لماذا يجبُ عليَّ أنْ أحاربَ الموادَّ الإباحيَّةَ؟ (خاصّ بالفتياتِ)

أولئكَ النساءُ اللاتي يُكافحْنَ الإباحيَّةَ غالباً ما يستخدمْنَ مصطلحاتٍ مثلَ: “المحاربةِ” أو “المعركةِ” عندما يتحدثْنَ عن الموادِّ الإباحيَّةِ والاتِّجارِ بالبشرِ والاستغلالِ الجنسيِّ.
A+ A-

أولئكَ النساءُ اللاتي يُكافحْنَ الإباحيَّةَ غالباً ما يستخدمْنَ مصطلحاتٍ مثلَ: “المحاربةِ” أو “المعركةِ” عندما يتحدثْنَ عن الموادِّ الإباحيَّةِ والاتِّجارِ بالبشرِ والاستغلالِ الجنسيِّ، وبالنسبةِ للبعضِ فإنَّ هذهِ المصطلحاتِ مربكةٌ بعضَ الشيءِ.

مُؤخَّراً أُتيحتْ لي قراءةُ إحدى المشاركاتِ لمنشوري على الفيسبوك، ومن المحتملِ أنَّ الفتاةَ التي شاركتْ منشوري لم تكنْ تعرفُ أنَّني أستطيعُ رؤيةَ مشاركتِها في صفحتِها الخاصةِ؛ حيثُ أردفتْ كلماتِها مع المنشورِ قائلةً أنَّهُ من السُّخفِ أن نقولَنحنُ “نقاتلُ” الموادَّ الإباحيَّةَ، وأشارتْ إلى أنَّ أيَّ شخصٍ يقولُ أنَّ محاربةَ الإباحيَّةِ (معركةٌ) فلديه اضطرابٌ في شخصيته وغيرُ راضٍ عن الحياةِ.

وبمعنى آخرَ: “لماذا علينا محاربةُ الإباحيَّةِ؟

إنَّها ليستْ المرَّةَ الأولى التي يحدثُ فيها هذا، ففي البدايةِ عندما بدأتُ في تدوينِ المقالاتِ لمحاربةِ الإباحيَّةِ على مُدوَّنتي الإلكترونيَّةِ، كان هناك قارئٌ يُديرُ موقعَ “الأدبِ الجنسيّ المسيحيّ” على الإنترنتّ، وفي كثيرٍ من الأحيانِ كان يقومُ بالتعليقِ على المقالاتِ ويُراسلُني على بريدي الإلكترونيّ ويقولُ ليعليكِ “الاستسلامُ” لرغباتِك وشهوتِك الجنسيَّةِ،

ويقومُ بتفصيلِ ما يُريدُ أن يفعلَ لي، وعندما قلتُ له: لا، قالَ لي: إنَّكِ مريضةٌ عصبيَّةٌ، وفيما بعدُ كتبتُ مقالاً للردِّ عليه.

والمشكلةُ الأساسيَّةُ مع كلٍّ من وجهاتِ نظرِهم -الفتاةُ التي شاركتْ المنشورَ ومديرُ موقعِ الأدبِ الجنسيّ- هي أنَّهم وضعوا الموادَّ الإباحيَّةَ على مساواةٍ مع الجنسِ، أي أنَّها أمرٌ عاديٌّ وطبيعيٌّ؛ وبالتالي اعتبروا الموادَّ الإباحيَّةَ جزءا من الحياةِ.

إذا كان لديَّ مشكلةٌ مع الجنسِ -والذي هو جزءٌ طبيعيٌّ مني كإنسانةٍ- أو إذا كان لديَّ مشكلةٌ مع رغباتي الجنسيَّةِ فحينُها سأقولُنعم، من المحتملِ أن أكونَ مريضةً عصبيَّةً، ولكنَّ الشيءَ المهمَّ الذي يجبُ إدراكُهُ واستيعابُه هنا أنَّه ليس لديَّ مشكلةٌ مع أيٍّ من هذا، وأنا لا أحاربُ الجنسَ، ومشكلتي مع الإباحيَّةِ التي كنتُ واقعةً فيها وأدركتُ أخطارَها، وأنا أحاربُ من أجلِ النساءِ اللاتي يعانينَ من ذلك الخطرِ، وهذهِ هيَ مهمَّتي.

لماذا نُسمِّيها معركةً؟

نحنُ هنا لا نقومُ بمسرحيَّةٍ ودِراما مع مؤثِّراتٍ خاصَّةٍ وألعابٍ ناريَّةٍ، “معركةُ” و”محاربةُ” هي كلماتٌ تصفُ هذا العملَ مثلَ مقاومةِ شيءٍ ما، فمثلاً يُمكنُك محاربةُ البردِ، ومحاربةُ التعبِ، وخوضُ معركةٍ مع زيادةِ الوزنِ، وإذا لم تتفقْ مع شيءٍ أو كنتَ تكرهُ شيئاً وتسعى لتغييرهِ فهذا يُسمى قتالًا؛ وفي الحقيقةِ ليسَ هناك كلمةٌ أفضلُ من هذهِ لتصفَ ذلك.

وبالنسبةِ لي فأنا أكافحُ من أجلِ شيءٍ ما، ولديَّ مشكلةٌ -ونحنُ جميعًا أيضاً- فهذا الشيءُ يحدثُ مع النساءِ، ولم يُصبحْ مُجرَّدَ لعبةٍ ،

وأنا أعلمُ أنَّ الإباحيَّةَ تسبب المشكلات ؛ لذلك فأنا أُقاتلُ الإباحيَّةَ وليسَ الجنسَ، وأنا أكتبُ هذا الآنَ وأنا في التجمُّعِ الوطنيّ لوضعِ حدٍّ للاستغلالِ الجنسيِّ، وفي العامِ المُقبلِ سأسعى لتقديمِ عريضةٍ بهذا الشأنِ، وهناك المئاتُ من الأشخاصِ الذين تجمَّعوا هنا لفضحِ مضارِّ الموادِّ الإباحيَّةِ وإعلامِ الرؤساءِ وأولياءِ الأمورِ والمواطنينَ المعنيينَ؛ ليكونوا قادرينَ على الانخراطِ في الحوارِ وتبادُلِ الآراءِ ودعمِ هذهِ القضيَّةِ.

نحنُ لسنا ضدَّ الجنسِ، وهذهِ ليستْ اتفاقيَّةً لمكافحةِ الجنسِ، ونحنُ ندافعُ عن الكرامةِ الإنسانيَّةِ ونكافحُ من أجلِها ونؤمنُ أنَّ صناعةَ الإباحيَّةِ ضدَّ توجُّهاتِنا تماماً، ونحنُ ندافعُ عن الأطفالِ؛ لأنه إذا كانتْ تعريةُ نفسِك في حديقةٍ أمامَ طفلٍ يبلغُ من العمرِ خمسَ سنواتٍ عملاً غيرَ قانونيٍّ؛ إذاً ينبغي أنْ يكونَ أيضاً من غيرِ القانونيِّ استهدافُ هؤلاءِ الأطفالِ من وسائلِ الإعلامِ الإباحيَّةِ،

ونحنُ ندافعُ عن النساءِ؛ لأنَّنا لا نريدُ أن تكونَ المرأةُ سلعةً يتاجَرُ بها وتُستهلَكُ؛ ومِن ثَمَّ يتمُّ رميُها لتُعاني ..

هلْ هناك أشياءٌ أخرى يُمكنُ أن تهدمَ الكرامةَ الإنسانيَّةَ؟ نعم، بالطبع.

وهلْ هناك أمورٌ أخرى يمكنُ أن تؤثِّرَ في هجمةِ الاتِّجارِ بالبشرِ والاستغلالِ الجنسي؟ نعم.

إذاً هلْ يُمكنُنا التحدثُ عن كلِّ شيءٍ له صلةٌ بهذهِ الأمورِ والمحاربةِ في كلِّ معركةٍ؟

بالطبعِ لا، بالنسبةِ لنا نحنُ فإن هذا هو المجالُ الذي اخترناهُ، أعني هذه الجبهةُ التي اخترناها؛ لنحاربَ عليها (إن صحَّ التعبيرُ)

لماذا أقاتلُ؟

لقد دوَّنتُ هذا في الفيسبوك في يومٍ سابقٍ، وشعرتُ أنَّه يُلخِّصُ -بشكلٍ كافٍ- السببَ الذي يجعلُني “أقاتلُ” الموادَّ الإباحيَّةَ، وليست لديَّ أيَّةُ مشكلةٍ مع الجنسِ، ولكن مشكلتي الكبيرةَ هي مع ما عشتُه في الموادِ الإباحيَّةِ، وهذا هو السببُ الذي جعلني أقاتلُ.

قبلَ ثلاثةَ عشرَ عاماً كنتُ في الحضيضِ، وكان عمري سبعةَ عشرَ عاماً، كنتُ أحاولُ معرفةَ كيفيةِ الوصولِ إلى صناعةِ الإباحيَّةِ؛ لأنَّني شعرتُ أنَّه الشيءُ الوحيدُ الذي كان يستحق الاهتمام  ، لم تكنْ تُهمُّنِي درجاتي العاليةُ في المدرسةِ، لم تُهمني كلُّ إمكانياتي الجيدة

كنتُ أعتقدُ أنني بلا قيمةٍ وغريبةُ المنظرِ، وأنَّني لا أساوي شيئاً أكثرَ من جسمٍ على شاشةٍ

وستعلِّمُني مقاومةُ الإباحيَّةِ كيف أكونُ امرأةً حقيقيَّةً .

بدأتُ رحلتي لأجدَ القبولَ والتقديرَ والشُّعورَ بالانتماءِ، حاولتُ معرفةَ كيفيَّةِ تقديمِ طلبٍ لقبولي في مواقعِ مقاومةِ الإباحيَّةِ،

ولم تكنْ لديَّ أيَّةُ فكرةٍ عن كيفيَّةِ الوصولِ إلى هذهِ المؤسسات ؛ فقد اتَّضحَ لي أنَّها ليستْ كتقديمِ طلبٍ في متجرٍ للبقالةِ،

وأنا سعيدةٌ جداً لدرجةِ أنَّه لا يُمكنُني أبدا تذكُّرُ ومعرفةُ وصولي إلى هذا الشأن .

وفي السنواتِ التاليةِ كنتُ أتجوَّلُ مع داعمي مقاومةِ الإباحيَّةِ في الشوارعِ، وأحدهم كانَ رجلَ أعمالٍ في نفسِ الوقتِ الذي كنتُ أبحثُ فيه لأدخلَ هذهِ المؤسسات ، واستطعتُ أن أعملَ لديه، وشاركتُ المنصَّةَ مع مُمثِّلي إباحيَّةٍ سابقاتٍ من نفسِ عمري،

وفي نهايةِ هذا الأسبوعِ سأتركُ هيوستن (مدينةٌ أمريكيَّةٌ)؛ لأشاركَ المنصَّةَ مع مُمثِّلاتِ إباحيَّةٍ سابقاتٍ ذوات خبرةٍ طويلةٍ، واستطعتُ المشاركةَ مع هؤلاءِ الفتياتِ، نعم، لن أضيِّعَ هذه الفرصَ الجميلةَ منِّي.

جميلةٌ؟! قد تسألُ

وأنا أعرفُ أنَّ البعضَ قد يجدُ هذا غريبا مثلَ تشبيهِ هذه الأمورِ بالجميلةِ، ولكنْ أليسَ هذا جمالاً؟

قبلَ ثلاثةَ عشرَ عاماً كنتُ أبحثُ عن الداعمين وهذه التجربةِ، ولم أكنْ أعثرُ عليها، والآنَ أقفُ جنبا إلى جنبٍ مع الداعمين والفتياتِ اللاتي مروا بتجارب مؤلمة ، ويُمكنُني التحدثُ علناً ضدَّ آلةِ الاستغلالِ هذهِ ألا وهي الموادُّ الإباحيَّةُ.

نحنُ نتكلَّمُ علناً ضدَّ ذلك، ليسَ لأنَّنا شعبٌ لديه مشكلةٌ مع الجنسِ، فليسَ لديَّ أيَّةُ مشكلةٍ مع الجنسِ، ونحنُ نتكلَّمُ ضدَّ ذلك؛

إننا تعرَّضْنا للاستهلاك والتحطيمِ من قِبَلِ الإباحيَّةِ، ونحنُ نعرفُ أنَّ هنالك آخرين، ونريدُ أن نفعلَ كلَّ ما بوسعنا لمنعِ تضرُّرِ أناسٍ آخرين.

وهذا -أكثرُ من أيِّ شيءٍ آخرَ- هو السببُ الذي جعلني أقاتلُ، هذا هو السببُ الذي جعلني أُكافحُ تلك الموادِّ الإباحيَّةِ، لماذا أُقاتلُ العارَ؟ لماذا أقاتلُ الصمتَ في الكنيسةِ؟ لماذا أحاربُ من أجلِ النساءِ؟ لماذا أقاتلُ من أجلِ الحريَّةِ؟ أقاتلُ لأنَّني أتمنَّى أن يكونَ هناك أحدُهم يُقاتلُ من أجلي.

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د.محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ.محمد حسونه
  • تاريخ النشر: 21 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 709
  • عدد المهتمين: 126
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك