الدرس السادس عشر: الانتكاسة وماذا نتعلم منها ؟ الجزء الأول

من المهم الآن أن نتكلم عن الانتكاسة أثناء التعافي من إدمان الإباحية، فالكثير يشكو من أنه كثيرا ما يقلع مدة تكون طويلة أحيانا، ثم يعود إلى سابق عهده.
A+ A-

سنتحدث في درسنا هذا وحتى الدرس الثالث والعشرين حيث النهاية عن منع الانتكاسة.

من المهم الآن أن نتكلم عن الانتكاسة أثناء التعافي من إدمان الإباحية، فالكثير يشكو من أنه كثيرا ما يقلع مدة تكون طويلة أحيانا، ثم يعود إلى سابق عهده.

الآن سأنقل لكم تجربة أليكس في انتكاسته وما الذي من الممكن أن نتعلمه منها.

يقول أليكس: كنت قادرا على أن أحافظ  على شهر واحد من الرصانة عن طريق القيام بممارسة تقنيةالتعرض و منع الاستجابة، منذ أن اتخذت هذا النظام وأنا لم أكن متأكدا من مدى فعالية هذه التقنية، فقررت التماس مزيد من المعرفة، اشتريت عضوية في برنامج كانديو وهو برنامج لعلاج مدمني الإباحية.

من المستغرب أنني وجدت نظامي الذي اتخذته قريبا جدا من الحل المقترح من قبل كانديو، رغم ذلك كنت قادرا على تعلم الكثير من كانديو، والأهم من ذلك أنني ربحت ثقة بأن توجهي نحو الانتعاش كان في الواقع كفؤا.

مع مساعدة من كانديو كنت قادرا على البقاء رصينا ومتزنا مدة 3 أشهر كاملة، ثلاثة أشهر دون استمناء، ولم أسقط في وحل الإباحية وكان هذا بمثابة معجزة بالنسبة لي، لم يحدث هذا من قبل في حياتي، فأنا لم أستطع تحقيق مثل هذا سابقا.

و لكن أليكس لعله نسي أن يذكر قدرة الله وعونه له، فلله وحده الفضل والمنة، يا إخواني لا تنسوا قدرة الله ومعونته لكم في طريقكم إلى الشفاء والتعافي، دوما استعينوا بالله واسألوه العون والقوة على ذلك. قال تعالى: "وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا" [الأحزاب: 27]، روى أحمد في مسنده، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "دَعَوَاتٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ؟ فَقَالَ: "إِنَّ قَلْبَ الآْدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ”

سئل شيخ الإسلام عمن أصيب بسهم من سهام الهوى؟

فأجاب: ليكثر من الدعاء بقوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرِّف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك".

فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عما سواه كما قال تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).

ويخلف عليه محبة خالقه ووليِّه الذي لا صلاح له ولا فلاح إلا بأن يوحِّده في الحب ويقبل عليه في العبادة لينال الرضى والسعادة.

و يقول ابن القيم رحمه الله: "يستحبُّ الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في إكثاره من تلك الدعوات، وإظهارِ قلَّةِ حيلته وافتقاره إلى ربِّه أن يهديه ويلهمه الرَّشاد. واسترساله في الضراعة، والمسألة، لكمال توحيده ويقينه بأن الله سبحانه يتصرف في ملكوته كيف يشاء. فالخلق كله له، والأمر كله له، والحكم كله له، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وما شاء لم يستطع أن يصرفه إلا مشيئة، وما لم يشأ لم يمكن أن يجلبه إلا مشيئته، ومن اتّكل على نظره ومعرفته خُذِل وضَلَّ، قال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً). فالعبد مفتقر إلى الله في أن يحبِّبَ إليه الإيمان ويثبِّت قلبه عليه، ويبغِّض إليه الكفر ويصرف قلبه عنه، وإلا فقد يعلم الحق ولا يحبه ولا يريده فيكون من المعاندين الضالِّين".

يكمل أليكس فيقول: لقد شعرت أن حياتي أصبحت أكثر صعوبة بعد تركي للإباحية! حقيقة أنا الآن أشعر بحياتي ووجودي على هذه الأرض، أشعر بالسعادة، لكن في بداية توقفي كانت المشكلة في أن مثل هذا لم يحدث لي من قبل قط، نعم أنا توقفت عن إدماني للإباحية، لكن هذا لم يساعد في علاج القلق الاجتماعي وغيره من المشاكل التي كنت أعاني منها، بل إن حياتي صارت أكثر صعوبة، فإني قد فقدت عكازي الوحيد الذي اعتدت أن يساعدني في التخفيف من آلام الحياة، فبدونها شعرت  للأسف بالوحدة والضعف.

شعرت بشعور الناس تجاه برنامج كانديو وممارسة تقنية التعرض ومنع الاستجابة أنهما مجرد خدعة، قلت لنفسي ها أنا قد توقفت عن إدماني، فلماذا حياتي لم تتحسن؟ إذا كل الوعود التي قلتها لنفسي أثناء ممارسة تقنية التعرض و منع الاستجابة كانت مجرد كذبة؟

ببطء بدأت بالبحث عن طرق جديدة لعلاج نفسي، بالتأكيد لم أكن أريد مشاهدة الاباحية وقتها، و لكن لم يكن لدي مانع من مشاهدة فيلم من أفلام الرعب مثلا، كنت أشاهد أفلام الرعب من فلمين إلى ثلاثة أفلام في اليوم، لم أعترض لأنها لم تكن من الإباحية في الظاهر.

سرعان ما بدأت و بسرعة أنحدر من خلال تلك الأفلام حيث أبحث عن المقاطع الـ "مثيرة للاهتمام" التي تحوي عادة العنف الجنسي، لم أهتم  بموضوع الفيلم، كان اهتمامي منصبا على "الأجزاء المثيرة للاهتمام".

بعد ذلك، بدأت بالانخراط في سلوكيات مشابهة جدا لأسوأ أيام من أيام إدماني، أود أن أبقى مستيقظا طوال الليل في مشاهدة أفلام الرعب، وأود أن أتخلف عن عملي.

بدأت أشعر حقا أنني سأجن، فقد كان لدي كل هذه المعرفة حول كيفية وقف إدمان الإباحية، وكنت أعرف أنني تعلمت كثيرا من الحيل، رغم ذلك لا أستطيع التوقف، لكن يبدو أنني فقط لم أستطع البقاء في الطريق الصائب لفترة طويلة من الزمن.

أحيانا أريد أن أكون منضبطا ومتزنا، لكن في بعض الأحيان أشعر وكأنني "أستحق استراحة".

وقفة:

لا تنس أخي ولا تخف حقيقة تلك النفحات الإيمانية الجميلة التي بدأت تلامس شغاف قلبك مذ توقفت عن الإباحية في الفترة الماضية، فتلك دموع رقيقة وأنت تصلي تنحدر على وجنتيك حين تتذكر كم كنت شقيا، حزينا، كئيبا، وتقارنها بحالك الآن بعد تركك هذا المستنقع الآسن.

و هذه ضحكة وابتسامة من قلبك تخرج يسمع صدى حلاوتها كل من بقربك بعدما كنت حزينا شاردا، والضحكة ممزوجة بالأحزان، عكرة غير صافية، ها هي زوجتك تراها أجمل من أي وقت مضى، تحبها، تحب الجلوس إليها، تكتشف أنك كنت بعيدا عنها، وهي تكتشف أنك كنت مغتربا عنها، تستمتعان الآن بالجلوس سويا، تراك أبهى من أي وقت مضى، تتحسر على أوقات لم تجلس معك فيها، تتسامران، فهي لم تكن تدري أنك كنت غارقا، فأنقذك الله، أولادك تقترب منهم، ويقتربون منك، تشعر بهم، بمشاكلهم، بأحاسيسهم، سعداء بمزاحك معهم وملاعبتهم واصطحابهم للنزهة، وجلوسك معهم، تؤدبهم، وتذاكر لهم دروسهم.

لم تعد عصبيا كحالك القديم، بت تضبط انفعالاتك، تذهب لعملك مبكرا بوجه صبوح رائق وضاح، تؤدي عملك بهمة ونشاط، وتنصرف ولكن ليس قبل وقت الانصراف.

لم تعد تجلس لمشاهدة فيلم أو ملاحظة فيديو كليب أو سماع أغنية، فالقرآن صار أنيسك، وأناشيد بغير إيقاع تنعش القلب أحيانا، فهي سلوتك ولو لم تكن متزوجا، فقد أصبحت الآن تطلب الزواج، تتمنى أن تصبح لك أسرة سعيدة وأولاد صالحون تفتخر بهم ويفتخرون بك.

لحظات لا تنسى وتغير كبير حدث في حياتك، هذا ما يقوي لديك الرغبة في عدم العودة إلى تلك الحياة السالفة المهينة.

يكمل أليكس فيقول: لذلك قررت أن أفعل ما من شأنه ألا أعود مرة أخرى، قلت لنفسي سأحاول بجد أن أصلح نفسي و لن أعود لن أعود.

كانت المشكلة أنني لم أعد أعرف إلى أين أتجه لطلب المساعدة، لقد قرأت بالفعل بعضا من أفضل الكتب حول هذا الموضوع، لقد  دفعت بالفعل لبعض من أفضل برامج التعافي، لقد طلبت المشورة المهنية، لكن بطريقة ما توصلت إلى أن كل هذا يبدو أنه لا يكفي، فقررت أن أنظر في الخطوات الاثنتا عشرة (سنتكلم عنها لاحقا بالتفصيل، ونوضح ما لها وما عليها في ضوء شريعتنا الغراء).

قررت من خلال برنامج كانديو أن فكرة ذهابي إلى اجتماع مدمني الجنس المجهولين، فكرة جيدة، لم أكن أشعر أنني بحاجة إليها لكن أردت أن أفعل ذلك، اعتقدت أنها ستكون وسيلة لتواصل أفضل مع الناس.

عندما حضرت الاجتماع، كانت الغرفة مليئة بالناس يناقشون بعض القضايا الحقيقية، كان الجميع متآلفين حتى كنا نشكل دائرة، ونعقد أيدينا بعضهما البعض في نهاية الاجتماع، كانت هذه أغرب تجربة في حياتي.

ثم قررت الخروج لتناول الإفطار مع هؤلاء الناس، وبدأت أشعر بالقلق الاجتماعي، وأقسمت أن لا أعود إلى الاجتماع، لأنه جعلني أشعر بأنني علي العمل بها بدلا من أن تكون مفيدة.

في طريق عودتي من الإفطار إلى موقف للسيارات، تحدثت إلى واحد من القدامى سألته: منذ متى وأنت بعيد عن الإباحية؟ قال لي حوالي 3 سنوات.

لقد تأثرت كثيرا من نتائجه، وسألته كيف فعل ذلك؟

قال إن هذا من السهل جدا، إن برنامجي روحيٌ.

فقلت لنفسي هذا الرجل مهووس دينيا!

و قلت له هذا لطيف و قررت أن لا أسأل أي أسئلة أخرى.

و عندما وصلنا إلى موقف السيارات أعطاني الرجل كتابا عن مدمني الخمر، وقال لي إن الوافدين الجدد في كثير من الأحيان لا يعودون، وإذا لم تعد فاجعل الكتاب معك، لكنه نصحني جدا بقراءة جزء مهم منه أشار إليه إذا لم أكن أشعر أنني أرغب في قراءة كل شيء.

شكرته وأخذت الكتاب، قرأت ما أشار به علي ثم أرسلته بالبريد له و قررت ألا أعود إلى اجتماعات الخطوات الاثنتا عشرة مرة أخرى.

مضت الآن 4 أشهر وأنا متزن، وجدت نفسي في ورطة مرة أخرى لا أعرف إلى أين أذهب، و قررت أن أنتقل إلى الخطوات الاثنتا عشرة مرة أخرى لمعرفة ما إذا كان باستطاعتهم تقديم شيء جديد أم لا؟.

باختصار، أدركت صحة عبارة "العقل والجسم والروح" وحدة واحدة، فممارسة تقنية التعرض ومنع الاستجابة وبرنامج كانديو يمكنني من خلالهم الاعتناء بعقلي، ومن خلال العادات اليومية الصحية كنت أقوم برعاية جسدي، و لكن لم تأخذ روحي رعاية على الإطلاق، كان هذا هو العنصر المفقود وهذا ما كان عليّ القيام به من أجل البدء لرؤية تغييرات إيجابية تحدث في حياتي.

أحبابي: يقول الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد:

[إن الدين الإسلامي الحنيف ينظر إلى الإنسان على أنه وحدةٌ واحدةٌ مترابطة الجوانب متكاملة القوى، ورغم أن لهذه الوحدة جوانب ثلاثة هي (الروح، الجسم، العقل) إلا أنها تُشكِّل فيما بينها كياناً واحداً يعتمد في تكوينه على توازنٍ دقيق وترابطٍ شديد وتداخلٍ شائكٍ فيما بين هذه الجوانب الثلاثة، التي تتضح العلاقة بينها في كونها تُشكل في مجموعها ما يُمكن تسميته: بالأبعاد الأساسية لشخصية الإنسان، بقدر ما بينها من توافقٍ وانسجام يكون تكامل هذه الشخصية، كما أن الترابط والتداخل بين هذه الجوانب الثلاثة قوي جداً لدرجةٍ يصعب معها إمكانية الفصل بينها.

ليس هذا فحسب، بل إن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة تتمثل في أن كُلاً منها يتأثر بالآخر ويؤثر فيه، ما يؤثر في أحد هذه الجوانب يؤثر في الجانبين الآخرين. ولعل خير مثالٍ يوضح مدى قوة العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة أنها قد تشترك مجتمعةً في العمل الواحد الذي يؤديه الإنسان، فالصلاة عند المسلم كما يُشير إلى ذلك، الأستاذ محمد قطب "تشمل الكيان البشري كله في آنٍ واحد: جسمه، عقله، روحه، فنصيب الجسم هو الحركة، من قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وتحركٍ وسكونٍ. نصيب العقل هو التفكر فيما يتلوه المصلي من الأدعية والآيات. نصيب الروح هو الخشوع والتقوى والتطلُّع إلى رحمة الله، وكلُ ذلك في آن واحد".

لذلك يمكن القول: إن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة علاقة ارتباطٍ وتلازم، إذ أنه لا يمكن أن يستغني جانبٌ منها عن غيره؛ ولا يمكن أن تقوم الشخصية الإنسانية دون تكامل هذه الجوانب الرئيسة وانسجامها مع بعضها] .

سنكمل بإذن الله قصة انتكاسة أليكس وماذا تعلم منها في الدرس التالي.

في الوقت نفسه أهيب بك أن تلقي نظرة فاحصة على السلوكيات الخاصة بك اليوم، للتأكد من أنك لم تسمح لنفسك بممارسة عادات إدمان جديدة لتحل محل القديمة. كما فعل أليكس حينما اتجه لمتابعة الأفلام المرعبة بحجة أنها ليست إباحية، ثم مع الوقت وجد نفسه يتابع اللقطات المثيرة وعاد إلى ما كان عليه من سوء.

  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 26 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 1K
  • عدد المهتمين: 180
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك