عامٌ من الانتصار

« قصة بطلة كبيرة» استطاعت أن تحقق عاما كاملا تحكي قصتها الفريدة. كنت طفلة عندما كان أحد جيراننا يتحرش بي كثيرًا، لم أكن أعي ما يفعله فلم أجد داعيًا لإخبار أحدهم بذلك، ولم يكن أحدٌ لينبهني حتى من باب التوعية.
A+ A-

« قصة بطلة كبيرة» استطاعت أن تحقق عاما كاملا تحكي قصتها الفريدة فتقول:

كنت طفلة عندما كان أحد جيراننا يتحرش بي كثيرًا، لم أكن أعي ما يفعله فلم أجد داعيًا لإخبار أحدهم بذلك، ولم يكن أحدٌ لينبهني حتى من باب التوعية.

مع الوقت، دفعني فضول الطفلة داخلي للبحث، كنت لا أتردد في مشاهدة تلك الصور والإعلانات التي تنتشر في مواقع الأطفال، أو تلك الأفلام التي تعرض على القنوات الأجنبية.

ثمّ الآن فهمت كل شيء، وتوقفت حيث توقف فضولي.

لم تنتهِ الحكاية بعد، أو ربما هنا كانت البداية، بعدما اكتمل نضجي وأصبحت في المرحلة الجامعية عدتُ بشراهة إلى تلك المواقع.

هل تصدقني إن أخبرتك أنني لم أكن أعلم أن النساء آثمات على ما يشاهدن؟!

نعم فالرجال فقط هم المأمورون بغض أبصارهم!

وعلى أي حال فأنا لم أزنِ ولست من فتيات الليل، فما المانع من بعض المشاهد؟

هكذا كانت معلوماتي حينها.

لا يخفى عليك بالطبع ذلك العدد المهول من الصلوات التي لا أكترث لها.

واستمرت هذه الحال ما يزيد عن السنة.

حسنًا، علي أن أُوقف تلك المهزلة!

قررت أن أقلع عن تلك المشاهد وأن أحافظ على الصلاة وبدأت في حفظ القرآن.. يوم.. اثنان.. أسبوع.. وسقطت!

بكيتُ كثيرًا، ورجوت الله أن يعينني على التوقف، ثم حاولت النهوض مِرارًا وتكراراً، لم أيأس من المحاولة، لكن الحزن كان يستبد بي في كل مرة أكثر من سابقتها، شعور قاتل حيث فقدت ثقتي بنفسي وشكلي، وآثرت الوحدة والبعد عن الناس.

أذكر موقفًا من أشد ما مر بي.

كانت ليلة اختبار في الكلية، درست ليلتها باجتهاد وجِد، ثم في الصباح وأمام ورقة الإجابة كنت كمن يركض خلف السراب!

"يا إلهي أين ذهب كل ما درسته؟!" نسيت كل شيء!

لم يكن يدور في ذهني حينها غير تلك المشاهد! وأن ذنوب العبد تحرمه التوفيق، وأن ذاك العلم نور، ونور الله لا يؤتاه عاصٍ.

عدت إلى المنزل في انهيار تام، شعرت بحجم الكارثة، وبكيت بمرارة حين تذكرت أنني ما رُزقت التوفيق أبدًا في شأن من شؤوني جميعها لم تكتمل، تذكرت أنني كنت على وشك الفضيحة، مراتٍ عدة لولا ستر الله وحلمه رغم بشاعة ما فعلت!

قررت ألا أعود لمثل ذلك أبدًا، ودعوت الله كثيرًا وبكيت بين يديه.

شهر .. وسقطت!

وعدت لسابق عهدي من المحاولات المتكررة.

حتى مطلع ديسمبر، حين قررت بحسم ألا بد لذلك المرض من علاج!

نعم إنه مرض حقيقي يأكل النفس والروح والجسم والأيام!

حاولت وبدأت في مسيرة علاج بنفسي، قررت أن أحاصر الذنب بالطاعات، بدأت بوِرد استغفار كل ليلة، وكنت أزيد عليه مع الأيام.

لا أنكر أن قدمي كانت تزل في منتصف الرحلة، وكنت أطلق العنان لنفسي للبكاء والتوبة في كل مرة.

ثم من صدق الله صدقه الله، وضعكم الله في طريقي – صفحة علاج إدمان الإباحية -، فقرأت الكثير من مقالاتكم، عرفت أضرار ذلك المرض حتى أنه صُنّف ضمن قائمة الإدمان!

وجدت أخيرًا من يشاركني سري، وهمه كهمي، من وضعني على الطريق الصحيح، وكان معي خطوة بخطوة.

تعلمت أن أنهض مهما كثرت سقطاتي، وألا تُمس صلاتي ووردي من القرآن مهما فعلت من ذنوب، تصدقت كثيرًا أملًا أن تطفئ صدقاتي غضب الله، وأن يهديني لترك هذا الطريق.

من توفيق الله لي في هذا العام، أنه كان مليئًا بالمشكلات والأحزان، صحيح أنني كنت أزل على فترات متباعدة، لكنني لم أفكر يومًا بتفريغ طاقة الحزن تلك في هذا الذنب.

ثم كانت الفاجعة!

بعد ستة أعوام من الثبات على الصلاة والصيام، أكتشف أخيرًا أن هناك ما يسمى غسل الجنابة، توجبه تلك المشاهد!

يا الله .. نزلت تلك المعلومة علي كالصاعقة!

أيُعقل؟! أيُعقل أن هذه السنين ذهبت هكذا هباءً، لم يقبل منها صلاة أو صيام؟!

لقد كسرني هذا الخبر كما لم يكسرني شيء من قبل!

لهذا الحد كنت مغيبة؟! لهذا الحد دمر ذلك الذنب اللعين حياتي؟!

كبرت عشرين عامًا على عمري تلك الأيام، وأصبت بحالة اكتئاب لم أفق منها إلا بعد أسبوع، حين أدركت نعمة الله علي أن بصّرني وعلمني غسل الجنابة، وأن رزقني معرفته الآن وليس بعد أعوام أخرى من الضياع.

قررت أن أجدد التوبة مع الله، وفي داخلي ألم لا يعلم مداه إلاه، الحمد لله صبرت واستكملت طريقي، لكنني أتألم إلى الآن كلما تذكرت هذا اليوم.

على أي حال، كانت معرفتي بكم سببًا في خطوات واسعة وكبيرة إلى الله، داومت أكثر على ورد الاستغفار والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وحافظت على قيام الليل وركعة الوتر، أصبحت أكثر ثقة في نفسي وشكلي خاصةً، وأكثر صلابة أمام تلك المشاهد، حيث رزقني الله قوة إغلاقها، إذا ظهرت أمامي والمضي قُدُمًا في طريق الثبات.

وخلال فترة علاجي، مررت بأيام كنت أبكي فيها من وطأة شهوتي!

نعم، كنت أبكي لنشوب حربٍ بداخلي؛ بين وساوسٍ تؤزّك إلى السوء، ونفسٍ تتوق للثبات والطُّهر، فلا يدفعك هذا الصراع إلا إلى البكاء والاستغاثة بالله وبحوله وقوته.. لتنتصر في النهاية!

وعلمت هنا أن لذة الانتصار على شهواتك أعظم لذات الدنيا، وما إن تتنزل عليك رحمات الله حينها حتى تُنسيك وطأة ما مررت به، وتستصغر تلك اللحظات الزائلة من اللذة المزيفة التي كنت لتلقي نفسك بها.

حسنًا، لست ناقمة على كل ما حدث، أصبحت أوقن بحكمة الله في كل شيء، إنها اختبارات يضعها الله في طريقك ليطّلع على قلبك، فيرى أصادقٌ أنت في رغبتك إلى الله، ورهبتك منه؟ أم أنها عباراتٌ ترددها تسقط أمام أول امتحان لها؟!

في كل مرة قررت فيها التوبة، كانت تظهر أمامي إعلانات لمواقع إباحية أو تأخذني الصفحة فجأة لمقاطع لا أعلم من أين أتت .. غير أني علمت أنها "الاختبار" !

فكنت أستعين بالله وأعلن انتصاري عليها، وأرفع رايات الصدق مع الله.

إن الله إن رأى منك صدقًا، كان في عونك وتفضّل عليك بقوة وعزم وإصرار؛ تدفعك دفعًا إلى الثبات!

تعلمت ألا مكان لليأس في هذه الحياة، إنك لن تستيقظ في الصباح لتجد نفسك قد تعافيت تمامًا من هذا الإدمان، ستسقط كثيرًا، ستبكي كثيرًا، ستكتئب، ستحاول النهوض في كل مرة، ستدعو الله بحرقة وحسرة وإلحاح .. ثم تنتصر!

كثيرًا ما كان يتسلل إلى قلبي، إعجابي بالنصر، فلا ألبث أن أتذكر أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء.

إيمانكِ هذا يزيد وينقص، وما فعلت إنما هو توفيق من عند الله، من فضله وكرمه عليكِ وليس لكِ فيه شيء، فألهث بالدعاء "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلبي على دينك".

في النهاية، ها أنت تقرأ كلماتي بعد عامٍ كاملٍ من نعمة الله بالثبات، عام نقيّ تمامًا من الإباحيات.

أنا التي لم أصدق يومًا، أن أحقق تسعين يومًا بلا إباحية، وكنت أرى تمام العام ضربًا من الخيال!

لكني قسّمت طريقي إلى محطات صغيرة، محطة العشرة أيام، محطة الثلاثين يومًا، محطة التسعين، وهكذا حتى هان علي الطريق بعون من الله.

إنه لا مستحيل في صراط الله، لكنه طريق يحتاج إلى صبر، وصبرٍ على الصبر!

وأنيسٍ دائم بكلمات الله ..

(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [سورة الزمر 10]

(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ)[سورة النازعات 40-411]

وأخيرًا، كنت دائمًا أحدث نفسي: "كم بقي لكِ في الدنيا؟ عشرون عامًا؟ ثلاثون؟ يوم؟ يومان؟ ساعة؟! فتذكري .. (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)"

[سورة اﻷعلى ]177

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • تاريخ النشر: 27 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 662
  • عدد المهتمين: 160
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك