قصة حقيقية : خلدون محارب مات على طريق التعافي منتصرا!

خلدون، قصة ستظل باقية في قلوبنا وعالقة في أذهاننا ما حيينا. خلدون صديقنا وصديق صفحتنا ”علاج إدمان الإباحية “، وعضو جروب التعافي ” حرر نفسك “ على التليجرام. خلدون قصته العجيبة ستبقى عبرة وعظة لنا نحكيها على مر الأعوام.
A+ A-

خلدون، قصة ستظل باقية في قلوبنا وعالقة في أذهاننا ما حيينا.

خلدون صديقنا وصديق صفحتنا علاج إدمان الإباحية ، وعضو جروب التعافي حرر نفسك على التليجرام.

خلدون قصته العجيبة ستبقى عبرة وعظة لنا نحكيها على مر الأعوام.

لن أطيل عليكم، تعالوا سويا لنعرف قصة خلدون، وسأترك صديقه أحمد الوفي يحكيها لكم.

أرسل إلي أحمد من أمريكا يقول:

خلدون، قصة تقشعر لها الأبدان، أسردها لكم لعل الضمائر الميتة تصحو قبل فوات الأوان، نحن 5 شباب من دولة عربية.

هاجرنا إلى أمريكا منذ عشر سنوات للعمل والدراسة نعيش سويا في بيت واحد، كنا عائلة واحدة تسود بيننا المحبة والأخوة والصداقة القوية.

 إلى درجة أن كل أسرارنا يعرفها بعضنا البعض.

 كنا شبابا ضائعين، همنا الأول والأخير العمل لتنفيذ أحلامنا والتسلية، وكان ديننا آخر همنا، بيننا صديق اسمه يوسف وهو أعز الناس على قلبنا.

يوسف كان أكبرنا وأكثرنا صلاحا والتزاما، وكان من خيرة الشباب الملتزمين، شديد الحرص على أن نقيم صلواتنا في وقتها، وكان يسأل كل شخص في البيت متى صليت؟

يوسف كان يخاف علينا من أن نضيع في الغربة في بلد مليئة بالمغريات والفتن، يحبنا حبا أخويا ويتمنى الخير لنا قبلما يتمناه لنفسه، بحكمته كرس كل وقته لتغيير حياة شباب ضائعين إلى شباب صالحين مقبلين على طاعة الله ورسوله.

فكان نعم الأخ والصديق الغيور على أصدقائه والهادي لهم، كان لا يسمح لأحد منا أن يتعدى على أخيه وصديقه داخل البيت.

كان شديدا على من يتهاون أو يقصر في عباداته، يعاقب كل من يخالف ذلك، يوسف حبب لنا ديننا وحبب إلينا القرآن وجعلنا من أهل القرآن.

حياتنا كلها تغيرت إلى الأفضل بفضل الله، ثم بفضل أخينا وصديقنا يوسف.

عشر سنوات عشناها سويا كإخوة، علاقتنا مبنية على الأخوة القوية وحسن الخلق.

لن أطيل عليكم.

 جاء يوم 26/12/2015 وكان يوم سبت، حدث خلاف بين يوسف وخلدون وهو أصغر الشباب في البيت، وسبب الخلاف هذا سأحكيه لكم لاحقا، بعد حصول ذلك الخلاف بينهما خرج يوسف من البيت، بعد ساعتين تعرض يوسف لحادث سير قوي أدخله في غيبوبة، وبعد ساعات أعلنوا وفاته في نفس اليوم.

وفاة يوسف كانت أكبر صدمة في حياتنا، خسرنا الشخص الذي نور حياتنا بالإيمان، مات يوسف وكان مراضيا لله، فوالله لم يقترب من الحرام طوال حياته.

القصة لم تنتهِ هنا، بل بدأت قصة جديدة وهي قصة خلدون.

خلدون سابقا كان الشاب المتهور وصاحب الطباع السيئة، لاحقا كان أكثرنا صلاحابفضل الله، ثم بفضل صديقنا يوسف.

خلدون في بداية شبابه كان سيء الخلق غير مبالٍ، مهملا لعباداته، فعندما جاء إلى أمريكا تأثر بشكل كبير بثقافة البلد ومغرياتها، لكن يوسف اعتبر خلدون أخاه الصغير وأعز الناس على قلبه رغم مشاكله، وأصر على أن يكرس كل وقته وجهده لإصلاح خلدون وتقوية إيمانه، وصبر كثيرا على طباعه الغريبة، كل هذا في سبيل تغييره.

خلدون لمسنا فيه طيبة قلبه ورغبته الشديدة في التغيير وأن يكون إنسانا صالحا، كان يجاهد نفسه ثم يسقط، ومن ثم يجاهد نفسه ثم يسقط، وهكذا طوال السنوات الماضية.

يوسف حاول معه بكل الطرق باللين والحزم في سبيل تغييره ليحافظ على صلواته وعبادته، فكان في كل مرة يقع في المحرمات يجعله يجلس مع نفسه لمحاسبتها وجلدها كي تستقيم وتتهذب.

خلدون بدوره كان يحب يوسف حبا أخويا ويوسف كذلك، رغم المشاكل التي تحدث بينهما بسبب طباع خلدون.

 حيث إن خلدون كان يقع سريعا في أسر شهواته وكان أسيرا للأفلام الإباحية، والتي عرفها من بداية شبابه ولم يعرف أحد منا بهذا إلا يوسف!

 يوسف حاول مع خلدون ليحرره من أسر تلك المواد الإباحية، ووقف معه خطوة بخطوة، فكان كلما جاهد نفسه سقط ولعدة مرات، لكن يوسف صبر عليه وظل يحاول معه، حتى وجد أن آخر الحلول هو مصادرة هاتفه وفصل النت عنه مؤقتا إلى حين إعادة السيطرة على نفسه، ويوم الحادث حصل خلاف قوي بينهما واشتد النقاش بينهما بسبب أن خلدون أراد أن يستعيد هاتفه الجوال.

أترككم مع خلدون نفسه يقص عليكم قصته مع إدمان الإباحية ومع يوسف صديقه.

 فحين راسلني رحمه الله على صفحتنا الفيس يطلب مني ضمه إلى جروب التعافي "حرر نفسك" على التليجرام، وفور إضافته ملأ الجروب حماسة وحبا بأسلوبه المميز، لكنه كان حزينا جدا لفقدان يوسف.

 وحاولنا جميعا تهدئته وإفهامه أنه لم يكن السبب في وفاته، وأن هذا قدر الله.

مع الوقت تحسنت حالته لكنه لم يكن ينسى يوسف أبدا.

هذا منشور على صفحته، يذكر فيه حبه ليوسف قبل وفاته رحمه الله بأيام:


وكان يحضر معنا لقاء الخميس الصوتي أون لاين، وكان متحمسا جدا لنشر فكرة علاج إدمان الإباحية على جروبات الفيس.

وتواصل مع شخص يعرفه متخصص في التسويق عبر الانترنت ليساعدنا في نشر الفكرة، فكان جذوة نشاط رحمه الله، وكان يرسل لي أخباره عبر صفحتي الخاصة على الفيس بوك.

 وآخر ما أرسله لي كان مقطعا صوتيا للشيخ محمد المختار الشنقيطي يتحدث فيه عن التوبة، وطلب مني نشره لينتفع به المتابعين.


يقول خلدون في مشاركته التي كان قد شارك بها على مجموعتنا:  

 لي صديق في الغربة كان بمثابة أخ كبير اسمه يوسف، كان من خيرة الشباب، وكان دائما الناصح الأمين لنا نحن أصدقاؤه وكان غيورا على دينه.

كان دائما خائفا علينا من الضياع في الغربة. 

حصلت مشكلة كبيرة بيني وبين يوسف، فغضب ثم خرج من البيت. 

وبعد ساعات من الخلاف توفي يوسف تاركا كل أصدقائه وتركني أموت حسرة وندما لأنه مات وبيننا خصام.

طوال الـ 9 سنوات من صداقتنا أنا والشباب لم يحصل أي خلاف بيننا، إلا في اليوم الذي توفى فيه.  

انا أريد أن أحكي لكم سبب المشكلة التي صارت بيني وبين يوسف. 

للعلم هذه هي المرة الأولى التي أنشر فيها السبب.

أنا مثل كثير من الشباب، كنت شخصا ضعيف النفس وبسرعة أقع في الشهوات، ويوسف كان يحاول بكل الطرق أن يساعدني. 

فلقد كنت مدمنا على الإباحية مع الأسف الشديد ومدمنا إلى درجة كبيرة لسنوات، وكنت أعرف أنه حرام لكن الشيطان كان أقوى مني.

ما كان هناك أحد يعرف بالموضوع حتى يوسف كان لا يدري بهذا الموضوع.

لكن رب العالمين يمهل ولا يهمل وانكشفت الحقيقة، عرف يوسف بالصدفة لما طلب مني موبايلي ليفتحه وعرف من خلال سجلات البحث حقيقة أمري.

يوسف حاول أن يكون هادئا بقدر ما استطاع، واجهني أنا لحظتها لم عرفت ما أقوله؟

خجلان وحتى ما قدرت أرفع عيني لأنظر في عينه، ولكن يوسف أصر على أن أنظر في عينه وأنا ما قدرت أتحمل.

قال لي جملة هزت بدني: " اذا أنت خجلان مني ومش قادر تتطلع بعيني، فكيف رح تتطلع بعين خالقك."

لكن يوسف كان هادئا وماسكا أعصابه وحكي بكل هدوء، وأنا وعدته أن أتركها ووقف معي خطوة بخطوة وحكى معي بكل حنية، وأكد لي لي مرارا أنه إذا جاءتني الرغبة أحكي معه وأروح عنده وراح يوقف جانبي، المهم ما استسلم وحكا لي عن صفحتكم [ علاج إدمان الإباحية ]  ونصحني أن أتابعها باستمرار.

وبالفعل تركتها فترة ورجعت من جديد، أو بالأحرى كنت أكذب على نفسي وعليه، ثم عرف يوسف وأيضا تصرف معي بنفس الأسلوب القديم، لا عصبية ولا شيء، وحكى معي بكل هدوء ومودة.

 والله العظيم ما أشعرني أني إنسان حقير أو قذر، بالعكس كان يعطيني دفعة أمل بأنني قادر على التخلص من هذا الإدمان، وطوال هذه الفترة ما تغير أسلوبه معي، وكان معطيني الثقة اني ما أخيب أمله.

لو أحد غيره، كان صبر علي شوي ثم تركني، لكن يوسف وقف معي.

 من جديد ضعفت ووقعت، طبعا حاولت أداري الموضوع فكنت أكذب عليه، لكنني بالأخير انكشفت.

 ويوسف تعصب بعدما صبر كثيرا علي، فما كان منه إلا أن أخذ مني الموبايل واللاب توب.

من داخلي ما حزنت أبدا لأنني أستحق ذلك، أعطاني فرصتين وكان واثقا مني وأنا خيبت أمله.

مع ذلك، أيضا ما غير تعامله معي وكان يعاملني بكل احترام وما قلل من قيمتي.

ثم بعد فترة، حاولت أكتر من مرة أن أقنعه لاسترجاع الموبايل ولكن رفض بشدة قبل انتهاء المدة.

في يوم الحادث حاولت معه من جديد، ويوسف ما أعطاني مجال حتى أقنعه، كان رافضا أن استرجع الموبايل، وكلمة مني وكلمة منه اشتد الخلاف بيننا، وفي لحظة الغضب طلعت مني كلمة كبيرة جرحته، ويوسف انصدم مني فأحضر موبايلي وسلمه لي وأعطاني نظرة غضب، نظرة خيبة أمل، نظرة ما راح أنساها طول حياتي، طلع من البيت بدون ما ينطق بكلمة.

خرج، وأنا لحظتها شعرت بشناعة تصرفي، فقد كنت أود أن أذهب وأعتذر له، لكن كيف  أعتذر وأنا جرحته كثيرا، جلست ألوم نفسي على تصرفي، وبعد ساعتين من الخلاف عرفت أنه عمل حادثا، شعرت بأن الدنيا قد اسودت في وجهي، كنت أتوقع حادثا بسيطا لما عرفت إنه عمل حادثا، لكن لما ذهبت إلى المستشفى وأخبروني أن وضعه خطير ما استطعت أن أتحمل.

 أنا ظلمت نفسي وظلمته كثيرا وجرحته وحرمت منه.

الآن، تبت عن شي غلط وحرام ورجعت إلى ربي وتغيرت كتيرا.

 قسما بالله قرفت من شيء اسمه الإباحية والشهوة انطفأت تماما، يجوز بسبب موت يوسف حيث أيقظني من غفلتي ويجوز بسبب إحساسي بالذنب بسبب الذي حدث بيننا، تركت كل الحرام.

 أتمنى لو يرجع يوسف ويسامحني.

 والله العظيم أنا ندمان على كل لحظة ألم سببتها له.

يا ليته يرجع ويضربني ويعاقبني بالذي يريده، لكن أريد أن أراه من جديد. 

يا أحباتبي أترجاكم، انتبهوا لأنفسكم ولحياتكم ولدينكم.

الحرام، إياكم والحرام!

الحرام طريق سريع، وصيد سهل، لكن الحلال هو الطريق الوحيد للنجاة والوصول إلى الجنة.

اختاروا دائما الصديق الصالح الذي يقف جنبك ويأخذ بيدك نحو الخير والصلاح.

أنا خسرت كنزا ثمينا، خسرت يوسف.

يوسف عملة نادرة فقدتها بسبب إصراري على ذنبي، فالله حرمني منه إلى الأبد عقابا لي وأنا أتحسر ندما عليه.

الحمد لله على كل حال.

هاي قصتي للعبرة.

يكمل صديقهم أحمد القصة فيقول: 

خرج يوسف غاضبا من البيت لكن دون عودة.

مات يوسف ودخل خلدون في زنزانة الحزن والكآبة!

 ولازمته عقدة تأنيب الضمير بسبب وفاة أعز الناس على قلبه، وهو غاضب منه بسبب تهوره واستهتاره.

لكن رغم ذلك، فلقد أقسم خلدون بأن يتغير من تلقاء نفسه، وأقسم أن يحفظ كتاب الله كاملا.

 فبعد وفاة يوسف، حياة خلدون تغيرت بالكامل وأصبح إنسانا جديدا، فكان يقرأ القرآن لساعات ويقيم الليل يوميا ولا ينام إلا بعد صلاة الفجر، بل كان بنفسه من يقوم بإيقاظ أصدقائه إلى صلاة الفجر ويؤمهم في الصلاة.


خلدون في الفترة الأخيرة استطاع أن يجاهد نفسه وأن يبتعد عن الحرام، وكان يساعد الشباب المدمنين على الإباحية ويحثهم على تركها لوجه الله تعالى على الإنترنت.

حتى كانت ليلة 19/3/2016 حيث كنا في سهرة شبابية نحتفل بحفظ أخينا وصديقنا خلدون لسورة البقرة كاملة وكانت تلك الليلة من أجمل الليالي، فلقد تلا خلدون علينا بعضا من آيات القرآن الكريم وكان صوته من أجمل الأصوات، وخططنا للذهاب في رحلة صباح اليوم التالي، وقبل خلودنا للنوم جلسنا مع خلدون وسألت عن أخبار مجاهدة نفسه.

فكانت آخر جملة سمعتها منه "طالما أتنفس ما راح أقرب من الحرام".


ونمت وأنا كلي فخر بصديقي خلدون واستيقظت متأخرا مستغربا!!

لماذا لم يقم خلدون بإيقاظنا لصلاة الفجر كعادته.

عندما نظرت إليه كان نائما وفي يده مصحفه ليراجع ما تم حفظه من سورة البقرة، ابتسمت له وظننت أنه قد نسي أن يوقظنا بسبب انشغاله بمراجعة حفظه للقرآن الكريم حتى الصباح.

ذهبت لايقاظه، لم يستيقظ، حاولت إيقاظه لكن لا حياة لمن تنادي، أخذناه إلى المستشفى، فكانت الصدمة بأنه قد تعرض لجلطة دماغية قوية ودخل في غيبوبة كاملة.

بعد أيام وفي 23/3/2016 أعلنوا وفاة خلدون، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من وفاة يوسف، مات خلدون وآخر عمل قام به قبل وفاته هو مراجعته لحفظ كتاب الله، وآخر ما نشره على صفحته على فيسبوك استغفارا لربه وقبل إصابته بجلطة بساعة فقط، مات تائبا وهو يجاهد نفسه، يا لها من حسن خاتمة.

قصة خلدون هي ثمرة الصحبة الصالحة المبنية على حب الله وطاعته وطاعة رسوله الكريم.

مات خلدون وقبله مات يوسف، كان يوسف دائما يردد على مسامعنا ومسامع خلدون جملته التي تقشعر لها الأبدان وحركت مشاعرنا "أنا بدي أنتم تسبقوني على الجنة وألحقكم… الجنة وما أدراك ما الجنة".

يوسف ذهب إلى الجنة، وخلدون لحقه بإذن الله.

يقول أحمد: 

خلدون عانى إدمان الإباحية من سنوات طويلة، رغم علمه بحرمتها إلا إنه حاول أن يتخلص من هذا الإدمان، لكن لضعف حيلته كان يفشل.

لا أحد منا كان يعرف بالموضوع، حتى يوسف رحمه الله، وكان صديقا لنا، أخفى الموضوع عنه ليس بسبب الخوف منه بل بسبب شعوره بالذل، والإهانة، والعار، من نفسه.

يقول خلدون أنه أخفى هذا الموضوع عنا لسنوات طويلة، وكان يشعر أن هذا الإدمان أهم أسباب ضعف إيمانه، وكان يجره من ذنب إلى ذنب، والتي كان يوسف يحاول معه لينقي قلبه من ذنوبه، ويجعل منه إنسانا صالحا.

كان يوسف جلس مع خلدون وتحدث معه وقرآ سويا مقالات موقع دكتور محمد عبد الجواد، موقع علاج إدمان الإباحية، ووضعا معا خطة عملية للسير بها، بالفعل يقول خلدون لأول مرة: أن وقوف يوسف ومساندته له ساعده كثيرا للتعافي.

انتكس خلدون عدة مرات بعد وفاة يوسف حيث فقد مصدر قوته ورجع وحيدا في مواجهة هذا الإدمان، إلا أنه أصر أن يتعافى من هذا الإدمان.

نحن أصدقاؤه لم نعرف بهذا الموضوع إلا منذ قرابة شهر أو أكثر بقليل، عندما أخبرنا بنفسه عن الموضوع كان صعبا جدا عليه، وأقسم بالله أنه كان يبكي ألما وحرقة، لشعوره بالذل، والعار من نفسه، طالبا المساعدة منا لأنه فقدها بفقدان يوسف.

الموضوع كان صدمة كبيرة لنا، لكن أخفينا صدمتنا عنه، بل أشعرناه أننا فخورون به، وإن علاقتنا به لن تتأثر أبدا بسبب هذا الموضوع، ونحن كأصدقائه قطعنا العهد على أنفسنا لإنقاذ خلدون من هذا المستنقع.

خلدون قال لنا كل شيء عن الموقع وعن الدكتور وعن اللقاء الصوتي وعن قروب تليجرام للتعافي، وأخبرنا ماذا فعل يوسف معه، أخبرنا عن كل شيء.

تواصلت بنفسي مع الدكتور محمد عبد الجواد، جزاه الله خيرا، شرح لي طبيعة الإدمان وقدم نصائح لمساعدة أخونا خلدون والصبر عليه.

في الفترة الأخيرة لحياة خلدون، وضع خطة لنفسه وسار بها وكنا نسانده ونشجعه، وفي الأيام الأخيرة شعرنا أنه مضغوط وكان عصبيا.

عرفنا أنها أعراض انسحابية، فقررنا أخذ إجازة وقضاء أكبر وقت معه بين الطبيعة للتخفيف عنه، ثم مات خلدون رحمه الله وغفر له، ونحمد الله كثيرا أنه مات تائبا إلى الله.

وكان من آخر رسائله لي أنا على الماسنجر، فالحمد لله أي قبل موته بليلة ثم بليلتين، فالله أكبر والحمد لله .



يقول صديقه أحمد: لكن السؤال الأهم يا اخواني، أرجوكم ركزوا معي، لو أن يوسف لو لم يكشفه لغرق خلدون في مستنقع الإباحية، ولو وافته المنية وهو على هذا الوضع لكانت خاتمته سوداء وهو غارق في مستنقع الإباحية.

يقول خلدون: يوسف كان المنقذ الوحيد له وهو ندمان لأنه لم يطلب المساعدة منه من سنوات لوفر عليه الآلام والأوجاع ومنعه من الوقوع في الحرام طوال السنوات الماضية.

قصة خلدون انتهت هنا لكن الموضوع لم ينتهِ، إخواننا المدمنون هم بأمس الحاجة لنا ولدعمنا لهم ومساندتهم للتعافي، فكل مدمن يريد من يقدم له يد العون والمساعدة وعلينا أن نقف جانبهم، لا أن نحتقرهم.

خلدون لم يتجرأ على طلب المساعدة من أقرب أصدقائه لشعوره بالعار وخوفا من أن يحتقره.

موقع علاج إدمان الإباحية مليء بأساليب العلاج وتقنيات التعافي، ومجموعة التليجرام "حرر نفسك" كانت خطوة ممتازة حيث كان خلدون عضوا فيها.

يقول خلدون عن الجروب هذا: أنه الملاذ لكل الشباب المدمنين لبث همومهم ومساندتهم بعضهم لبعض، والشباب أصبح لديهم خبرة كافية من خلاله للتعامل مع هذا الإدمان.

اختم كلامي برسالة إلى أخي الحبيب المدمن: اتباعك لخطة العلاج جدا مهم، لكن الأهم أن تجد صديقا قريبا أخا يقف إلى جانبك ويساندك للتعافي، فأنت بحاجة إلى شخص يقف معك خطوة بخطوة.

رسالة إلى مرافق المدمن سواء كان أخا او صديقا: عندما يطلب صديقك المدمن مساعدة، لا تتردد في تقديم يد العون والمساعدة له، وإياك واللوم والعتاب، لأنه لن يزيد الأمر إلا سوءا، بل خذ بيده نحو التعافي، والأهم أن تصبر عليه فقط، قف جانبه كصديق لجأ إليك في شدته.

كانت هذه قصة خلدون ويوسف كما حكاها أحمد صديقهم الذي أرسلها لنا من أمريكا. 

لا تتصوروا كم كان حزني وحزن كل الشباب الذين كانوا يعرفون خلدون، لقد أصبح خلدون أيقونة لجروبنا وصفحتنا وفكرتنا، وكلما انضم لنا أحد الأصدقاء الجدد غالبا ما يسمع بقصة خلدون، فالشباب هناك لا ولن ينسوه أبدا، رحمه الله. 

مفاجأتان:

وبشرنا أحمد صديق خلدون مؤخرا بمفاجأتين وهما:

 المفاجأة الأولى: سيتم تأليف كتاب عن سر صديقينا يوسف وخلدون يحكي عن حياتهما منذ لحظة وصولهما إلى أمريكا حتى وفاتهما.

 وسيتم التركيز على الهوية الثقافية والبعد الثقافي للشباب العربي وصراعه للحفاظ على هويته الإسلامية في أمريكا تماما مثلما حصل مع خلدون وكيف تأثر بثقافة أمريكا، ومساعي يوسف لانقاذه وحمايته مما وقع فيه.

 الكتاب سيكون ثنائي اللغة العربية والإنجليزية، وسوف يكون فيه صور حصرية لكل من خلدون ويوسف وأصدقائهم ، وجميع أرباح بيع الكتاب سيذهب إلى تبرعات لتطوير أبحاث ودراسات حول إدمان الإباحية، توضع في حساب: موقع علاج إدمان الإباحية.

المفاجأة الثانية: أنهم حصلوا على موافقة مبدئية من أجل بناء مسجد يحمل اسمي يوسف وخلدون بالقرب من مسقط رأسيهما.

 وسيتكفل أحمد والشباب بمصاريف بناء هذا المسجد ليكون صدقة جارية عنهما، وجزى الله صديقيه عدي وناصر على تنازلهما عن بيتيهما وبيعهما من أجل  بناء هذا المسجد.

صورة الأرض التي سيبنى عليها إن شاء الله مسجد يوسف وخلدون:


وأخيرا علق أحد الأصدقاء، في الجروب "مهران" على وفاة خلدون فقال: 

ألف عبرة

رحم الله من وعظنا وكان موته عظة لنا،

رحم الله شابا سعى فى الخير.

 رحم الله شاب تاب وأصلح ، رحم الله شابا كان آخر أعماله قراءة القرآن، رحم الله أخانا خلدون وأسكنه فسيح جناته، وجمع بينه وبين صديقه يوسف، وجمعنا بهم فى جنات النعيم، اللهم امين.

قصة خلدون، فيها من العبر الكثير الكثير، ولكن هل من معتبر!؟

لذلك أذكر قصة خلدون، حياته وموته تحت عنوان: ألف عبرة وعظة وفائدة، منذ البداية ومنذ أول ما كتب في الجروب، كتب عن قصته هو ويوسف، وكم هو شاب صالح، والأجمل من ذلك أنه مصلح وكم ساعده هذا الشاب فى إصلاح نفسه!

والغريب فى الأمر أنه عرف قصة خلدون قدرا قبل وفاته بشهور قليلة، ومن ثم نصحه وأرشده وساعده، ثم رحل عن عالمنا وكأنها رسالة نؤديها ونرحل، فهل أدينا رسالتنا؟

هل نصحنا غيرنا؟

هل صبرنا عليهم كما فعل يوسف؟

قلت لخلدون وقتها: كم نحن بحاجة إلى أشخاص مثل صديقك يوسف، شخص لايكتفي بصلاح حاله بل يعمل على إصلاح من حوله.

وكأن خلدون أراد أن يأخذ دور صديقه، فلمسنا فيه الحماسة لنشر فكرة الموقع، وانتشال الشباب من هذا المستنقع، وفى أيام قليلة، وجدنا إعلانا عن الموقع فى العديد من الصفحات والمجموعات، وأذكر جملته (اسمح لى يا دكتور أن أكون مراسل للمبادرة فى الأردن) ولأول مرة: الأردن تحتل المركذ الثالث فى عدد زوار الموقع، ليس لمجهود خلدون فقط بل لصدقه، فقد صدق فى نيته بمساعدة الاخرين.


فهم خلدون الرسالة بموت يوسف والحمد لله أنه فهم وعرف دوره، فهم قبل فوات الأوان، فهل فهمنا نحن الرسالة بموت خلدون؟؟

ألا تعتقد أن دخوله إلى هذه المجموعة قبل وفاته بشهر إنما هى رسالة من الله، وأن الله قد  أراد الله له الهداية وكان من الممكن أن يقدر له أمرا آخر دون دخوله للمجموعة ولكنها والله رسالة من الله.

مات يوسف فى حادث سير، فهل مات خلدون كذلك في حادث مثل يوسف أو أنه كان يعاني من مرض مزمن؟ لا.

نام فلم يستيقظ، وما هذه الأشياء (جلطة دماغية، أزمة قلبية، انخفاض فى الدورة الدموية) إلا مسميات أخرى لموت الفجأة، وأسباب لينفذ قدر الله.

فهل نأمن نحن أن ننام ولا نستيقظ!!

هل نعتقد أنه يمكن أن نموت غدا أو ننام نومتنا الأخيرة؟ سيقول الجميع: نعم.

نحن نكذب يا سادة.

لو اعتقدنا بذلك حقا لما نمنا على المعاصي والذنوب، لو اعتقدنا أنه يمكن ألا نستيقظ إذا نمنا لما فعلنا، ولكن الشيطان أغوانا والأمل أغرانا.

 فهل نستفيق قبل أن نتردى فى المهالك وقبل فوات الأوان.

فهم خلدون الرسالة، فهل سنفهمها نحن؟؟!

إن لم نفهم ونعمل، فلا نلومن إلا أنفسنا.

الأغرب فى قصة خلدون ويوسف، أن يوسف عرف بقصة خلدون قبل وفاته بشهور، ونحن عرفنا قصة خلدون، وعرَّف خلدون غيره بالموقع قبل شهر من وفاته.

أيقنا الآن أنها رسالة نؤديها ونرحل.

ومن غرائب قصة خلدون أنه خطف قلوبنا وأثر فينا دون أن نعرفه من فترة طويلة أو حتى نعرف ملامحه، ومن غريب الأمر أن قصة خلدون تخبرنا أنه يمكن أن نموت دون علة، أو مرض، أو حتى دون إنذار، والأدهى لو كان دون استعداد، وفى أي وقت، وأكثر، ما أثار دهشتنا، بل أقول رعبنا.

 كيف مات خلدون !؟

مات تائبا، حافظا لسورة البقرة، معاهدا أصدقاءه والله بالتوبة، مستغفرا ربه على صفحته في منشور عجيب، وكان آخر منشور له بينه وبين موته مجرد ساعات، أُخذ من صفحته بعد سماعنا بخبر وفاته، كأنه كان يشعر بقرب أجله فسبحان الله والله أكبر.


دخول خلدون إلى المجموعة رسالة من الله.

وقد تكون آخر رسالة يا صديقي ما يدريك، فلنتعظ.

حق خلدون :

يجب أن نعترف بحق خلدون علينا وفضله علينا بعد الله، فهو كان عبرتنا وموعظتنا الحية بحياته ومماته، وأنه له فضل وأثر كبير قد يغير حياتنا لو نظرنا إلى قصته وتدبرنا فيها وقضينا بعض الوقت نتأمل قصة موته ونقول ماذا لو مات وهو عاصى؟

وعُرض على الله وهو قائم على المعاصي فلنعطى هذا المشهد ولو دقائق من وقتنا  سيوفر علينا عشرات الخطب والدروس والمواعظ، إنها موعظة عملية .

كيف نؤدى حق خلدون ، كما قلت لك أولا أن نتدبر قصته وأن ندعو له وأن نكمل طريقه وأن نتذكره ونذكر قصته .

كيف نتعظ ؟

(نستفيد من قصته فى تغيير نفوسنا)

كثير منا يسمع الموعظة فيتأثر تأثرا وقتيا، ثم يختفي أثرها، ثم نسرف فى المعاصى، كيف نجعل قصة خلدون تمر كغيرها ثم ننسى ونعود، أو نفقد التأثير الذي تركته فينا بأن نحيي ذكر سيرته، وليس فقط بأن نتذكر أن لنا أخا مات، بل نذكر الموعظة من موته وحياته، كيف نام ولم يستيقظ، كيف لو استمر فى طريق المعاصي!؟!

قرأت كتاب (أدرينالين) للكاتب أحمد العمر، ولم أفهم تعبيره هذا حين قال: "إنه في طريقك لدعوة الآخرين لا تيأس، لا تمل، فأنت تمد يدك لهم لتسحبهم من طريق جهنم"، استشعرت هذا المعنى تماما فى قصة يوسف وخلدون.

كتبت اسم خلدون على ورقة، ورسمت تحته خطين متقاطعين أحدهم الأمل ويقطعه الأجل، لكي أتذكر قصة خلدون فأعتبر.

يستطيع المتأمل فى قصة خلدون أن يكتب فى استخلاص الحكم والعبر منها كتابا.

وأمر سريعا عليها، دون تفصيل: 

- خلدون تحسر أنه لم يصالح يوسف قبل موته: لا وقت للخصام، وشحن النفوس بالبغضاء، سامح الجميع وصالح الجميع، فلنفعل كل الاشياء الجميلة التى نؤجلها، ولنصل رحمنا، و...و...الخ.

- كن كيوسف: كن ايجابيا، لا ينفعك أن تكون صالحا، دون أن تكون مصلحا، بل لا تحصل على االأولى حتى تنفذ الثانية. انصح غيرك، ادعه، وادع له، وتحمل أذاه (أنت تنقذه من النار) لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم. كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.

- الدنيا خداعة: فقد تفقدها فى لحظة وفجأة، فلا تشترها بالآخرة.

- افهم رسائل الله لك.

نصيحتى الاخيرة: لا تجعل قصة خلدون، تمر أمامك، دونما أن تتوقف أمامها، وتدبرها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هنا انتهى تعليق صديقنا العزيز مهران على قصة خلدون، فليس هناك بعد هذا الكلام الجميل، الرائع، من تعليق

سوى قول الحق تبارك وتعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (69)  العنكبوت.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: 

أخرج الترمذي، وغيره، عن أنس ،رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح، قبل الموت”



  • اسم الناشر: فريق واعي
  • تاريخ النشر: 29 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 3K
  • عدد المهتمين: 177
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك