نتائج البحث هل المشكلة هي الإباحية؟ أم العار المصاحب لها ؟ أم كلاهما؟

العار أمر سيء وعلى الأرجح هو السبب الحقيقي لإبلاغ بعض الناس عن مرورهم بتجارب مؤلمة مع مشاعر مثل القهر والقلق والفراغ المرتبط بمشاهدة الإباحية
A+ A-

واحدة من أكثر الشكاوى التي نتلقاها بخصوص عملنا هي أننا نركز بشكل كبير على مشكلة الإباحية ونغفل عن مشاكل أخرى قد تكون أكثر عمقاً وخطورة،  وأحد هذه الشكاوى كما يعتقد البعض هي عدم تقديم أبحاث موثقة حول ارتباط استهلاك الإباحية بمشاكل مثل الاكتئاب وفقدان احترام الذات بالشكل الكافي.

كما ارتبطت بعض الشكاوى بالعار وتأثيراته وعلاقته بالإباحية وهو ما سنحاول طرحه بشيء من التفصيل في هذا المقال.

الجدل الشائع هو أن الإباحية لا تؤذي أحدا، وببساطة الرفض المجتمعي للإباحية هو ما يؤدي بالناس للشعور بالذنب وتوليد شعور بأن الإباحية لها تأثيرات سلبية على حياة مشاهديها، باختصار تقوم فكرة هذا الجدال على أنه لو أوقفنا إلحاق العار بالإباحية ومشاهديها سيتوقفون عن كره أنفسهم؛ وكنتيجة ستختفي تلقائياً ما تسمى بالتأثيرات السلبية للإباحية.

ولا شك أنك لو كنت صغير السن  وحديث التعرض للإباحية فإن هذا العار -سواء كان الموجه من الآخرين أو الموجه من الذات للذات- فقط يجعل الأمر أسوأ، ومن الصعب رؤية أي فائدة لهذا العبء النفسي والعاطفي الذي يولده هذا الشعور على مشاعر البشر سوى أنه يجعل هذا التجربة الصعبة أكثر صعوبة.

يقول الدكتور براين براون”Dr. Brene Brown” الرائد في الأبحاث المتعلقة بالعار ونموه وتغيراته: ” لا أعتقد أن العار يمكن أن يكون مفيداً بأي حال من الأحوال أو يؤدي إلى حل، في الحقيقة أعتقد أن العار أكثر احتمالية أن يكون مصدرا للسلوك السلبي والمدمر أكثر منه كمصدر للحل أو العلاج.” [1]

ونحن نتفق تماما.

ولكن ينتهى النقاش حول العار عادة بالقول أن: “العار أمر سيء وعلى الأرجح هو السبب الحقيقي لإبلاغ بعض الناس عن مرورهم بتجارب مؤلمة مع مشاعر مثل القهر والقلق والفراغ المرتبط بمشاهدة الإباحية.”

بل ويصر بعض الناس على أن المشكلة ستحل بمفردها وببساطة لو أننا فقط تخلصنا من العار الذي يشعر به الناس الذين يعانون من مشاكل مع الإباحية.

هل يمكن أن يكون هذا صحيحاً ؟!! صراحة الإجابة أكثر تعقيداً من هذا؛ لذا دعنا نتعمق أكثر.

الشعور بالعار vs الشعور بالذنب.

من الضروري جداً أن نميز بين الشعور بالعار والشعور بالذنب،  يوضح هذا د. براون بشكل رائع قائلاً:

طبقاً لأبحاثي وأبحاث الزملاء فى هذا المجال، فأنا أعتقد أن هناك فرقا دقيقا بين العار والذنب، فالشعور بالذنب يمكن أن يكون مفيداً، فهو يحمل بين طياته شيئاً فعلناه أو فشلنا في فعله، وكان يتعارض مع مبادئنا وقيمنا؛ مما سبب لنا حالة من عدم الراحة النفسية،

أما تعريفي للعار فهو ذلك الشعور أو التجربة بالألم المكثف نتيجة اعتقادنا أننا معيبون، لذلك فنحن بلا قيمة ولا نستحق الحب والانتماء، أو بلفظ آخر شيئاً قمنا بفعلة أو تجربته أو الفشل فيه جعلنا نشعر أننا لا نستحق التواصل مع الآخرين[2]

إذاً فالذنب ينطوي على مشاعر مزعجة عن ما قمنا بفعله بالإضافة إلى شعور بالحاجة إلى تغيير الوضع وتصحيح مسار حياتنا،

بينما العار يتضمن مشاعر بالرفض لذواتنا واعتقاد أننا غير محبوبين، الشعور بالذنب موجه منا  لتصرفاتنا، بينما العار ينبع من هويتنا كأشخاص، يمكن أن يكون الشعور بالذنب صحياً إن أدى إلى التغيير، بينما العار دائماً هدام ومؤذٍ، يساعدنا الشعور بالذنب على النمو في محاولة منا أن نصبح الأشخاص الذين نحلم أن نكون، أما العار فيجرنا للأسفل ويقيد نمونا… لعلك الآن أصبحت تدرك الفرق.

الأبحاث حول الفرق بين الشعور بالعار والذنب.

الدراسات البحثية حول استهلاك الإباحية قامت أيضاً بالتفريق بين كلا الشعوريند/ جون تاني ” Dr. June Tangney  ”  الرائدة في الأبحاث المعنية بالتفريق بين الشعور بالعار والشعور بالذنب وجدت أن كلا الشعورين يتضمنان رؤية سلبية للذات، والاختلاف بينهما هو أن خلال تجربة مشاعر العار يكون الشعور السلبي موجها للذات ككل، أما مشاعر الذنب فتكون موجهة لتصرف معين قام هو بدوره بجلب النقد الذاتي ، وكأن الشعور بالذنب يقول:  “هذا التصرف سيء،  أما العار فيقول: ” أنت شخص سيء.”

كما قامت د/ جون وغيرها من الباحثين بأبحاث واسعة حول الفرق بين العار والذنب، وخلصت النتائج إلى أن الناس الذين يصفون تجربة متعلقة بشعور بالعار أكثر احتمالية للتحفظ والقلق حول ما يعتقده الناس حولهم، بينما واصفوا شعور الذنب أكثر احتمالية للقلق حول كيف أثر تصرفهم على الآخرين.

علاقة الإباحية بمشاعر العار والذنب.

ترى كيف تؤثر هذه المشاعر على مشاهدي الإباحية؟ قامت دراسة حديثة بتسليط الضوء على هذا الموضوع بالتحديد وأظهرت النتائج بعض الأشياء المثيرة للاهتمام، وجد الباحثون أن الشعور بالعار من نفسك وتصرفاتك مرتبط بشكل كبير بالاستخدام القهرى -الإدماني- للمواد الإباحية ، كما ارتبطت مشاكل أخرى مثل الاكتئاب الحاد والاضطراب العاطفي بنفس السبب من استخدام الإباحية المفرط القهرى وغير المرغوب فيه.

ووجد الباحثون أن الناس الذين تولد لديهم شعور بالعار تجاه أنفسهم نتيجة استخدام الإباحية كانوا أقل تحفيزاً وحماساً لتغير سلوكهم، وكانت جهودهم أقل لتغيير واقعهم.

وعلى النقيض تماماً جاءت مشاعر الذنب الناتجة عن مشاهدة الإباحية، فعلى عكس العار الذى ارتبط بالأشخاص وذواتهم ، وجد الباحثون أن فى حالة مشاعر الذنب جاءت نتيجة استخدام غير قهري أو مفرط للإباحية، كما جاءت مستويات التحفيز للتغيير أعلى،

فكان هؤلاء على استعداد أكبر لبذل جهد لتغيير حياتهم للأفضل[3]  وهذا يساعدنا في جعل الصورة أوضح للتفريق بين العار غير الصحي والذي يجعل الناس يبدءون أو يستمرون فى تصرفات غير سوية وخصوصاً الاستخدام المفرط للإباحية . بينما الذنب على النقيض ساعد في زيادة مستوى التحفيز للتغيير، ورفع جهودهم لإجراء تعديلات على حياتهم.

كما كانت هذه الدراسة الأولى في توثيق الفرق بين العار والذنب خصوصاً فى الاستخدام القهري للإباحية. وكانت نتائج مشابهة قد ظهرت في أبحاث سابقة أجريت على أفراد تأثروا بسلوكيات قهرية وإدمانية بشكل عام[4]

هل أضرار الإباحية جميعها تأتي بسبب العار؟

إذاً هل العار هو المسؤول عن كل هذه الأضرار التى تكشفها الدراسات وترتبط بمشاهدة الإباحية؟ توضح لنا أفضل الدراسات وأكثرها دقة أنه وبرغم من أن مشاعر العار يمكنها  تكثيف الآثار السلبية للإباحية وجعلها أكثر خطورة وضرراً،

لكنها ليست المسؤولة عن تكون تلك الأضرار، ولا يمكن تفسير ظهورها بالعار بمفرده، على سبيل المثال في الدراسة التي تناولناها منذ قليل وجد الباحثون أن العار كان المفسر لـ 33% من الحالات التي تعاني من الاستخدام القهري للإباحية[5]

وفي دراسة أخرى وجد الباحثون في  (UCLA) أن العار لم يكن العامل الرئيس في السلوك القهري لمشاهدة الإباحية بمفرده، بخلاف الاكتئاب والقلق الذى وجد أنهما عوامل رئيسية لهذا السلوك، ولكن عندما ربط  العار والاكتئاب معاً بالإمكان تفسير 37% من الحالات التي تعاني من إدمان قهري للإباحية، وخلصت الدراسات إلى أن هناك الكثير من العوامل الأخرى للأضرار الناجمة عن الاستخدام القهري للإباحية وليس العار هو العامل الوحيد[6]

إذاً فقد أصبح واضحاً أن العار بالفعل يزيد الطين بلة، ولكنه لم يستطع تفسير كل ما يؤثر على الناس الذين يعانون مع الإباحية.

الخلاصة.

لا تخطئ فهم ما نحاول شرحه هنا، فنحن نريد أن ننتج مجتمعا خاليا من العار، ولكننا لا نريده خالياً من الشعور بالذنب، العديد من التصرفات لا بد منك أن تشعر بالذنب لفعلها، الشعور بالذنب يساعدنا على النمو، ويفتح آفاق عقلك لتدرك تصرفاتك غير الصحية، الشعور بالذنب يتمحور حول الوعي ومساعدتنا على إيجاد أفضل ما بداخلنا، والسعي إلى أن نكون أناسا أفضل، أناسا يسعون للاعتناء ببعضهم بشكل أفضل.

وحين نأتي للحديث عن الإباحية، فمن المنطقي شعور الناس بالذنب مما تقوم به الإباحية من تجريد البشر من إنسانيتهم ومعاملتهم كأنهم أشياء، ومساعدة الناس على فهم الطرق التى تقوم الإباحية  بالإضرار بحياتهم بل وإيذاء من حولهم، ليس القصد منه محاولة جعلهم يشعرون بالعار، بل هى دعوة لهم لاختبار واكتشاف ما إذا كانت الإباحية تتفق مع رؤيتهم للحياة وكيف يريدون أن يعيشوا، وهل الإباحية تتفق مع الأهداف التي وضعوها لعلاقاتهم.

لكن عند الحديث عن الإباحية، في كثير من الأحيان لا يفرق الناس بين هذين الشعورين، والرسالة التى يوجهونها لمن يشاهد الإباحية تنقلب لتوجيه العار لهم، وبغض النظر عن حسن نواياهم في توجيه هذه الرسائل فهم لا يساعدون ولا يصلحون، بل ورسائلهم تكاد تكون مضرة، وفي النهاية نحب أن نقول أن الجميع يستحق الحب، والجميع يستحق التواصل، والجميع يمكنه تغيير حياته للأفضل.

  • اسم الكاتب: Randy Gilliland
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: أ. يوسف محمود
  • مراجعة: أ.محمد حسونه
  • تاريخ النشر: 7 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 643
  • عدد المهتمين: 152

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك