الدرس السابع عشر: الانتكاسة وماذا نتعلم منها؟ الجزء الثاني

سنشرح بالتفصيل ما وجده أليكس مفيدا في الاثنتا عشرة خطوة، وماذا نستفيد نحن من هذا؟
A+ A-

في الدرس الماضي قمت بعرض قصة انتكاسة أليكس وناقشنا بعض فوائدها، نتذكر كيف أن اليكس كان قد يئس من أن يتعافى حتى بدأ بقراءة أدبيات الاثنتا عشرة خطوة، فأرشدته إلی شيء مهم كان مهملا له ولم يعتن به، ألا وهو الجانب الروحي.

في هذا الدرس سنشرح بالتفصيل ما وجده أليكس مفيدا في الاثنتا عشرة خطوة وماذا نستفيد نحن من هذا؟

قبل أن نبدأ، هيا بنا نتعرف على تاريخ زمالة المدمنين المجهولين والخطوات الاثنتا عشرة باختصار.

بداية، هناك كتاب يسمى "الكتاب الكبير لمدمني الخمر المجهولين". (الكتاب الكبير هو مجرد لقب، والكتاب هو في الواقع صغير جدا) ويعد دليلا للمدمنين اليائسين. مؤلفه بيل جورج، مؤسس زمالة مدمني الخمر المجهولين، يشرح فيه معاناته الشخصية مع إدمان الكحوليات.

بيل جورج يظل يشرب الخمر لسنوات عدة، في البداية كان لا يعتقد أنه يفعل خطأ ما، ولكن في نهاية المطاف لم يستطع أن ينكر أن حياته أصبحت خارج نطاق السيطرة تماما، وشرع بعد ذلك في محاولة لإنهاء شرب الخمر.

حاول أولا ضبط نفسه التي لم تستجب، ثم حاول الحصول على فهم نفسي لمشكلته ولماذا نفسه لا تستجيب ولا يستطيع السيطرة عليها لهذا الحد، ثم حاول حبس نفسه في مركز للتعافي، لكن بمجرد أن خرج عاد مرة أخرى إلى شرب الخمر ولم ينجح في وقف إدمانه.

لقد حاول فعل كل شيء يصلح لهذا الغرض من خلال الطب الحديث في ذلك الوقت (أواخر 1930)، لكن لم يكن هناك شيء على ما يبدو يمكنه المساهمة في مساعدته.

ذات ليلة جاء إليه صديق قديم في شرب الخمر للتحدث معه، هذا الصديق كان متوقفا عن الشرب حوالي شهرين والغريب كما قال بيل أن صديقه بدا في غاية السعادة والحضور.

صديقه حكى له القصة من تلقاء نفسه، حدثه كيف أنه كان على وشك أن يذهب إلى السجن بسبب الشرب وسوء السلوك، لكن جاء رجلان وأقنعا القاضي بالسماح لهما بمحاولة إنقاذه، ووافق القاضي وذهب صديق بيل خارجا مع هذين الرجلين.

كان الرجلان جزءا من حركة دينية، كان في اعتقادهم أننا بشر وقد ندير أنفسنا بطريقة سيئة للغاية وأن الله جل وعلا بقدرته أن يغير حياتنا للأفضل إذا استعنا به وعملنا من أجل رضاه، علموه مبادىء وخطوات معينة من أجل أن يحقق هذا، "بالطبع كان هذا من خلال معتقدهم الديني الفاسد".

و لنتذكر دوما إخوتي أن الله قد أرسل رسله جميعاً بالإسلام، فأمروا قومهم أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يكفروا بما عداه من المعبودات الباطلة، قال تعالى: ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ” {النحل:36}، فدين الأنبياء واحد، قال تعالى: ” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ” {آل عمران:19}، ولكن الاختلاف بينهم في الشريعة والأحكام، قال تعالى:” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ” {المائدة:48} لنتذكر أن التوراة والإنجيل يأمران بتصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومتابعته، فمن كفر بمحمد -عليه الصلاة والسلام- فقد كفر بالتوراة والإنجيل، ونتذكر حفظ الله القرآن من التغيير والتبديل. قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" {الحجر:9}، فلم يتبدل منه حرف على مرور القرون أما التوراة والإنجيل فقد حُرفوا.

نكمل، بالإضافة إلى ذلك أصبح بيل على بينة من فكرة أن السكارى على طول تاريخ العالم معظمهم ماتوا ميتة سيئة باستثناء عدد قليل منهم، وجد أيضا أن كثيرا من الذين تركوا إدمان الخمر، تركوه بعد تقوية علاقتهم بالله وأصبحوا متدينين.

المشكلة أن بيل لم  يكن مؤمنا بالله على الإطلاق، ثم حدث أن دخل مستشفى الأمراض العقلية بسبب تعاطيه الخمر.

وقال أنه سمع الطبيب وهو يحدث زوجته قائلا لها أن هذه المرة ربما تكون الأخيرة، وهناك احتمالات لعدم تعافي دماغه بدرجة كبيرة من فورة الشرب الأخيرة، وإذا وقع بيل في حالة سكر مرة أخرى فإن حياته من المرجح أن تكون في خطر شديد.

فلجأ بيل ليلتها إلى الله -كما ذكر- وهو في  المستشفى، سائلا الله أن ينقذه، بالطبع بيل انتقل من الإلحاد إلى الشرك، فهو في البداية لم يكن يؤمن بأن هناك إله البتة، ثم هو يدعو الله لكن دون توحيد كما تعلم من صديقيه، فالحمد لله على نعمة الإسلام، سبحان الله الشافي القدير الرحمن يستجيب دعاء بيل فقد تعافى وخرج من المستشفى، لم يعد بعدها إلى شرب الخمر أبدا انشق عن مجموعته القديمة لأن عضويتها كانت كبيرة وأسس مجموعة متخصصة لمدمني الخمر.

السؤال الآن هل يجيب الله دعاء غير الموحدين؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخلق كلهم يسألون الله فيرزقهم ويسقيهم، قال تعالى: "وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً". وقال أيضا: أما إجابة السائلين فعام، فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافرا. مجموع الفتاوى.

قال ابن القيم: فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيا عنه ولا محبا له ولا راضيا بفعله، فإنه يجيب البر والفاجر والمؤمن والكافر. اهـ

و بعد أن أسسوا مجموعة متخصصة لعلاج مدمني الخمر، بدؤوا بمشاركة معاناتهم مع شرب الكحوليات بعضهم مع بعض، وكانت عضوية مجموعتهم في بادىء الأمر تضم نحو ألف شخص، وظلت تلك المجموعة لحوالي 2-3 سنوات مما سمح للكثير من الأعضاء أن يبقوا رصينين، عندها قام بيل بكتابة "الكتاب الكبير لمدمني الكحول"، الذي أُستعرض وحُرر من قبل المجموعة بأكملها، ونُشر في وقت لاحق.

هذا الكتاب لم يكن هو النجاح بعينه، ولكنه خلق ثورة في كيفية علاج الإدمان، وأنشأ واحدا من العلاجات الأكثر شعبية للإدمان، هو ومجموعة الإثنى عشر خطوة. تكيفت مئات من المجموعات المختلفة مع رؤية بيل بطريقة أو بأخرى واستخدموها لمساعدة الناس على التغلب على كل أنواع المشاكل المختلفة، من الإفراط في تناول الطعام وحتى إدمان الجنس.

اسمحوا لي الآن أن نعود مرة أخرى قليلا لقصة أليكس.

تذكرون كيف كان أليكس يشاهد الكثير من أفلام الرعب خلال فترة الانتكاس؟ حسنا، لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر وعاد لسلوكياته القديمة حتى أصبحت نفسه خارج السيطرة.

وكانت المشكلة هي أنه لم يكن يعرف كيفية وقفها، ولم يعرف كيفية إدارة حياته إذا لم يتوقف.

يقول أليكس: كنت أعرف أنني إذا قمت بعمل تقنية التعرض ومنع الإستجابة فإنني لن أشاهد أي شيء، وللأسف أنني كنت أرغب بمشاهدة المواد الإباحية، رغم ذلك كنت أرغب بمشاهدة ما هو سيئ حقا لأنني لا يمكن أن أتوقف، كنت أشعر بفراغ لا أجد ما يملؤه، كنت أحتاج إلى ما أملأ به فراغي.

في نفس الوقت أدركت أنني لا يمكن أن أعتمد على إدمان ليخلصني من هذا الفراغ، و لكن كنت لا أعرف إلى من ألجأ؟ ماذا أفعل؟ لذلك واصلت المحاولة لإدارة إدماني فعدت إلى أدبيات الاثنتا عشرة خطوة.

عندما عدت إلى الاثنتا عشرة خطوة، أنا شعرت حقا بتحول في حياتي أكثر نحو الله، وكان هذا هو الشيء الوحيد الذي كان ينقصني ولم أكن أفعله.

والآن دعونا نلقي نظرة سريعة على الاثنتا عشرة خطوة التي يتحدث عنها أليكس.

ما هي الخطوات الاثنتا عشرة؟:

هى أسلوب للحياة مبني على مبادئ مكتوبة ببساطة فى شكل مرقم من 1 إلى 12 بتسلسل بسيط، بدأ باستخدامها مجموعة من مدمني الخمر لعلاج الإدمان كما ذكرنا في البداية بنجاحهم بهذا الأسلوب الروحى فى الحياة، كونوا زمالة تتبع هذا المنهج للتعافي، وتبعتهم زمالات أخرى مثل المدمنون المجهولون ومدمنو الكوكايين المجهولين ومدمني المقامرة ..إلخ، حتى وصل عدد هذه الزمالات أكثر من 52 زمالة على مدار الـ 65 عاما الماضية، وكل هذه الزمالات تتبع نفس الخطوات مع تغيير بسيط فى صياغة الخطوة الأولى.

أهمية القرب من الله في التعافي؟

هناك دور مهم للتقرب إلى الله في عملية التعافي، فهي تعتبر جزءاً أساسيا من إتمام هذه العملية، تؤيد الدراسات العلمية فكرة أهمية اشتمال برامج التعافي على العنصر الروحي، لقد أجريت دراسة سنة 1985 في مستشفى حكومي على 248 مدمن للمخدرات للمقارنة بين نتائج البرامج الروحية والبرامج غير الروحية (أغلبهم مدمنو هيروين بمتوسط 8 سنوات تعاطي).

وجد أن نسبة التوقف عن التعاطي مدة سنة واحدة فيمن اشتركوا في برامج روحية زادت نحو 10 أضعاف من اشتركوا في برامج غير روحية.

في دراسة آخرى أجريت سنة 1996 على متعاطي الكحوليات من المراهقين، وجد أن الأمهات اللاتي كانت لهن اهتمامات وأنشطة دينية، كان لأبنائهن فرص أفضل للتعافي ومحفزات أكثر للتوقف وطلب التغيير، كما أثبتت دراسة أمريكية أن المتدينين أقل عرضة للتورط في تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم وحالات الطلاق بل الانتحار أيضا، كما أن هؤلاء المتدينين كانوا أفضل من ناحية الصحة الجسمية، كانوا يعيشون حياة أطول بسبب عدم اصابتهم بالأمراض.

بكل بساطة واختصار إذا أردت أن يغير الله حالك {فغير حالك مع الله تعالى}، فقد قال سبحاانه: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]

ولتبدأ العلاج بإصلاح حالك مع الله والإقبال عليه بالاستغفار والتوبة النصوح، فإن ذلك من أعظم أسباب رفع البلاء، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة.

الخطوات الاثنا عشر:

- اعترفنا أننا بلا قوة تجاه إدماننا وأن حياتنا أصبحت غير قابلة للإدارة.

- توصلنا إلى الإيمان بأن الله خالقنا باستطاعته أن يعيدنا إلى الصواب.

- اتخذنا قرارا بتوكيل إرادتنا وحياتنا لعناية الله.

- قمنا بعمل جرد أخلاقي متفحص وبلا خوف عن أنفسنا.

- اعترفنا لله ولأنفسنا ولشخص آخر (مؤتمن حكيم طلبا للمشورة والنصيحة) بالطبيعة الحقيقية لأخطائنا.

- كنا مستعدون تماما لأن نبذل ونضحي لله من أجل أن يزيل عنا كل هذه العيوب الشخصية.

- سألناه -جل وعلا بخشوع وتذلل أن يخلصنا من نقائصنا الشخصية.

- قمنا بعمل قائمة بكل الأشخاص الذين آذيناهم، وأصبح لدينا نية تقديم إصلاحات لهم جميعا.

- قدمنا إصلاحات مباشرة لهؤلاء الأشخاص كلما أمكن ذلك، إلا إذا كان ذلك قد يضر بهم أو بالآخرين.

- واصلنا عمل الجرد الشخصي لأنفسنا، واعترفنا بأخطائنا لله فورا.

- سعينا من خلال الدعاء والتفكر إلى تحسين صلتنا بالله داعين الله أن يمنحنا القوة على تنفيذها.

- بتحقق صحوة روحية لدينا نتيجة لتطبيق هذه الخطوات، حاولنا حمل هذه الرسالة للمدمنين، وممارسة هذه المبادئ في جميع شؤوننا.

ملاحظة: قمت بتغيير بعض الألفاظ في تلك الخطوات لتكون واضحة وأكثر فهما.

يكمل أليكس فيقول: وبعد أسابيع قليلة وصلت الى أول اجتماع من اجتماعات الاثنتا عشرة خطوة.

و منذ ذلك الحين تغيرت أشياء كثيرة في حياتي، لم أطبق كل تعليماتهم كالأعمى، لكن فعلت الكثير من بحثي الخاص في هذا الموضوع (والتي سوف أطلعكم عليها في المستقبل)، وتبين لي أن هناك العديد من الأشياء التي كما اعتقدت كانوا مخطئين فيها، وعملت بمنهج الاثنتا عشرة خطوة من خلال رؤيتي وما زال هذا مفيدا جدا لي حتى يومنا هذا.

الخطوات الاثنتا عشرة ليست مثالية، ولكنها جيدة بما فيه الكفاية، بل هي أداة قوية ساعدتني في الحصول على الاتزان والبقاء مسيطرا على نفسي، وأنا واثق من أنه لولا الاثنتا عشرة خطوة ما كنت لأستطيع تحقيق أي رصانة على المدى الطويل.

في الدرس القادم سوف أقوم بشرح أكثر استفاضة عن تلك الخطوات الاثنىتا عشرة وسيكولوجيتها، وكيف نقرؤها من خلال ديننا الحنيف، وسأحكي لكم ما انتقده أليكس فيها.

  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 26 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 2K
  • عدد المهتمين: 189
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك