الإباحية لم تجعل تيد بوندي قاتلا متسلسلا، ولكن مع ذلك هذا لا يجعلها غير مضرة!

واحد من أكثر القتلة المسلحين شهرة منذ القرن العشرين، جرائمه مروعة للغاية وبشعة بالنسبة لنا لوصفها هنا، ومع ذلك فقد أصبح اسماً مألوفاً في عالمنا اليوم
A+ A-

تيد بوندي، إنه اسم يرسل لك القشعريرة أسفل العمود الفقري، ويمنحك كوابيس كثيرة، في حال كنت تعرف من هو وما الذي فعله.

قصة طويلة ولكنها مختصرة، إنه واحد من أكثر القتلة المسلحين شهرة منذ القرن العشرين، جرائمه مروعة للغاية وبشعة بالنسبة لنا لوصفها هنا، ومع ذلك فقد أصبح اسماً مألوفاً في عالمنا اليوم، هذا العام، في الذكرى الثلاثين لتاريخ إعدامه بسبب اغتصابه وقتله أكثر من 30 امرأة، عرضت Netflix سلسلة وثائقية جديدة تحمل عنوان محادثة مع قاتل: أشرطة تسجيل تيد بوندي”، وفي هذا الأسبوع عرضت أيضا Biopic أو فلم السيرة الذاتية المسمى: “شرير للغاية، صادم بشكل شيطاني وحقير[1]” بطولة زاك ايفرون”Zac Efron .

كان هناك الكثير من الحديث والكلام منذ أن أصبحنا منظمة قبل 10 سنوات حول كيفية اتصال الجرائم التي قام بها تيد بوندي اليوم بماضي إباحي عميق مظلم، لنرَ من أين تأتي هذه المعلومات المروعة!

في آخر مقابلة أجراها قبل إعدامه، تحدث باستفاضة عن التأثير الذي أحدثته الإباحية عليه في سنوات تكوينه، وكيف أصبح شخصا غير حساس تجاه النساء، وأصبح يعتبرهن أدوات جنسية فقط، كما إنه استساغ الإساءة للنساء أيضا، وكل ذلك كان في وقت مبكر من نشأته… إليك تعديلنا الخاص لهذه المقابلة:

قال: “إن أكثر أنواع المواد الإباحية ضرراً هي تلك التي تنطوي على عنف جنسي”.

لكننا نسمع هذا الكلام من قاتل متسلسل كانت لديه ميول مريضة ومختلة، ومن المرجح أن كان يخبر الدكتور الناشط المعروف المناهض للإباحية جيمس دوبسون[2] بما يريد أن يسمعه، لذلك نحن بحاجة إلى أخذ ما قاله في هذه المقابلة بشكل واعٍ مع مراعاة أنه قد أضاف القليل من “الملح والبهارات” إلى حديثه وقصته؛ لجعل الأمور لصالحه مع الأخذ بالحقائق الواردة في التحقيق بعين الاعتبار.

قبل أن نتابع إلى ما هو أبعد من ذلك، يجب أن نلاحظ أننا لا نعتقد أو نؤكد أن الإباحية تحول الناس تلقائيًا إلى قتلة متسلسلين دون أي عوامل أخرى، كما إننا لا نعتقد أن كل مستهلك إباحي سيطور ميول عنيفة، ولن يصبح كل مستهلك مدمنًا.[3]

ومع ذلك، هناك حقائق مهمة على نطاق واسع حول كيفية تأثير الإباحية العنيفة التي أصبحت سائدة على عالمنا اليوم بطرق حقيقية قابلة للقياس، فسواء كان تيد بوندي يقول الحقيقة في مقابلته الأخيرة أم لا، فهناك الكثير من الأبحاث التي يجب مراعاتها والقيام بها.

أولا: استهلاك الإباحية العنيفة تقوم بتطبيع العنف الجنسي

قبل بضع سنوات، قام فريق من الباحثين بمشاهدة 50 من أكثر الأفلام الإباحية شعبية أي الأفلام التي تم شراؤها واستئجارها بشكل كبير في أغلب الأحيان، من بين المشاهد الـ 304 التي تضمنتها تلك الأفلام، احتوى 88٪ منها على عنف جسدي و49٪ على العدوان اللفظي وكان بالمتوسط، مشهد واحد فقط من كل 10 مشاهد لم يحتوي على أي عدوان، وكان المتوسط ​​المعتاد في كل فلم أن يكون هناك 12 هجومًا بدنيًا أو لفظيًا على الأقل، ومنه فقد تمكن مشهد واحد بشكل خاص بالنجاة من هذا العنف فيما مجموعه بالأصل 128 مشهد!

إن مقدار العنف الذي يظهر في المشاهد الإباحية هو أمر مثير للدهشة ومقلق للغاية وهو بنفس القدر رد فعل الضحايا… أي ضحايا الإباحية، في تلك الدراسة، وجد أن 95 ٪ من الضحايا (جميعهم تقريبا من النساء) إما كانوا محايدين لسوء المعاملة تلك أو بدا أنهم يستجيبون بسرور لها.[4]

وبعبارة أخرى، يتعرض الناس في الإباحية للضرب ولكنهم يبتسمون بعد ذلك، ليست كل المواد الإباحية بالطبع تحتوي على عنف جسدي، ولكن حتى الإباحية غير العنيفة لها تأثيرات على المستهلكين، الغالبية العظمى من الإباحية – عنيفة أم لا – تصور الرجال على أنهم أقوياء ومسؤولون؛ في حين أن النساء مستسلمات لهم وطائعات، إن متابعة المشهد بعد المشهد والذي يحتوي على مظهر الطاعة والخضوع بشكل غير إنساني يجعل هذا الأمر يبدو طبيعياً وهو يمهد الطريق لديناميكية القوة غير المتوازنة في علاقات الزوجين والتقبل التدريجي للعدوان اللفظي والجسدي ضد النساء[5]. أكدت الأبحاث أن أولئك الذين يشاهدون الإباحية (حتى لو كانت من غير النوع العنيف) هم أكثر عرضة لدعم الأقوال التي تشجع على الاعتداء الجنسي والإساءة للنساء والفتيات.

ثانيا: استهلاك الإباحية العنيفة يرتبط بالسلوك العدواني بشكل مباشر

لكن الإباحية لا تغير السلوكيات فقط؛ بل يمكن أن تتدخل في شكل التصرفات أيضا، أظهرت دراسة تلو الأخرى أن مستهلكي الإباحية العنيفة وغير العنيفة هم أكثر عرضة لاستخدام الإكراه اللفظي وحتى المخدرات والكحول لإجبار الأفراد على ممارسة الجنس معهم، ووجدت دراسات متعددة أن التعرض لكل من الإباحية العنيفة وغير العنيفة يزيد من السلوك العدواني، بما في ذلك وجود تخيلات عنيفة وارتكاب اعتداءات عنيفة بالفعل وما يرتقي لمستوى الاضطهاد الجنسي.

في عام 2016 قام فريق من الباحثين البارزين بتجميع كل الأبحاث التي يمكنهم العثور عليها حول هذا الموضوع وبعد دراسة اثنتين وعشرين دراسة خلصوا إلى أنه: “لا شك في أن الأفراد الذين يستهلكون المواد الإباحية بشكل أكثر تواترا هم أكثر عرضة لاتخاذ مواقف مواتية [أي تفضيلهم] للعدوان الجنسي والانخراط في أعمال اعتداء جنسي فعلية”.

إذا كنت تتساءل كيف يمكن للجلوس على الكرسي ومشاهدة الإباحية أن تؤثر فعليًا على ما يفكر فيه الشخص ويفعله، فإن الجواب يعود إلى كيفية تأثير الإباحية على الدماغ (انظر في هذا الموقع كيف تغيّر الإباحية الدماغ[6]… الموقع بالإنكليزية…). تحتوي أدمغتنا على ما يسميه العلماء: “الخلايا العصبية العاكسة” – وهي خلايا نادرة تشتعل وتعمل بكثافة ليس فقط عندما نفعل الأشياء (الجنسية بشكل خاص أيضا) بنفسنا، ولكن أيضًا عندما نشاهد أشخاصًا آخرين يقومون بفعل الأشياء، هذا هو السبب في أنه في الأفلام يمكننا أن نبكي أو نشعر بالغضب أو الخوف، في الأساس تتيح لنا الخلايا العصبية العاكسة أن نشارك عواطفنا مع تجارب الآخرين أثناء مشاهدتنا لهم، لذلك عندما يشاهد شخص ما الإباحية يبدأ هو أو هي بشكل طبيعي في الاستجابة لمشاعر الممثلين التي تظهر على الشاشة وعندما يصاب المشاهد بالإثارة أو الانتشاء، يقوم عقله بتوصيل وإنشاء مسارات عصبية مرتبطة تمثل مشاعر الإثارة مع ما يظهر على الشاشة، كما لو كان بالفعل يختبر هذا الموضوع بشكل حقيقي، لذلك إذا شعر الشخص بالإثارة وهو يشاهد رجلًا أو امرأة يركلن أو يتعرضن للضرب مع نعتهم بالألقاب البشعة والبذيئة، يقوم دماغ ذلك الفرد بربط هذا النوع من العنف بالإثارة الجنسية.

ومما يزيد الطين بلة أنه عندما تُظهر المشاهد الإباحية لقطات لضحايا العنف الذين يبدو أنهم يقبلون أو يقولون أنهم موافقون على هذا الأذى أو يستمتعون به، يتم إيصال رسالة للمشاهد تفيد بأن الأشخاص يحبون أن يعاملوا بهذه الطريقة؛ مما يمنح مشاهدي الإباحية شعورًا بأنه من المقبول أن يتصرفوا بشكل عدواني.

ثالثا: الإباحية تقنع المستهلكين بأن العنف مثير ومقبول

قد يخبر مشاهدو الإباحية أنفسهم بأنهم لا يتأثرون شخصياً بالإباحية، وأنهم لن ينخدعوا برسائله الأساسية والمبطنة، لكن الدراسات تشير إلى خلاف ذلك. هناك أدلة واضحة على أن الإباحية تجعل العديد من المستهلكين أكثر عرضة لدعم العنف ضد المرأة، وللاعتقاد بأن المرأة تتمتع سرا بالاغتصاب… وأن يكون في الواقع في الحياة الحقيقية عدوانيا جنسيا، وهذا العنف قد يتخذ أشكالًا متعددة، بما في ذلك التحرش أو الضغط على شخص ما لممارسة الجنس بعكس إرادته، والتلاعب به عاطفياً، وحتى التهديد بإنهاء العلاقة ما لم يقبلوا بهذا العنف، إضافة إلى خداعهم، أو كذبهم وإخفاء رأيهم بممارسة الجنس، أو حتى الاعتداء عليهم جسديًا.

ولنتذكر أن استخدام الإباحية يتصاعد باستمرار بمرور الوقت، لذلك حتى لو لم يبدأ المستهلكون بمشاهدة الإباحية العنيفة، لكنهم مع الوقت سيتغيرون. (شاهد هنا لماذا يُعد استهلاك ومشاهدة المواد الإباحية سلوكًا متصاعدًا[7]..الموقع بالإنكليزية..). ​​فكلما طال استهلاكهم، زاد احتمال سعيهم بأنفسهم إلى البحث عن محتوى عنيف ومثير للصدمة بشكل متزايد.

هذا الموضوع ليس غريبا بتاتا، فكلما زاد العنف الذي يستهلكونه في الإباحية، زاد احتمال دعمهم للعنف والتصرف بعنف، وفي الواقع وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الأكثر مشاهدة للإباحية العنيفة كانوا أكثر عرضة بست مرات للقيام باغتصاب شخص ما مقارنة بمن تعرضوا له بشكل أقل.

ماذا يهم من كل هذا للمشاهد العادي والمتوسط للإباحية؟

حسنا.. هل تدخلت الإباحية بنشأة ونمو وتطور سلوك تيد بوندي فيما كان؟ لا توجد طريقة حقيقية لنا لنعرف ذلك، ولكن إذا كانت لديه عادة مشاهدة الإباحية بشكل كبير، فمن المحتمل ألا يكون هذا الأمر بعيدا عنه وعن ميوله الخطيرة بالفعل؛ نظرًا لما نعرفه من عقود بواسطة الأبحاث من قبل المؤسسات الكبرى[8].

ليس ذلك فحسب فنحن لا نعتقد أن كل مستهلك إباحي سيتحول إلى تيد بوندي جديد بسبب توفر وإمكانية الوصول إلى الإباحية العنيفة لكن هذا لا يجعل الإباحية خالية من أي ضرر أو أنها غير ضارة، لم يعد من الممكن إنكار أن المواد الإباحية تضرب المجتمع بموجة من العنف اللا إنساني، وقد بدأنا للتو في فهم الآثار الواقعية لذلك.

لا يتعين عليك الرضا أو التسليم بتلك الأبحاث لكي تفهم شيئا آخر مهما مثل: إنه ليس من المنطقي أن يقبل مجتمعنا برسائل الإباحية المبطنة والناتجة عنها، بينما يدعو في الوقت نفسه إلى المساواة الكاملة بين الجنسين ووقف الاعتداء الجنسي. من المرجح أن يقوم العديد من الذين يشاهدون سلسلة تيد بوندي الوثائقية منNetflix بتسجيل الدخول إلى موقعهم الإباحي المفضل بعد أيام أو ساعات، ويشاهدون محتوى يتضمن مشاهد للانتهاك الجنسي المقرف بل أسوء من ذلك.

جزء كبير من المواد الإباحية التي يستهلكها ملايين الأشخاص يوميًا تعزز رسالة مفادها أن الإذلال والعنف أمور عادية مرتبطة بالجنس ومن المفترض وجودهما، الإباحية تثير وتؤثر على عقول وتوقعات الجيل القادم؛ مما يجعل من الصعب على الكثير من الشباب الاستعداد لعلاقات المحبة والرعاية والألفة بين الشريكين فهي تترك كلاً من النساء والرجال يشعرون وكأنهم لا يستطيعون التعبير عن الألم الذي تسببه لهم.

لهذا السبب نحن موجودون، كمؤسسة، لرفع الوعي بأن الإباحية ليست كما يروج لها بأنها ترفيه شخصي غير ضار، فبالنظر إلى مجموعة البحوث المتنامية حولها، فإن الإباحية في أحسن الأحوال طريقة مؤكدة لإيذاء علاقاتك، وفي أسوأ الأحوال عامل تطبيع يغذي العنف الجنسي. انظر وتعرف على هذه الحقائق قبل أن تبدأ أو تستمر بالاستهلاك والمشاهدة.

رابط المقابلة على اليوتيوب مع تيد بوندي

  • اسم الكاتب: Fight The New Drug
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 6 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 426
  • عدد المهتمين: 159

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك