الدرس الرابع: ما هي المحفزات الخارجية التي تدفعك للوقوع في دائرة إدمان الإباحية؟ و ماذا تفعل عند تعرضك لمثير خارجي؟

في الأساس أي شيء له علاقة ببقاء النوع البشري على قيد الحياة مثل: الجنس والطاقة والصورة الذاتية والغذاء تؤدي الى استجابة (الدماغ الزاحف)، أسهل مثال على استجابة الدماغ الزاحف هو أن معظمنا ينفعل ويفقد السيطرة على نفسه
A+ A-

في الدرس السابق ألقينا نظرة على نموذج الدماغ الثلاثي والذي يتكون من ثلاثة أنواع من الأدمغة: (الزاحف) و(الثديي) و(الرئيسي)،الآن دعونا نلقي نظرة فاحصة على بعض الأحداث الخارجية التي تمكن الدماغ الزاحف من تولي عملية صنع القرار لدينا بدلا من الدماغ الرئيسي.

في الأساس أي شيء له علاقة ببقاء النوع البشري على قيد الحياة مثل: الجنس والطاقة والصورة الذاتية والغذاء تؤدي الى استجابة (الدماغ الزاحف)، أسهل مثال على استجابة الدماغ الزاحف هو أن معظمنا ينفعل ويفقد السيطرة على نفسه عندما يقوم شخص بقطع الطريق أمامه وهو يسير بسيارته، فإن الشخص الذي يقطع علينا طريقنا يقوم في الواقع بغزو الفضاء الشخصي لدينا، ونحن على الفور نستجيب بعمل من الأعمال العدوانية كالصراخ على السائق الآخر أو التزمير بمنبه الصوت، بعد مرور وقت قصير نعود إلى (أنفسنا الطبيعية) ومن ثم نعيد تقييم الحدث مرة أخرى بصورة عقلانية.

نلاحظ أيضا أن الدماغ الزاحف يُسَيَّر ويدار بالصور المرئية والأصوات واللمس والشم والذوق، ولكن لا يسير بدافع من لغة التفكير إلا إذا كانت لغة (التفكير) تساعدنا على خلق صورة ذهنية حية.

التحفيز البصري هو الأقوى لأننا نعالج حوالي 80٪ من المدخلات المعلوماتية اليومية من خلال أبصارنا.

بالإضافة إلى ذلك فمن المهم أن نلاحظ أن الدماغ الزاحف لدينا ليست لديه القدرة على معرفة الفرق بين الصورة الوهمية وواقع الحياة الحقيقي، وهذا هو السبب في أننا نشعر بالجوع عندما ننظر إلى صورة إعلان عن طعام مثلا، على الرغم أننا نعرف أن تلك الصورة ليست حقيقية.

وفي اقتباس من (موقع الكلم الطيب) كُتب أن من أساليب الشيطان في غواية الإنسان: "الاستحواذ على ثغر العين" إن النظر المسموم من أخطر سهام الشيطان، وأفتك أسلحته، لذلك فحرصه عليه أشدُّ من حِرصه على غيره. لأنَّ خطر فتنة النظر من خطر فتنة المنظور إليه، ولَمَّا كان المنظور إليه النساء -وهنَّ من أشد الفتن على العبد- كان النظر إليهنَّ أخطر عليه، وكان بذلك الشيطان أحرص على إغواء المسلم به، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحذِّر أمَّته من فتنة النساء ويقول"إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"([1]), ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ”([2]).

ولذلك قرن الله جلَّ وعلا بين حفظ الفرج وغضِّ البصر فقال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ النور:30.

وللشيطان في استحواذه على ثغر العين مسلكان:

الأول: صرف العين عن النظر إلى مواطن الاعتبار.

الثاني: توجيهها إلى النظر المحرم.

فأما المسلك الأول: فيعمد فيه الشيطان إلى صرف العين عن كلِّ ما يقوِّي إيمان المسلم ويشدُّعزمه ويدلُّه على الهدى والرشاد، فيحرص أشدَّ الحرص عن صرف العين عن آيات الله الشرعية والكونية.

فكلَّما تأهَّب المسلم لتلاوة القرآن شغله ووسوس له، فإذا لم يظفر منه بالمراد، صرف عينه عن تدبُّر القرآن وفهم معانيه، وجعله ينثره نثر الدقل، دونما إعمال لِما يقتضيه من التوحيد والعبادات، ودونما تأثر بما يدُلُّ عليه من الوعد والوعيد. وكلَّما عمد المسلم إلى تعلُّم دينه والتفقُّه في شرعه، شغله وألهاه وأغفله عن النظر إلى ذلك، بالتزيين لِما سواه وتقبيحه وتشنيعه. وكلَّما رأى من العبد وقفة تأمُّل في خلق الله، وفي كونه، وما فيه من الآيات الباهرة، والدلائل القاهرة، صرف نظره عن ذلك بالوساوس، وهوَّن من شأن الآيات وما تقتضيه من الإيمان والإذعان للخالق الديان.

وهكذا يظلُّ يقطع عليه كلَّ نظرة جالبة للخير، ويحوِّلها من حالها إلى نظرة التفرُّج والاستحسان، حتى يبطل أثرها الطيب في القلب.

وأما المسلك الثاني: فيعمله الشيطان للإيقاع بالمسلم في براثن الزنا والفساد، وما من شيء أسرع في قذف بذورالشهوة في القلب من النظرة؛ لذلك فالشيطان يجعلها أهم مداخله، ثم يسقيها بماء الأمنية، ولا يزال بالتغرير والأماني والوعود، حتى يقوِّي عزيمة الناظر ويُوقِدشهوته وإرادته، ثم يُرديه صريعًا في مهاوي المعصية، لذلك ورد في النهي عن النظر المحرَّم، نصوصٌ كثيرةٌ تُبيِّن خطورته وضرره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ"([3]) يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في (الجواب الكافي): "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإنَّ النظرة تولِّد خطرة، ثم تولِّد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تقوَى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل، ولا بدَّ ما لم يمنع منه مانع .. ولهذا قيل: "الصبر على غضِّ البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده".

وهكذا فإن استحواذ الشيطان على الإنسان كلِّه، وإيقاعه في أعظم الفواحش وأخبثها: الزنا، فإذا هوانتبه وكفَّ عن النظر والمطالعة عوَّضه الله خيرًا منه، واستراح قلبه من كلفة طلب ما يرى، وأَذْهَبَ عنه مغبَّة الهوى، وفوَّت على الشيطان موارد الردى.

وسهم النظر من أخطر السهام التي يفتك بها الشيطان إيمان المسلم، ويفوِّت عليه بذلك الفتح الفوائد العظيمة، التي يُثاب عليها المؤمن، إن هو غضَّ بصره وقهر صبوته.

قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ غافر: 19. قال الشنقيطي رحمه الله: "فيه الوعيد لمن يخون بعَينه بالنظر، إلى ما لا يحل له، وبهذا السهم الخطير، انتشرت الفواحش والكبائر والأمراض والأدواء، في سائر الأرجاء، والله المستعان”.ا ه([4])

كذبة كبيرة

وهذا هو أيضا السبب في أن المـــُشاهِد لأفلام الرعب – وهي ضارة بالفعل يشعر بالخوف، على الرغم أنه يعلم أنه مجرد فيلم.

وبمناسبة الحديث عن أفلام الرعب؛ لو حاول المشاهد أن يتذكر أول مرة رأى فيها شيئا مخيفا على شاشة التلفزيون، يمكنه أن يتذكر كم كانت تلك المشاهد المرعبة مؤثرة جدا عليه إلى درجة إنه من الممكن أنه لم يستطيع النوم حينها من شدة الخوف، أو نام ورأى أحلاما مزعجة وكوابيس.

ربما يستغرق الأمر بضع سنوات قبل أن يتمكن من الذهاب مباشرة إلى السرير لينام بعد مشاهدة فيلم رعب ذهنه في نهاية المطاف اعتاد على تلك الصور المرعبة والتي لم تعد تؤثر فيه كما كان في بادىء الأمر، ثم إنه بعد ذلك سيرغب في أن يرى فيلما مخيفا حقا له نفس تأثير الفيلم الأول.

المواد الإباحية تعمل بطريقة مشابهة؛ فالصور الحية التي يراها مُشاهِد المواد الإباحية والأصوات التي يسمعها، تجعله يشعر بمتعة سريعة من (المخ الزاحف) لديه، من يرى الصور الإباحية واعتاد -عافانا الله وإياكم- على ذلك يشعر بهذا، حتى المراهقون الصغار يشعرون بهذا الارتياح، لكنه ارتياح كاذب وزائف ومدمر في واقع الأمر، لأنهم سيبدؤون بعدها في البحث عن المزيد.

مع مرور الوقت تكون أدمغتنهم قد تعودت على الصور التي يرونها، ويجدون أنفسهم راغبين لإثارة أقوى من أجل الحصول على استجابة ممتعة مماثلة من (الدماغ الزاحف) لديهم.

جميع منتجي المواد الإباحية يعرفون جيدا هذه العمليات التي تحدث في دماغ المــُشاهِد، وهم في معركة مستمرة لجذب اهتمامه، ويبذلون قصارى جهدهم لإنتاج مواد أكثر جذبا وإثارة.

واحدة من الحيل التي يستخدمونها، مزيج من الجنس والقوة والصورة الذاتية والمواد الغذائية لصنع رسالة قوية بقدر الإمكان، هذه الطرق قوية جدا إذا تفكرت في ذلك، فكل سلوكيات الإدمان لأشياء مثل القمار، والإفراط في تناول الطعام، والتسوق القهري، والجنس والإباحية، كل هذه الأنواع من الإدمان تكون بدافع واحد أو مجموعة مركبة من الرغبة في ممارسة الجنس أو القوة أو الصورة الذاتية للنفس أو الطعام.

نحن (حرفيا) في منافسة مع مختلف أشكال وسائل الإعلام من أجل السيطرة على عقولنا، وبالتالي يصبح مهما جدا لنا أن نصبح على علم بما يجري حولنا، وثانيا: يجب أن نعرف كيف يسعنا (التحكم بعقولنا) لوقفها إذا ما تعرضت لمحفز خارجي.

نحن بصدد الحديث عن  الكثير من الأدوات المختلفة التي يمكن استخدامها للحفاظ على أنفسنا طاهرة، وأريد الآن أن أشير إلى معلومة سريعة لكنها مهمة:

تذكر كيف أنني ذكرت في الدرس السابق أن (الدماغ الزاحف) يتحكم في كل من وظائف الجسم اللاإرادية مثل ضغط الدم، ونبضات القلب، والتنفس كذلك، لكن هناك وظيفة واحدة من هذه الوظائف ليست لا إرادية بالكامل. نعم، فإننا لدينا القدرة على السيطرة على تنفسنا عن طريق أخذ أنفاس عميقة بطيئة، عندها نكون قادرين على نقل رسالة إلى (الدماغ الزاحف) أن كل شيء على ما يرام، الأمر الذي يؤدي الى عودة التحكم إلى الدماغ الرئيسي لدينا، (دماغ التفكير) مرة أخرى.

في المرة القادمة التي تتعرض فيها لأي حدث خارجي مثير حاول أن تأخذ عشرة أنفاس بطيئة وعميقة، عد من واحد إلى عشرة عند استنشاق الهواء، احبس أنفاسك مدة عشر ثوان، وقم بالعد من واحد إلى عشرةعند خروج النَّفَس، ستلاحظ شعورا كبيرا من السلام والهدوء.

في الدرس التالي سنذهب لنلقي نظرة سريعة على (الدماغ العاطفي) لدينا.

1- رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، في كتاب الرقاق باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء.

2- رواه مسلم عن أسامة بن زيد بن حارثة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في كتاب الرقاق باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء.

3- رواه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في نظرة المفاجأة، قال عنه الألباني: حسن.

4- من مقال (من أساليب الشيطان، في غواية الإنسان: الاستحواذ على ثغر العين).

  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 25 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 3K
  • عدد المهتمين: 205
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك