تاريخ الإباحية و إلى أين نحن ذاهبون؟!

إدمان مشاهدة الإباحية لم يعد مجرد مشكلة خاصة، بل هو مشكلة صحية عامة
A+ A-

تعريف المواد الإباحية، حسب قاموس مريام ويبستر: هي الأفلام والصور والمجلات وغيرها، التي تظهر، أو تصف أشخاصا عراة، أو الجنس بطريقة مفتوحة جدا، ومباشرة من أجل الإثارة الجنسية.

وفي قاموس أوكسفورد: أصل كلمة pornography جاءت في القرن التاسع عشر من  الكلمة اليونانية   “pornographos)writing about prostitutes)

وهناك نوعان من تصوير الإباحية:

- الإباحية الضعيفة soft porn: وهي شبه العارية مثل البيكيني و غيره من الملابس الجنسية.

- الإباحية القاسية hard porn: وهي التي تصور الناس الذين يمارسون الجنس معًا.

وكما تعلمون حضراتكم، فدائمًا هناك أعوان وجنود للشيطان، من الإنس في المجتمعات الغربية، والشرقية على حد سواء، هؤلاء يدعون إلى الإباحية، ويدعون إلى التمرد على أوامر الله والخروج عن طاعته؟ ويزينون لأوليائهم الباطل ليتبعوا طريقهم، هؤلاء يشككون في خطر المواد الإباحية؟ وغالبا ما يحتجون بأن الاباحية موجودة منذ زمن طويل فما الجديد؟ , فقد وُجدت رسوم إباحية على الجدران الحجرية، في الكهوف القديمة وكذلك رسم الإغريق المنحلون أخلاقيا، صورا مثلها على الفخاريات القديمة.

ما يريد أن يوصله هؤلاء، أن الصور والرسومات الإباحية موجودة منذ أزمنة بعيدة، ولم تؤثر بشيء في المجتمع - على حد زعمهم - لكن أي عاقل يستطيع إدراك خطورة الإباحية، على الفرد والأسرة والمجتمع بكل سهولة.

ثم بالمقارنة بين تلك الأزمنة وزمننا، نجد أن الإباحية، حينما استبيحت عند البعض قديما وظل هؤلاء يفعلون ما يريدون ماذا حدث لهم؟

لقد تطور الأمر من رسومات على اللوحات القديمة، وعلى المزهريات الطينية، إلى تيار لانهائي من أشرطة الفيديو، التي تصور الأعمال المشينة والحقيرة، على مدار الـ24 ساعة خلال اليوم بكل سهولة علی جهاز محمول .

ولكن ما الذي تغير؟

مثل معظم التحولات الثقافية الكبيرة، فإن شيئا لم يحدث بين عشية وضحاها، الغرب المتحرر من قيود العفة والحياء في غالبه كان حاله قبل عام 1953 غير حاله بعدها. نعم كان هناك انحلال، لكن ليس بهذه الصورة البشعة التي نعرفها عنهم الآن.

ولكن لماذا عام 1953؟

في هذا العام قام شخص أمريكي، يدعى (هيو هيفنر) بنشر أول نسخة من مجلة إباحية. سبق نشر تلك المجلة، بخمس سنوات، نشر كتاب أثار الجدل، في المجتمع الأمريكي، وقتها لشخص يسمی (د.ألفريد) تكلم فيه بوقاحة عن الحياة الجنسية، وهذا الكاتب كان أول من تكلم علنا عن الجنس بهذا الشكل، الذي لم يعهده المجتمع الأمريكي من قبل، والنتيجة: لم تلق كتاباته القذرة تلك قبولا لدى الناس، وأصبحت كتبه رهينة الرفوف.

استفاد (هيو) من هذا الاتجاه في مجلته لتحقيق أقصى قدر من المبيعات، وبتفكير إبليسي بدأ ينشر مقالات ألفريد إلی جانب الصور الإباحية، حتی يقدمها وكأنها مقالات علمية لرجل يُقَدَّم علی أنه عالم. وبهذا يكسر حاجز الرهبة والخوف لدى الناس، فيزداد الإقبال وتزداد المبيعات، فتظهر وكأنها شيء لا يُسْتَحْيا منه، وبالتدريج اعتاد الناس على ذلك. ثم حدث التحول الكبير، عندما بدأت أجهزة الفيديو في الظهور، وهذا يعني بدلا من الحاجة إلى الذهاب إلى دور السينما خلسة، كل ما كان عليهم القيام به، هو الذهاب لتأجير الأفلام، ومشاهدتها.

ثم غَيَّرَ الإنترنت كل شيء

مرة واحدة ظهرت الإباحية على شبكة الأنترنت، وفجأة وجد الإنسان نفسه بضغطات قليلة بأصابعه، متصلا بكل المواقع على الشبكة العنكبوتية ثم يجد معظم المواد متاحة، وانفجرت صناعة الإباحية؛ فبين عامَيْ 1998 و 2007 ارتفع عدد المواقع الإباحية بنسبة مهولة؛ تخيلوا: وصل إلی 1.800%. ووفقا لدراسة أجريت عام 2004 عن حركة البحث على الإنترنت في شهر مايو من ذلك العام تبين أن أن عدد متصفحي المواقع الإباحية، كان أكثر من جوجل وياهو و إم إس إن مجتمعة بثلاث مرات.

والصور والأفلام الإباحية للأسف لم تعد وراء شاشة الكمبيوتر وحسب؛ فالآن أصبحت متاحة بشكل أكبر، وبأسعار رخيصة، وبصورة سرية عن أي وقت مضى. وأكثر الناس في أمريكا قد أصبحوا مدمنين. وأصبحت الإباحية نافذة في كل جانب من جوانب حياتهم، إلى درجة أن بعض ألعاب الفيديو، تحتوي عريا كاملا، وتلصق على ألواح التزحلق على الثلج الصور الإباحية وتُسَوَّق للمراهقين، حتى لعب الأطفال، أصبحت أكثر جنسية، شيء مقزز ومخيف حقا  .

وقد تأثرت البرامج التلفزيونية أيضا، حيث إن المنتجين والكُتَّاب يعرضون المشاهد المشينة، خلال المسلسلات، والأفلام، للحفاظ على انتباه الجمهور الذي اعتاد على الإباحية؛ فبين عامي 1998 و2005 زادت عدد المشاهد الفاحشة على التلفزيون الأمريكي إلی الضعف تقريبا، وفي دراسة أجريت في عام 2004 وعام 2005، أظهرت أن 70٪ من 20 برنامج تليفزيوني غالبا ما يشاهد من قبل المراهقين، يحوي مشاهد مشينة.

وكلما أصبح المجتمع مشبعا جنسيا، فإن المزيد من منتجي الأفلام الإباحية، يضخون أسوأ وأسوأ المواد للتأكد من أن مستخدمي الإباحية، باقون في حالة استثارة.

كتب الدكتور (نورمان دويدج) في كتابه الأخير (الدماغ الذي يغير نفسه ): "ثلاثون عاما مضت، وصانعو الإباحية ينشرون كل ما هو فاضح وحقير، وانتشرت الصور الشهوانية، وأصبحت الآن تظهر حتى على وسائل الإعلام السائدة طوال اليوم، في كل شيء، بما في ذلك مقدمات البرامج التلفزيونية، وأشرطة الفيديو، والمسلسلات التلفزيونية، والإعلانات، وهلم جرا.

اليوم يملك كثير من  الناس الإنترنت عالي السرعة، وهو كحنفية ماء مفتوحة بقوة طوال 24 ساعة في اليوم، فقد كان منذ زمن ليس ببعيد، جهاز كمبيوتر واحد مشترك -في كثير من الأحيان- لجميع أفراد العائلة. أما اليوم فقد أصبح هناك جهاز كمبيوتر محمول ربما لكل فرد، بالإضافة إلى الهواتف الذكية، ومع إطلاق نظارات جوجل فإنه من الممكن الآن أن يكون لها شاشة بتقنية الإنترنت أمام أعيننا تقريبا كل دقيقة من اليوم. فكلما ارتفع توافر الإباحية، زادت آثاره المدمرة على الدماغ، والعلاقات، والمجتمع.

كما كتب المعالج (جون وودز) مؤخرا يقول: "إدمان مشاهدة الإباحية لم يعد مجرد مشكلة خاصة، بل هو مشكلة صحية عامة".

تقول الدكتورة/ ماري آن لايدن مديرة مشروع الصدمات الجنسية، وعلم النفس المرضي، في جامعة ولاية بنسلفانيا: "للأسف الإباحية لن تختفي، لذلك فالأمر متروك لنا لرفع مستوى الوعي حول مضارها، باكتساب التعليم بشأن هذه المسألة.

لا شيء يمكن أن يمحو تماما وجودها في عالمنا التكنولوجي، ولكن مع حوار مفتوح مدعومٍ علميا، يمكن للوالدين من الجيل القديم، أن يساعدوا أطفالهم من الجيل الحديث، كي يتنقّلوا في حقل الألغام على الانترنت والذي يمشون فيه يوميا".

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 1 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 4K
  • عدد المهتمين: 176
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك