها الصلاة، اشغِل وقتك بكل نافع ومفيد، وبإذن الله ستنجو في وقت قصير وأسرع مما كنت تتصور بعون الله وفضله ومَنِّه.

ضع أمامك في كل وقت، قول المولى عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة: 35.

في المقالات الأخرى سوف نتكلم بالتفصيل عن هذه الدورة ونرسم سويا خطة لتحقيق ذلك بإذن الله.

في الدرس القادم سنذهب لنلقي نظرة فاحصة على كيفية عمل الدماغ.

  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 25 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 4K
  • عدد المهتمين: 233
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك