هاورد والمرأة سيئة السمعة

ويمكنك أن تغير حياتك مثلما فعل هاورد فكل ما يستطيع هذا الكتاب كتاب كسر الدائرة أن يقدمه إليك هو أن يعلمك كيف تتعامل مع إدمانك حتى لا يستمر في السيطرة على حياتك
A+ A-

كتب جورج كولينز في كتابه "كسر الدائرة" تلك القصة

تنويه: ربما لا نتفق مع طريقة جورج كولينز في تلك المواجهة، ولكن بالفعل كانت فيها من الفوائد التي جعلتنا ننقلها لكم.

كان "هاورد" يقود سيارته السوداء الجديدة اللامعة، وخرج من الطريق السريع 580، اتجه بسيارته عبر جورج كو بضع بنايات سكنية، حتى وصل إلى شارع سان باولو أفينيو في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا.

في ذلك الوقت كان شارع سان باولو أفينيو مليئا بالقمامة، فقد كانت حقن المخدرات المستعملة وزجاجات المشروبات الفارغة متناثرة في بعض أرجاء الشارع.

لقد تم تنظيفه الآن، رغم أن العديد من المناطق داخله لا تزال في حالة يُرثى لها، في ذلك الوقت كان الأمر الذي "يجذب" الأشخاص إلى شارع سان باولو أفينيو هو أنه معروف بأنه مرتع السيدات سيئات السمعة اللاتي يبحثن عن زبائنهن أثناء السير، على أحد جانبي الطريق المليء بالقمامة.

كان "هاورد" رجلاً ممتلىء الجسم، ذا شعر أحمر مجعد، وكان وجهه شاحب اللون للغاية، وقد حقق نجاحاً كبيراً على المستوى المالي في عمله مبرمجاً في شركة برمجيات كبرى. كان يسافر كثيراً، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن كيفية التعبير عن رغبته بالتقرب من امرأة والارتباط بها. في الآونة الأخيرة، تأثرت وظيفته كثيراً برغباته الجنسية القهرية التي تدفعه إلى "زيارة" السيدات سيئات السمعة، نتيجة لذلك تأثر أداؤه الوظيفي سلباً، وكذلك حياته الاجتماعية التي لم تكن رائعة قط من قبل .

لكن هذه المرة، بينما كان "هاورد" يبطىء سيارته ليلقي نظرة جيدة على هؤلاء "السيدات" في الشارع، كانت الأمور مختلفة.

لقد أدرك "هاورد" أنه في ورطة، لم يكن يريد أن يخسر حياته التي كافح كثيراً لبنائها، فاتصل بي طلباً للعلاج والتعافي من إدمانه الجنسي، لقد كانت الأمور تسير على ما يرام؛ لذا لماذا ذهب مرة أخرى إلى شارع  سان باولو؟

لأنني أنا طلبت منه أن يفعل ذلك.

ماذا؟ هل طلب منه معالجه أن يبحث عن سيدات سيئات السمعة؟

نعم! لكن الفارق في هذه المرة هو أن معالجه وهو أنا، كان جالساً بمنتهى الأريحية في المقعد الخلفي في سيارته، كثيراً ما كنت أكلف رواد عيادتي ببعض المهمات ليقوموا بها وتكون جلسة الاستشارة في كثير من الأحيان عبارة عن جولة ميدانية (عندما أظن أن هذا الأمر ضروري، أو أنه سيكون فعالاً).

كنت أذهب معهم في هذه الجولات الميدانية كي أقدم الدعم الأخلاقي أو لمجرد إثارة حفيظتهم أو استفزازهم بشكل ما، وفي حالة "هاورد" كنت أريد أن أحدث تغييراً كبيراً في ردة فعلته الأولى تجاه هؤلاء النساء سيئات السمعة.

لقد كانت مهمة "هاورد" – بينما أنا جالس في المقعد الخلفي من السيارة – هي الذهاب إلى شارع سان باولو أفينيو ويصطحب إحدى هؤلاء السيدات سيئات السمعة، لكن هذه المرة لم يكن الهدف هو إقامة علاقة غير شرعية معها، ولكن الهدف هو التحرر من هيمنة إدمانه الجنسي عليه.

كان متوتراً مما سيحدث، وبعد عدة دقائق من المماطلة، تحرك بالسيارة تجاه امرأة من نوعية تلك النساء اللائي قد اعتاد مرافقتهن مقابل دفع مبلغ من المال.

ورغم أنها ربما تبلغ من العمر نحو اثنين وعشرين عاماً، فإنها تبدو أكبر سناً من ذلك، وكانت بلوزتها وتنورتها تكشفان عن العديد من البقع فاتحة اللون، كشفت ابتسامتها عن أسنانها الصفراء المشوهة، وكانت رائحة أنفاسها كريهة، وكان من الواضح أنها لا تعتني بنفسها.

وسألت "هاورد" قائلة : ماذا تريد أن  تفعل اليوم يا عزيزي؟

تلعثم "هاورد" على نحو غير مريح قائلاً: "كم تتقاضين من المال مقابل إمممممم، مرافقة أكثر من شخص؟"

حددت له المرأة مبلغاً معيناً، ونظر "هاورد" إلى المقعد الخلفي، فانحنيت إلى الأمام في مقعدي حتى تتمكن من رؤيتي.

فسألته قائلة: "هل هذا هو شريكك الثاني؟"

قلت لها: "لا، إنني معالج للإدمان الجنسي".

قالت في قلق شديد: "ماذا؟ ما الذي يجري هنا؟"

قبض "هاورد" على عجلة القيادة بقوة حتى ابيضت مفاصل أصابعه وتعرقت يداه.

قلت لها: "سوف يدفع لك مقابل ما تقضينه معنا من وقت، فليست هناك مشكلة على الإطلاق".

بينما كنت لا أزال أجلس في المقعد الخلفي، أشرت إلى تلك السيدة بالجلوس في المقعد الأمامي.

ففتحت باب السيارة وجلست في مقعد الراكب، وقالت: "أنت ستدفع لي بالتأكيد، أليس كذلك؟".

أومأ "هاورد" برأسه وفتح محفظة نقوده أمامها كي تتأكد من أنه يمتلك النقود الكافية، فبدت على وجهها علامات الارتياح، وأستطيع أن أقول إنها كانت مستعدة للتعاون معنا بأية طريقة ممكنة.

بينما كان "هاورد" يقود السيارة إلى منطقة قريبة شبه معزولة، تحدثت معها قائلاً: "إن هاورد مدمن مرافقة السيدات سيئات السمعة".

قالت وهي تبتسم ابتسامة مبهجة: ” لذا أنا موجودة هنا الآن “.

نظر ”هاورد” إلى وجهها وهو يتعرق أكثر وأكثر.

وسألتها قائلاً:” إنه يريد مرافقتك، هل تودين أنت ذلك؟”

أجابت قائلة: ”بالتأكيد، ما دام سيدفع لي في مقابل ذلك”.

وسألتها مرة أخرى بصوت ناعم ومنخفض:” لكن هل تريدين حقاً مرافقته؟”

سألتني على الرغم من أنها كانت تعرف بالضبط ماذا أعني، قائلة:” ماذا تعني من هذا الحديث؟”

قلت لها : “أعني أن أقول لك هل أنت مستمتعة بهذا الأمر؟ هل تستمتعين بمرافقة رجل مثل هذا؟”

تلاشت تلك الابتسامة الاصطناعية التي كانت ترتسم على وجهها. وأعرف أنني قد ضربت وتراً حساساً، لقد أخرجتها عن الدور الذي كانت تؤديه، وشعرت بالارتباك، وحاولت جاهدة أن تستعيد رباطة جأشها، وأطبقت على فكيها في غضب، فأنا لديَّ الكثير من الخبرة في توفير بيئة آمنة للأشخاص للتعبير عن مشاعرهم بصدق ،لكنني لم أعد أفعل ذلك في الشارع فقد يكون هذا الأمر خطيراً حيث يكون صاحب العمل الذي تعمل لديه يتتبعنا، أو قد تكون بحوزتها سكين، لقد كان هدفي في ذلك الوقت هو مساعدة "هاورد" على إحراز تقدم هائل في رحلة علاجه وإدراك أن هؤلاء السيدات سيئات السمعة بشر مثلنا.

فسألتها مرة أخرى بصوت هادىء، لكنه قوي: "هل تحبين حقاً مرافقة رجل لا تعرفينه وليس زوجاً لكِ؟ لا بأس في أن تقولي لنا ما تشعرين به حقاً، إنك ستتقاضين أجراً الآن على عدم أداء وظيفتك المعتادة".

فنظرت إليَّ ثم تحولت بنظرها إلى "هاورد" الذي كان يحاول ألا ينظر إليها ولكنه لم يكن يستطيع ورمقته بنظرة حادة وبدا أن غضبها قد بدأ يتصاعد.

فقلت مرة أخرى: "لا بأس في أن تتحدثي بصراحة، سيكون من المفيد بالنسبة إلى عميلي أن يسمع منك الحقيقة".

ترددت، فلم يكن من السهل عليها أن تتتكلم، ثم هزت رأسها قائلةً: "الحقيقة؟ هل تريد سماع الحقيقة حقاً؟".

أومأت برأسي مشجعاً إياها على أن تستمر في الحديث، رغم أنني كنت أهدف من التدخل في هذا الموقف إلى أن يكتسب “هاورد” تجربة جديدة ومختلفة تماماً من خلال إجراء الجلسة في الشارع، لكنني أشفقت على هذه السيدة.

(كثيراً ما كانت النساء سيئات السمعة يتصلن بي طلباً للمساعدة، وكنت أحيلهن إلى مؤسسات مناسبة).

وعندما أدركت أن "هاورد" لا يريد إقامة علاقة غير شرعية معها ولا أنا كذلك وأنها ستحصل على المال على أية حال، أسقطت عنها ذلك القناع الكاذب الذي تبدو به أنها امرأة قاسية أو على الأقل أسقطت جزءاً منه، ثم أخذت تبوح بهمومها، ولابد من أنها قد شعرت بأنني أهتم بهذا الموضوع كثيراً حتى أقوم بجلسة علاج مجنونة كهذه أو ربما كان يومها سيئاً، المهم هو أن غضبها تلاشى تدريجياً بعد أن تحدثنا فترة من الوقت، وبدأت تحكي تفاصيل قصتها وتفاصيل عملها في هذا المجال.

قالت بصوت يكاد يكون مسموعاً: "حسناً حسناً، الحقيقة هي أنني لا أحب الرجال إلى هذه الدرجة".

ونظرت إلى "هاورد" نظرة غاضبة مرة أخرى، ثم عقدت ذراعيها على صدرها.

قلت لها: "هل يمكنك أن تقولي ذلك مرة أخرى بصوت أعلى؟"، رغم أنه من غير المحتمل أن تفصح إحدى هؤلاء النساء عن مشاعرها، فإنني كنت أجري تدخلات علاجية مماثلة لهذا الموقف منذ عدة سنوات، كما أنني كذلك أتلقى العديد من المكالمات الهاتفية خلال الأسبوع ممن يعملن في هذا المجال حيث يردن أن يقلعن عما يفعلنه، لقد أكسبني هذا الأمر المزيد من الخبرة في التحدث معهن وحثهن على التحدث بصراحة.

قالت بنبرة حادة: "إنني أكره الرجال بشدة! أفهمت؟ لقد كان والدي رجلاً وضيعاً للغاية بسبب ما فعله، لقد كان وغداً!"، كانت الدموع تترقرق في عينيها ولم تكن تستطيع أن توقفها، ربتت على وجهها بسرعة لتجفف عينيها، فلم تكن تريد أن تفسد زينة وجهها المبالغ فيها.

كان "هاورد" على بعد سنتيمترات قليلة منها، وكان يحاول أن يستوعب ما تقول وقطرات العرق تتساقط عن جبينه.

استرسلت قائلة: "لقد كان يضربني، ويضرب أختي كذلك! لم يكن يراعي أننا ابنتاه على الإطلاق، كان يعاملنا كأننا أشياء يمكن استخدامها ثم رميها بعد ذلك، إن الرجال جميعاً أوغاد مثله!"

نظرت إليَّ غاضبة وهي تهز رأسها، لكن أعيننا تلاقت وأدركت أنني قد فهمت شيئاً عنها وعن ماضيها وما مرت به حتى الآن، لقد أدركت أنني لا أنظر إليها باعتبارها شيئاً، بل أرى أنها شخص، امرأة تتألم.

وتمكن "هاورد" من النظر إليها خلال هذا المنظور أيضاً، وأستطيع أن أقول إنه منذ ذلك الوقت لم يعد يريد  إقامة غير شرعية مع مثل هؤلاء النساء، لقد تعلم الدرس جيداً وهو التخلص من هذا السلوك الإدماني بشكل دائم.

طلبت من "هاورد" أن يدفع لها المال وأن يعيدها مرة أخرى إلى شارع سان باولو أفينيو.

لقد غيرت هذه التجربة من "هاورد" وأصبح شخصاً مختلفاً، لن أخدعك وأقول لك إنه توقف عن هذا الأمر تماماً في الحال، بل تطلب الأمر بذل المزيد من الجهد، لكن هذه اللحظة ترسخت في أعماق نفسه، لدرجة أنه لم يعد يتساهل مع سلوكياته الجنسية القهرية، لقد أثار هذا الأمر قدراً كبيراً من التعاطف تجاه نفسه والإشفاق عليها، وشعر بذلك الشعور نفسه تجاه تلك المرأة أيضاً، بعد هذه التجربة كان يرى جميع النساء سيئات السمعة بشكل مختلف، كما كانت هذه التجربة حافزاً قوياً له للتعافي مما هو فيه، وكلما دفعته سلوكياته القهرية إلى الرغبة في الذهاب إلى إحدى هؤلاء النساء، كان يتذكر تلك الزيارة القصيرة التي قمنا بها إلى سان باولو أفينيو ولم يعد يستسلم لذلك الإدمان دون وعي.

بالمناسبة أعطيت تلك السيدة بطاقة العمل الخاصة بي، فاتصلت بي بعد مرور عدة أسابيع وأرشدتها إلى مؤسسة تساعد مثل هؤلاء النساء على ترك عملهن السيء، وإيجاد مجالات عمل أخرى.

بعد أن اتخذ "هاورد" قرار تغيير حياته، قضى أسابيع في اكتشاف ذاته وتجاربه الحياتية الماضية (التي أسميها قصته)، لقد تعلم العديد من التقنيات للتعامل مع دوافعه القهرية، وبدأ جرحه الوجداني الأصلي يندمل؛ ما يعني أنه قد بدأ التصالح مع تجاربه الشعورية المكبوتة والمتراكمة داخله منذ الطفولة التي أدت إلى اتباع سلوكيات من أجل التأقلم، والتي يمكنها أن تسهم في النزوع إلى الإتيان بسلوكيات جنسية، وبعد سنوات عدة من العمل الدؤوب في تلقي العلاج النفسي تزوج "هاورد" ودعيت إلى حفل الزواج،

ووقفت في نهاية االقاعة، وبينما كان "هاورد" يسير في اتجاهه نحو المكان المخصص للعروسين تبادلنا النظرات فأومأ إليَّ برأسه يشكرني.

مرة أخرى، أنا لا أحاول أن أُظهر أن عملية التغيير عملية سهلة وسلسة، بل كانت صعبة واستغرقت وقتاً طويلاً من "هاورد" واستمر عملنا معاً حتى بعد زواجه.

ويمكنك أن تغير حياتك مثلما فعل "هاورد"، فكل ما يستطيع هذا الكتاب كتاب "كسر الدائرة" أن يقدمه إليك هو أن يعلمك كيف تتعامل مع إدمانك حتى لا يستمر في السيطرة على حياتك.

ونحن قد قدمنا لك أيضا من خلال صفحتنا وموقعنا "واعيبرامج ستساعدك أيضا على السيطرة على إدمانك.

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د.محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 29 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 1K
  • عدد المهتمين: 171
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك