الدرس السادس: ممارسات بسيطة تتحكم بها في دماغك حتى لا تقع في دائرة إدمان الإباحية

خطوات عملية لكسر دائرة الإدمان، وذلك من خلال بعض الممارسات البسيطة التي تستطيع التحكم بها في دماغك حتى لا تقع في إدمان الإباحية.
A+ A-

سنتكلم اليوم في درسنا السادس وأربعة دروس لاحقة عن خطوات عملية لكسر دائرة الإدمان، وذلك من خلال بعض الممارسات البسيطة التي تستطيع التحكم بها في دماغك، حتى لا تقع في إدمان الإباحية.

ربما أنت الآن أصبحت معترفا -ولو قليلا- بإمكانية ضياع حياتك طاعة لدماغك الزاحف والعاطفي.

والحقيقة المؤسفة هي أن أدمغتنا لديها القدرة على الحصول على أقوى السلوكيات من خلال تكرارها باستمرار، لذلك إذا كنت قد أمضيت سنواتك الماضية 5-10-15-20 سنة من حياتك في ممارسة الاستجابة لدماغك العاطفي، فهناك احتمالات كبيرة بأنك قد حصلت على سلوك قوي عبر تلك الاستجابات المستمرة.

والخبر السار، هو أن أدمغتنا لديها القدرة على الحصول السلوك الجيد من خلال تكراره باستمرار.

إذن الخدعة هنا هي أن نقوم بممارسة السلوكيات الصحية وتكرارها كي نعمل بوعي على تقوية (الدماغ الواعي الفكري)، وكذلك نتعلم كيف نتعرف على سلوكيات الدماغ العاطفي.

ومع مرور الوقت ستصبح السلوكيات القديمة المرتبطة بدماغك العاطفي ضعيفة وستصبح السلوكيات الجديدة هي الأقوى. وفي نهاية المطاف سوف تكون قادرا على السير بعيدا عنها؛ لأنك حينها ستشعر بالارتياح للسير في هذا الطريق بعيدا عن الإباحية، هذا لن يحدث بين عشية وضحاها، فعليك بالصبر والمصابرة والاستمرار.

وهذا ما يأمرنا به نبينا -عليه الصلاة والسلام- من المداومة على العمل الصالح، ولو كان قليلا، فكما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"([1]) بل وفي صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- كذلك قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً” ([2]) وأثبته:أي: داوم وواظب عليه.

وفي الفصول اللاحقة بإذن الله سنتكلم عن طريقة منهجية لمحاربة الاستجابة للإدمان، هذه العملية قد تستغرق وقتا طويلا، لذا فهنالك بعض الأشياء البسيطة التي يمكن البدء بممارستها للمساعدة في تقوية الدماغ الرئيسي(الفكري) لديكم:

- كتابة اليوميات:

تذكروا كيف أني طلبت منكم أن تتبعوا عواطفكم وأفكاركم على مدار اليوم، وأوصيكم الآن أيضا أن تبدؤوا بكتابة يومياتكم حول الملاحظات الخاصة بعواطفكم وأفكاركم.

تأكد من أن يومياتك خاصة بك أنت فقط ولا يمكن لأحد آخر الوصول إليها، فمن المهم للغاية أن نكون صادقين تماما ومنفتحين مع يومياتنا، فيمكنك كتابتها على جوالك وحفظها في ملف لا يمكن لأحد الوصول إليه، وهذا متيسر عبر التطبيقات الحديثة.

تكتب يومياتك ليس لتسجيل أحداث اليوم، وإنما لتنظر بعمق إلى الوراء في أحداث يومك، وتحللها بوعي وتكتب ما الذي كان يقود عواطفك وسلوكياتك.

هذه الممارسة تسمح لك بتقوية (الدماغ الفكري) لديك، وكذلك لتبقيك على اتصال وفهم أفضل للعقل(العاطفي) و(الزاحف) لديك.

- تأجيل الإشباع:

ابحث عن شيء آخر ممتع جدا بالنسبة لك وقم بممارسته مؤجلاً نِيَّة البحث في الإباحية لمدة 10-15دقيقة.

يقول (أليكس): على سبيل المثال "الشيء الأول الذي كنت أقوم به كل صباح هو تصفح بريدي الألكتروني" وسوف نتحدث لاحقا عما يمكن أن نمارسه كل صباح. يقول (أليكس): أنه بعدم تصفحه لبريده الإلكتروني يكون قد مارس استجابة لدماغه (الفكري) الرئيسي.

بالمقارنة مع الأيام التي كان يتخطى فيها ممارسة النشاط الصباحي الصحي اليومي ويذهب مباشرة إلى بريده الإلكتروني، يكون قد مارس استجابة لدماغه (العاطفي).

نحن نواجه فُرَصا لتعزيز عقولنا الفكرية على أساس يومي، حتى لو كان وقف المواد الإباحية صعبا للغاية بالنسبة لك الآن فهناك خطوات صغيرة أخرى يمكنك القيام بها لمساعدة دماغك الفكري ليكون أقوى.

 -تأخير أفعالك:

إنها تشبه تأجيل الإشباع.

إذا كنت تشعر بعاطفة قوية تجبرك على فعل شيء قم بتأجيل هذا السلوك لفترة قصيرة من الزمن.

على سبيل المثال إذا غضبت من أحد زملائك في العمل أو غضبت من زوجتك: تمالك نفسك وتحمل، يمكنك حينها  كتابة ما تود قوله لزميلك أو زوجتك في رسالة؛ وتحفظها كمسودة على البريد الألكتروني، أي: لا ترسلها، أو مثلا جاءتك فكرة لمشروع تجاري مثير، قم بتدوين تلك الفكرة واتركها لليوم التالي، ثم تعال واقرأ وتأمل ما دونته: هل لا يزال ذلك ممكنا فعله في الحالتين أم لا؟

- السيطرة على تنفسك:

مثلما ذكرت لك من قبل: التنفس هو المفتاح السري للدماغ الزاحف الخاص بك، فمتى ما لاحظت نفسك تتفاعل مع دماغك (الزاحف) أو (العاطفي) حاول ممارسة التنفس العميق.

على سبيل المثال: إذا قام  شخص ما بقطع حركة المرور عليك وأنت تقود سيارتك مما تسبب لك في الشعور بالغضب، فعلى الفورعليك البدء بأخذ أنفاس عميقة، وبالمثل إذا رأيت شيئا مثيرا لك في الشارع أو على شاشة التلفزيون أو قرأته في صحيفة، حاول القيام بممارسة التنفس العميق.

عد من واحد إلى عشرة في الشهيق، ثم اكتم نفسك مدة 10 ثواني أيضا، ثم عد من واحد إلى عشرة في الزفير، وقم بتكراره حتى تشعر أنك أفضل راجع (تقنية التعرض ومنع الاستجابة).

هذه النصائح الأربعة بسيطة كما ترون لكنها قوية جدا.

عليك القيام بها فهي في غاية الأهمية وإن لم تفعل فلن تشعر بتحسن حالتك إلى الأفضل، استعن بالله ولا تعجز.

يقول (أليكس): "مجتمعنا للأسف لا يقوم بعمل جيد جدا لمساعدة الناس على تطوير (الدماغ الفكري) لديهم، بل على العكس من ذلك؛ تم بناء صناعة وسائل الإعلام بأكملها على تدريب الأشخاص على اتخاذ القرارات مثل الشراء عن طريق أدمغتهم (العاطفية) و(الزاحفة).

للأسف أن دماغك العاطفي قد يتسبب لك الكثير من الألم؛ لأنه يفرض عليك أن تبحث عن مساعدة ولكن يمكن أن يكون هذا الأمر مفيدا: كيف يكون هذا؟

إذا عدت إلى الوراء، ربما تجد أن إدمانك كان أفضل وأسعد شيء حدث لك، شيء غريب وقد تتعجب منه، لا تتعجب، فأنت لست سعيدا بالطبع، بكل من الألم والحزن الذي جلبه إليك الإدمان في حياتك وحياة أحبائك من والديك وزوجتك وأولادك وكل من حولك، وأنت لست سعيدا بالطبع بالوقت والعمر الذي أنفقته مشبعا إدمانك الذي أهلكك، ولست سعيدا أيضا بكل تلك الأحلام الكاذبة التي توهمتها وخلتها حقيقة، وهي في الواقع كوابيس وخدع لا أكثر.

لكنك سعيد أنك استيقظت أخيرا، وأنك أصبحت في النهاية قادرا على رؤية الأشياء حولك على حقيقتها فعلا، سعيد أنك ستعيش بقية حياتك مرتاحا بعيدا عن تلك الآثام والخطايا، سعيد أنك ستعيش بلا إدمان، ليس لأحد سيطرة عليك، لا وسائل إعلام ولا مواد إباحية، لا هدف لك إلا رضا الله خالقك، عبد له وحده لا لغيره، سعيد أنك عدت إلى أسرتك، راعيا لها آمنا مطمئنا، بعدما كنت مفقودا عندهم وفاقدا لهم، سعيد أنك ستتزوج -إن كنت أعزبا- زوجة صالحة لتنجب أولادا تسعى بعون الله لأن يكونوا صالحين.

وأنت كذلك، فأنا متأكد ثقة في الله ربي أنه ستكون لديك تجربة مماثلة لما أقوله، حتى لو كنت لا تشعر بذلك حتى الآن.

وأخيرا أخي الحبيب، يقول الشيخ عبد الرحمن السحيم([3]):

” لا تكن عبداً لغير الله، فهو سبحانه أهل الثناء والمجد، وهو أهل التقوى والمغفرة، لا أحد غيره يستحق أن يُصرف له شيء من العبودية، لذا قال موسى جوابا لفرعون:﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ طه: 50؛ والمعنى: إن كنت أنت يا فرعون الذي فعلت ذلك، فأنت تستحق أن تُعبد. وأنت يا فرعون توقن في قرارة نفسك، أنك لست الذي يفعل ذلك كلّه. ثم قال حفظه الله: "من بين العبوديات الخفيّة، التي قد تعـزب عن بعض الأذهان: عبودية الهوى، وعبودية الشهوات، فعبودية الهوى قال الله جل جلاله عنها :﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ الجاثية:23 قال الحسن رحمه الله: "هو المنافق لا يهـوى شيئا إلا رَكِبَه".

وقال قتادة: "هو الذي كلما هوى شيئا رَكِبَه، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجـزه عن ذلك ورع ولا تقوى".

وأما عن عبودية الشهوات فقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ لَقِيَ الله مُدْمِنَ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ"رواه ابن حبان وغيره وهو حديث صحيح([4]).

وانظر -حماك الله- إلى ذلك الذي ينحني خاضعا ذليلا، تحت قدمَيْ عاهرة فاجرة، حتى سجد أحدهم تحت قدميها، فما رفع رأسه حتى مات – نعوذ بالله من سوء الخاتمة – فإنَّ مَنْ عاش على شيء، مات عليه.

قال ابن القيم -رحمه الله- معلقا على قول الشاعر الخبيث:

وصلك أشهى إلى فؤادي مــن رحـمــة الخـالـق الجـليـل

قال رحمه الله في الجواب الكافي:  "ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك، وكثير من العشاق، يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضعٌ لغيرِ معشوقه البتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله، فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا بدلا من عبودية الخالق جل جلاله، بعبودية المخلوق مثله، فإن العبودية، هي كمال الحب والخضوع، وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذلِّهِ لمعشوقه، فقد أعطاه حقيقة العبودية".

وذاك عَبَد الأطباق الفضائية (الدش او الستالايت) لا يستغني عنها، وليس عنده استعداد أن يتنازل عن النظر إلى وجوه وعورات المومسات البغايا. وهذه أمثلة لا يُراد بها الحصر.

يَقـْـصُـر بعض الناس مفهوم العبادة، على الركوع والسجود فحسب. وهي في الحقيقة أعم من ذلك، وأشمل بكثير. فقد عرّفها شيخ الإسلام بقوله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة".

فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحُكْمِهِ والشكر لنِعَمِه والرضا بقضائه، والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله، وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له التي خلق الخلق لها، كما قال تعالى﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات: 56, وبها أُرسل جميع الرسل". انتهى كلامه رحمه الله. عافانا الله وإياكم من أن نكون عبيدا لغير الله.

في الدرس التالي سنذهب بإذن الله لنلقي نظرة على كيفية إنشاء خطة للتعافي.

  • ([1]) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب القصد والمداومة على العمل, ورواه مسلم من كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره.
  • ([2]) رواه مسلم، من كتاب صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض.
  • ([3]) من مقال بعنوان (فتش عبوديات خفية في نفسك).
  • ([4]) رواه ابن حبان في كتاب الأشربة باب آداب الشرب فصل في الأشربة ذكر البيان بأن مدمن الخمر قد يلقى الله جل وعلا في القيامة بإثم عابد وثن. عن ابن عباس، ورواه البخاري في تاريخه، والبيهقي في شعب ال إيمان عن محمد بن عبد الله عن أبيه، والحديث صححه الألباني في الصحيحة وضعفه الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان.
  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 25 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 3K
  • عدد المهتمين: 226
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك