أهلا بكم في منتزه الفئران

التعافي من الإدمان، ليس مجرد وقف الاحتياج العصبي، للمادة المخدرة. إنه يجب أن يكون أيضا حول تغيير عاداتك وهواياتك كي يقلل الاحتياج إلى الهروب للإدمان.
A+ A-
ذات يوم كان هناك فأر.

كان هذا الفأر وحيدا عاش في قفص  صغير في حجم قطعة صغيرة من الورق مع بعض القش العفن القديم، مع زجاجة ممتلئة بالماء الفاتر، مع طبق فيه حفنة من كرات الطعام.

عن يمينه ويساره استطاع أن يسمع -لكن لا يرى- أخوته وأخواته في أقفاص مجاورة فيها نفس كومات القش ونفس زجاجات الماء والطعام.

أحيانا يؤخذ عدد من الفئران من أقفاصهم وعندما يعودون يحكون عن المكان الذي أخذوا إليه، حيث اللعب في المتاهات وجوائز من قطع الجبن.

كان الفأر الصغير ينصت إلى تلك الحكايات ويتساءل ويتمنى لو أُخِذَ إلى هذا المكان كي يكسر رتابة الأيام ولكن الأمر لم يكن باختياره.

ذات صباح استيقظ على شيء مختلف.

لم يكن الذي تغير هو الطعام ولا القش ولكن صار هناك زجاجتان من الماء.

قام وشمَّ المياه القديمة وتذوقها، لم يكن هناك شيء مختلف عن ذي قبل، ثم قام بشم الزجاجة الثانية والتي كانت مياهها مصبوغة باللون الأزرق، وكأن فيه شيئا ما مختلفا! لم يحببه في بداية الأمر فقد سبب له حرقة في حلقه ودماغه أصبح غير صافٍ وبدأ يترنح حتى استلقى في ركن القفص.

كان شيئا مختلفا وكان هذا أفضل من لا شيء.

الزجاجتان كانتا هناك شرب من الأولى القديمة أولا وعينه على الزجاجة الثانية الجديدة بفضول. وبدأ يفرك مضخة الزجاجة الجديدة بأنفه بحذر شديد.

وسرعان ما جاءه الملل وعاد مرة أخرى ليحرك الزجاجة الجديدة بقدمه حرك المضخة وتذوق الماء الجديد وكان طعمه غريبا، وزاد تدفق الدم إلى الدماغ، وبعد يومين من شرب الماء الغريب أدرك أنه يزيل الملل الذي كان يجده بين وجباته وسريعا فقد الإحساس بالأيام والليالي والزمن وحتى الفصول! هو الآن نائم  معظم الوقت وغير مهتم وحتى وإن لم يكن سعيدا فهو على الأقل مُخَدَّر.

وذات يوم وبعد شرب الماء الغريب، استيقظ ذات يوم في مكان غريب جدا، كان يرقد على قشارة خشب الأرز في صندوق أوسع من قفصه القديم، وكان هناك أشجار فاتحة خضراء وشجيرات وزهور صفراء ووردية مرسومة على الحوائط، وأنابيب من الكرتون المقوى، وصناديق متناثرة، وخمسة فئران يتطلعون إليه ويشمونه ويدعونه إلى العب.

بدأ يلعب ويطارد أصدقاءه ويصعد على الأنابيب حتى عطش فأصابه الصداع، توجه إلى مكان الماء وهناك أيضا وجد زجاجتين من الماء، واحدة بها ماء فاتر قديم والأخرى فبها ماء أزرق اللون والذي يساعد على مرور الأيام.

شم الزجاجتين، وشيء في داخله مثل النار في جسده شيء قاده إلى الزجاجة ذات المياه الزرقاء لكنه لم يردها، فقد كان هناك الكثير من اللعب مع الفئران، وهو يريد أن يكمل معهم اللعب.

شرب من الماء القديم وعاد مسرعاً إلى أصدقائه من الفئران حتى زاد الصداع الذي ازداد سوءا، ولم يستطع أن يتعامل معه، ونسي كل شيء لوهلة وشرب من المياه الزرقاء واستلقى في أحد الأركان.

وحينما استيقظ عاد إلى اللعب ولم يشرب من المياه الزرقاء حتى حانت لحظة لم يعد يتمالك فيها نفسه على الوقوف بفارق ساعات أطول عن اليوم الذي سبقه، وفي خلال أسبوعين، لم يعد يشرب من الزجاجة الزرقاء على الإطلاق، فهو لم يعد يحتاجها! العالم لم يعد قفصه بل المنتزه.

هذه لم تكن رواية خيالية، ففي سبعينيات القرن الماضي، د بروس أليكسندر، دكتور  في جامعة سيمون فريزر، أدرك من التجارب أن المخدر والإدمان يتمكنان من الفئران تتمكن في الأقفاص الصغيرة الضيقة، لكن الفئران كائنات اجتماعية بطبيعتها وأقفاصها الضيقة لا تماثل مواطنها في الغابات ولا تماثل ذلك النطاق الحر والسهل لمصادر الطعام في مطعم بمدينة كبيرة .

ولذلك قام هو وزملاؤه بصنع "قفص اجتماع" من متنزه الفئران، قاموا بإجراء مجموعة من التجارب الخاصة بالإدمان، مستخدمين المورفين "وهو ابن عم الهيروين” وفي كل حالة وجدوا أن الفئران في المتنزه كانوا أكثر تفضيلا لتجنب الماء الممزوج بالمورفين من هؤلاء المعزولين حتى ولو عانوا من الأعراض الانسحابية.

"منتزه الفئران" لم ينف الأبحاث السابقة، فالمخدرات تسبب الإدمان ولازالت تؤذي أدمغة الفئران، ولكن ما أظهرته تلك التجربة للكثيرين هو أن المخدرات هي شكل من أشكال الهروب. إذا أنت أبعدت سبب الهروب (الوحدة، أو فقدان وظيفة، أو ………..) رغبتك لهذا المخدر ربما أيضا ستنخفض.

التعافي من الإدمان، ليس مجرد وقف الاحتياج العصبي للمادة المخدرة، إنه يجب أن يكون أيضا حول تغيير "عاداتك وهواياتك" كي يقلل الاحتياج  إلى الهروب للإدمان.

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 9 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 635
  • عدد المهتمين: 128
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك