معادلة الإباحية: تنوع أكثر=دوبامين أكثر

استمر بالقراءة والتعلم عن كيفية تأثير هذا الإدمان على دماغك وكيف يعمل وما الذي يقودك إليه، فكما يقولون اعرف عدوك حتى تنتصر عليه!
A+ A-

هذا المقال مترجم من الموقع الشهير (your brain on porn) الذي أسسه ويقوم عليه دكتور جاري ويلسون (أستاذ علم التشريح والفسيولوجي والباثولوجي متقاعد) وزوجته مارينا روبنسون، وهو مقال يندرج تحت سلسلة مقالات أساسية نقوم بترجمتها لفهم إدمان المواد الإباحية، ويجيب المقال عن كيف أن ذلك الإدمان يختلف عن غيره؟ وما دور الدوبامين والتنوع في الإدمان؟ ومن يكون في خطر الوقوع في هذا الإدمان؟ وبعض المعلومات الأخرى الهامة عن الإدمان.

هل تمكنت منك صناعة الإباحيات؟

بشكل شهري تقريبا يصدر بحث جديد يؤكد أن إدمان الطعام يسبب تغيرات في الدماغ تطابق التي تنتج من إدمان المخدرات. الطعام والجنس يعرفان بـ “الدوافع الطبيعية” بمعنى أنهما ليسا مخدرين، ولكن أدمغتنا تريدهم وكأنها تضيء لهم فنسعى نحن إليهم دون الحاجة إلى تفكير.

ولكن لا تزال الفكرة أن ” الطعام يمكنه أن يؤدي الي السمنة؛ لأن الطعام كالمخدر” محيرة بعض الشيء. فبعد كل شيء فإن أجدادنا الأصحاء كانوا يأكلون كثيرا، وبشكل واضح كانوا يحبون الجنس أليس كذلك؟ ولكن لا يصل الامر إلى أن يصبحوا مدمنين، ما الفرق بيننا وبينهم إذن؟! الفرق أنهم لم يكونوا محاطين بصورة من الطعام والجنس بها “محفزات اصطناعية قوية” كحالنا الآن.

 فكر معي قليلا لنفرق بين حاضرنا وماضينا، كم من أجدادنا كان لديهم سهولة الوصول للوجبات السريعة التي تحتوي على خليط من الدهون والسكريات والملح الذي يجعل الدماغ يعود إليها ويدمنها؟ لم يكن هناك بالتأكيد آنذاك. 

كم من أجدادنا كان لديه أجهزة الحاسب الالي والتي يمكن بضغطة زر الدخول الي فيضان من محفزات لا نهائية “hyper-stimulants” من الأفلام الجنسية التي يتخللها حبكة درامية وتنوع في القصص وعند الملل يوجد وفرة من الأفلام والمشاهد الشاذة حتى لا يفقد لذته؟

|”الإباحية؟ إنها ادمان جديد. يستيقظ المرء في الصباح يقوم بفتح صفحة انترنت تقوده إلى صندوق مليء بالصور فلا ينهض من على سريره إلا وقد شاهد ٣٠٠ امرأة مختلفة على الأقل. —J.M، موسيقي شهير “| 

التحفيز الشديدextreme stimulation” الناتج من إغراءات اليوم يمكنه حقا أن يستحوذ على أدمغتنا. فمن المستبعد أن يقوم J.M بمشاهدة نفس الصورة ٣٠٠ مرة قبل نهوضه من سريره. فالتجديد “Novelty” والإثارة الجنسية للشخص متلازمتان معاً. دماغه يفرز المزيد من الدوبامين مع كل صورة جديدة، وتقوم تلك الجرعة من الدوبامين بغلق المستقبلات العصبية تماما كأنها تخدره.

|”J.M: الإباحية قامت حتما بتغير فكر جيلنا بأكمله. كيف يمكن للمرء أن يقوم بالقضاء على شهوته وأمامه مئات الصور والمشاهد؟ فأنت تبحث عن مشهد من أصل مائة لتقضي شهوتك فيه، منذ ٢٠ ثانية تعتقد أن تلك الصورة هي الأشد إثارة على الإطلاق، وها أنت ترميها وراء ظهرك وتكمل رحلة صيدك لمشهد أو صورة مثيرة لتقضي شهوتك ويصل الأمر إلى أن تجعل نفسك متأخرا عن عملك لأجل هذا. كيف ذلك لا يؤثر على نفسية المرء عندما يكون على علاقة بشخص ما؟ بالتأكيد ستؤثر على علاقته “|

هذا يشرح كيف تحول الجنس من فعل يقودنا إلى الدفء والسكينة مع الشريك، إلى شيء شبيه بالمخدر الذي لا يجعلنا نشعر بنفس الدفء بل ويجعلنا مدمنين عليه وعالقين فيه وغير قادرين على إنشاء علاقة حقيقية مع شريك حقيقي.

من المعرّض لخطر إدمان الدوافع الطبيعية؟ 

اغلب أبحاث الإدمان تركز على إدمان المواد (المخدرات وغيرها) وليس على إدمان الدوافع الطبيعية “الطعام والجنس”. وجدت الأبحاث أن نسبة قليلة منا فقط  يميلون بشكل جيني لإدمان المواد بسبب قلة أعداد “مستقبلات الدوبامين” في أماكن مختلفة في “دائرة المثوبة” في الدماغ. (الدوبامين: مادة كيميائية عصبية مسئولة عن العودة لتكرار الأفعال كأنه يقول لك: ” يجب أن أحصل على ذلك!”، دائرة المثوبة: مسار في الدماغ الذي يسبب الرغبة والحافز لأي شيء.)

إذن، هل أغلبيتنا في أمان من الإدمان؟ عندما يتعلق الأمر بإدمان المخدرات، ربما نعم. ولكن عندما تأتي للوصول الغير مقيد لصورة من الطعام والجنس تحتوي على محفزات فائقة، الإجابة ربما لا.

السبب وراء أن تلك الصورة من الطعام والجنس -أي التي بها محفزات فائقة-، يمكنها أن تجعلنا مدمنين عليها حتى ولو كنا من الأغلبية التي لا تميل للإدمان ; هو أن دائرة المثوبة خاصتنا تدفعنا إلى الطعام والجنس بشكل فطري، وليس للمخدرات. 

فلنأخذ الطعام مثلا، إذا أسرفت الاكل بشكل مرضي على أطعمة تحتوي على محفزات فائقة (كالوجبات السريعة التي تحتوي دهون مركزة وسكر معدل) يمكن أن يحدث ذلك تغيرات في دماغك تشابه التغيرات الحادثة لمتعاطي المخدرات.

هذا لا يحدث فقط للقلة الذين يميلون للإدمان بشكل جيني، بل حتى حدث نفس الشيء للفئران، وتقريبا كل الحيوانات التي عرض عليها وصول غير مقيد للوجبات السريعة (كالسجق وما شابهه والعديد من أنواع الحلويات الشائعة) لم يستطيعوا أن يتوقفوا عن الأكل وأصيبوا بالسمنة!

وبشكل فوري، قلّت مستقبلات الدوبامين في أدمغة الفئران -الذين تم السماح لهم بوصول غير مقيد من الوجبات السريعة- والذي دفع الفئران أن يسرفوا في تلك الأطعمة وتسبب في جعلهم يشعرون بتحفيز أقل من طعامهم المعتاد. وحدثت تغيرات أخرى مثل قلة الحساسية والمتعة مع مرور الوقت من أكلهم للوجبات السريعة.

بعد أسبوعين من إعادة العلماء الفئران لطعامهم المعتاد، لم تتعافى أدمغة الفئران بعد. في الحقيقة، عندما يتم إعطاؤهم الوجبات القديمة المعتادة لهم، اختاروا أن يظلوا جائعين لبعض الوقت من أن يأكلوا. (الدراسة كاملة)

ماذا عن الإباحيات؟

إن المناطق التي يحدث لها تغيير في الدماغ نتيجة التحفيز الزائد من الوجبات السريعة هي نفسها التي تتحكم في شهيتنا للجنس. إذن، هل المحفزات الجنسية الزائدة المتاحة في يومنا هذا كالإباحيات تماثل الوجبات السريعة أي تؤدي الي تغيرات في دائرة المثوبة في الدماغ؟

العديد من الدراسات الحديثة على أدمغة مشاهدين المواد الإباحية وجدت الأدلة على حدوث: قلة الحساسية، التصعيد في المشاهدة، وإثارة أقل من ممارسة الجنس الطبيعي، جنبا إلى جنب مع تغيرات في القشرة الأمامية للدماغ.

فكما وضحنا، الأعراض التي يشتكي منها مشاهدو الإباحيات، يمكن تفسيرها بشكل منطقي بأنها نفسها التغيرات الدماغية التي شوهدت في الفئران الذين تعرضوا لوصول غير مقيد من الوجبات السريعة شديدة التحفيز. (الفئران والبشر يتشابهون في نفس كيفية عمل الدماغ البدائي تجاه الشهوة والإدمان).

كما أسرف الفئران في تناول الوجبات السريعة، مشاهدو الإباحيات يفعلوا نفس الشيء مع المواد الإباحية.

مشاهدو الإباحيات يلاحظون بشكل معتاد رغبتهم في الحصول على جرعات من التخدير التي تسبب لهم سعادة لحظية (ذلك غالبا بسبب قلة مستقبلات الدوبامين).

وتلك الرغبة تظهر في قفزة عالية من الشهوة وإرادة المشاهدة، والتي هي إرادة المزيد من التحفيز والاستثارة (مزيد من الدوبامين) لزيادة الشعور بالراحة أو لتخفيف القلق الشديد. وفي الكثير من الأحيان يريدون مشاهد مقاطع أكثر شذوذا لكي يحصلوا على ذروتهم الجنسية، وينتهي الأمر بحدوث ضعف في الانتصاب أو اكتشاف أن ممارسة الجنس الطبيعي مع الزوج/الزوجة لا يكفيهم (مما يؤدي إلى مزيد أو حتى مشاهدة بشكل أكبر للإباحيات).

والمشاهدين أحيانا يبلّغون عن زيادة في الوسواس القهري، الاكتئاب، إجهاد قوي لأي أنشطة اجتماعية، ومشاكل في التركيز. والكثير من المشاهدين الذين يحاولون في التوقف يبلغون عن أعراض انسحابية مثل الرعشة، الأرق، تقلب المزاج، صداع شديد، قلق، اكتئاب، فتور، تفكير مشتت آلام البطن، أحلام مزعجة أعراض مشابهة بالإصابة بالأنفلونزا، والرغبة في خنق أحدهم من كثرة الغضب. وتلك الاعراض تشير الى أنهم يعانون بالفعل من تغيرات في الدماغ الشائعة للإدمان.

إليك النقطة المهمة: أغلب الناس لا يتعاطون المواد المخدرة لأنهم لم يجربوها أو لكيلا يسببوا لأنفسهم المشاكل أو أنهم وجدوا تأثيرها سلبي على غيرهم. ولكن من لا يحب الوجبات السريعة والاثارة الجنسية؟ ومن لا يحب الإثارة الناتجة من تحفيز نظري قوي خصوصا إذا كانت استجابة الدماغ هي جرعة مخدرة من السعادة اللحظية لتلك الاستثارة أو التحفيز الزائد؟ أدمغتنا تميل لذلك أكثر مما نعتقد الآن.

متى يوجد خطر أن يصبح المحفز إدمانا؟

الخطر يكمن عندما يكون المحفز:

- صورة معدلة من شيء نحن وأجدادنا نشأنا ووجدناه أساسي لنا.

- متواجد بسهولة وبشكل غير محدود (بشكل غير موجود في الطبيعة).

- يأتي في كثير من التنوع والصور (Novelty).

- نسرف فيه دون إدراك أنه يحدث تغيرات في ادمغتنا.

كما رأينا، الأطعمة السريعة ينطبق عليها النموذج الذي ذكرناه. وكذلك الإباحيات ايضا ولكن الإباحيات أشد خطورة. فالطعام يضع حد للاستهلاك: سعة بطن الشخص والنفور الطبيعي الذي يحدث عندما لا نستطيع تناول قطعة أخرى من الطعام. ولكن لا يوجد حد لاستهلاك الإباحيات، غير الرغبة في النوم أو قضاء الحاجة. فالشخص يمكنه مشاهدة الإباحيات لساعات دون أن يصل لذروته الجنسية ومن غير أن يصل لإشباع أو نفور، ساعات من التحفيز الكيميائي الغير طبيعي للدماغ. كل نقرة على فيديو مختلف “يثير توقعاتنا لشيء جديد ومثير “يتم إفراز المزيد والمزيد من الدوبامين في الدماغ.

فالإثارة المركزة للإباحيات تنتج جرعة أكبر وأكثر متعة من الكيماويات العصبية أكبر من التي تنتجها الوجبات السريعة الذي يجعلنا نندفع للإباحيات أكثر. وهذا يعني أن الدماغ سيتشابك أكثر بالمحفزات والظروف المحيطة التي تدفعنا للإباحيات، و الذي سيضمن تكرارية التجربة بشكل أكثر تلقائية في المستقبل وأيضا فإن مشاهدة الإباحيات أحيانا تثبط المشاهدين عن السعي للتفاعل الاجتماعي مع الاخرين، وعلاوة على ذلك فإن الإباحية تبدو دون مخاطر لأنها سرية وخاصة بالشخص.

للأسف , ليس فقط أغلبنا لا يدري أن إباحيات اليوم تغير دماغنا بطريقة تعرضنا للوقوع في إدمان، ولكننا نواجه فكراً خاطئ في ثقافتنا اليوم الذي يدعو إلى ” أن أي تصرف يريد المرء من خلاله الحصول على نشوة جنسية هو صحي بشكل موروث لذلك يجب علينا مواجهة أي أدلة تظهر تدل على خطورة الوصول الغير مقيد للمحفزات الجنسية الفائقة كإباحيات اليوم.”

هذا يدعو للتفكير, صحيح ؟ إذا كانت أدمغتنا خلقت لتدفعنا بشكل طبيعي للطعام والجنس، ألا ينبغي أن نكون أكثر حذرا حول عدم إغراق أنفسنا في صورهم المحتوية على محفزات فائقة؟

ففي ذلك الحين كما ذكر دكتور ستجفين هايس : “حوالي 17% من الاشخاص الذين يشاهدون الإباحيات على الانترنت تتوافق معهم معايير الإدمان الجنسي. وتلك النسبة تترجم لعدد كبير من الأشخاص في الحقيقة، بالعلم أن حوالي 12% من النشاط على الإنترنت يكون اباحي وتقريبا 90% من الشباب الذكور (و30% من الشباب الإناث) يشاهدون الإباحيات”(احصائيات من سنة٢٠١٠(. 

انتهى المقال.

استمر بالقراءة والتعلم عن كيفية تأثير هذا الإدمان على دماغك وكيف يعمل وما الذي يقودك إليه،

فكما يقولون اعرف عدوك حتى تنتصر عليه!

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: أ. خالد جاويش
  • مراجعة: أ.سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 9 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 1K
  • عدد المهتمين: 153

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك