دماغك يجعلك شخصاً مختلفاً كل ّ يوم

تعتبر مرونة الدماغ Brain plasticity أحد أهم الاكتشافات في العلم الحديث، لكن عالم الأعصاب ديفيد إيجلمان يعتقد أن الكلمة خادعة، فعلى عكس البلاستيك الذي يتشكل ثم يحتفظ بشكل معين، فإن طبيعة الدماغ الفيزيائية في تغير مستمر.
A+ A-

تعتبر مرونة الدماغ أحد أهم الاكتشافات في العلم الحديث، لكن عالم الأعصاب ديفيد إيجلمان يعتقد أن الكلمة خادعة، فعلى عكس البلاستيك الذي يتشكل ثم يحتفظ بشكل معين، فإن طبيعة الدماغ الفيزيائية في تغير مستمر. لم يستطع إيجلمان تجنب استخدام الكلمة ويقول: "تستخدم الأدبيات كلها هذه الكلمة، لذلك استخدمها بتحفظ."  كما يستبعد إيجلمان تشابه الحاسوب مع الدماغ. ولقد صاغ مصطلح "وصلات تنبض بالحياة" أو " live wired"، وهو عنوان كتابه الجديد، للإشارة إلى أن فيزياء المخ والعقل المفكر لا ينفصلان عمليا.

إيجلمان رجل ذو طاقة مذهلة، وهو أستاذ مساعد في جامعة ستانفورد، وكان أيضًا روائيًّا ومضيفًا تلفزيونيًّا لبرنامج The Brain ، العقل، على قناة PBS وهو الآن الرئيس التنفيذي لشركة Silicon Valley company Neo Sensory، التي تعمل على تطوير أجزاء ترسل تيارات وإشارات إلى الدماغ؛ ليتمكن الناس من السماع والرؤية بجلودهم.

لقد تحدثت مع إيجلمان حول التنافس بين الخلايا العصبية، وعما إذا كان ممكنا لنا أن نحظى بتجارب حسية جديدة تماما، ولماذا يعتقد أن "الإنسان هو عقله."

إنك تقول: إننا بدأنا للتو في فهم مدى مرونة أدمغتنا، فهل يتم تجديد الوصلات العصبية كل يوم؟

أجاب العالم إيجلمان على هذا السؤال قائلا: “يعيد عقلك تنظيم نفسه في كل لحظة من حياتك. يمتلك الإنسان مليار خلية عصبية، وكسر من كوادريليون اتصال فيما بينها. تعمل موجات الاتصالات الضخمة على تغيير قوتها دوما، فتفك اتصالاتها فيما بينها، وتعيد الاشتباك بأماكن أخرى، وهذا "هو سبب كونك مختلفا قليلا عما كنت عليه قبل أسبوع أو قبل عام. عندما تعلم أن اسمي ديفيد، يحدث تغير في بنية الدماغ، وهذا ما يعنيه تذكر شيء ما."

ولكن هل هذه مجرد تغييرات طفيفة أم أن هناك تغييرات معتبرة تحدث على مدار الأسبوع؟

يجيب إيجلمان: "كلاهما معا. فخلال هذه الفترة -يعني فترة انتشار فيروس كورونا- تحدث الكثير من التغييرات لدى الجميع. وفجأة نجد أنفسنا مضطرين للتخلي عن الروتين ولإعادة التفكير في الأشياء بطريقة إبداعية. يبني الدماغ نموذجًا داخليًّا للعالم؛ حتى يتمكن من التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، ولكن فجأة أصبحت توقعاتنا بلا فائدة. أملنا الوحيد في هذه الفترة هي أن نحظى بليونة حقيقية للدماغ. بالنسبة لأولئك الذين لم يصابوا بالمرض، فهذه استفادة عقلية من فيروس كورونا. علينا أن نتحدى أنفسنا بالتجديد، الذي هو أهم شيء للدماغ.

هناك دراسة كانت تُجرى لعقود على راهبات عشن طوال حياتهن في الأديرة، ووافقنَ على التبرع بأدمغتهنَّ عند الوفاة. وعند تشريح الجثة، اكتشف الباحثون أن بعض هؤلاء الراهبات كن مصابات بمرض الزهايمر، ولكن هذا لم يُعرف خلال حياتهن، وذلك بسبب أنهن كن يتحدين أنفسهن باستمرار.  كان لديهم مسؤوليات وأعمال روتينية، وتعاملن مع بعضهن البعض طوال الوقت، وواحدة من أكثر التحديات الجيدة للدماغ هي الأشخاص الآخرون. لهذا، وحتى وفاتهن، كن نشيطات إدراكيا، على الرغم من أن أدمغتهم كان تتآكل بسبب المرض، كن يبنين مسارات جديدة في الدماغ دائما."

أنت تكتب عن معارك مستمرة داخل الدماغ بين مجموعات مختلفة من الخلايا العصبية، والتي تتقاتل جميعها لتتحكم في أماكن معينة من الدماغ؟

"هناك منافسة على جميع المستويات، حتى الخلايا العصبية الفردية. لو تجولت في غابة فستبدو هادئة وجميلة، حيث تتنافس جميع الأشجار والشجيرات على ضوء الشمس، لذلك تنمو بعض الشجيرات قصيرة، بينما تنمو بعض الأشجار طويلا وتنشر أوراقها للحصول على أشعة الشمس، وهذا بالضبط ما يحدث مع الخلايا العصبية. عند النقل العصبي بين الخلايا، أي عندما تبث بعض الخلايا العصبية المواد الكيميائية، والتي ترسل إشارات إلى الخلايا الأخرى، فإن هذا يأتي بعد قتال بين الخلايا. لو أدركنا هذا فإنه يفسر الكثير. ففي أي وقت لا يُستخدم أي جزء دماغي لفترة، يتم الاستيلاء عليه سريعا لصالح أجزاء أخرى من الدماغ.

ولإعطاء مثال على المنافسة التي تحدث عادة في الدماغ، ذكر إيجلمان المنطقة الخلفية من الدماغ، والتي نفكر دائما بأنها مسؤولة عن الرؤية، وبأنها القشرة البصرية، ولكن إذا أصبت بالعمى، أو حتى إذا عصبت عينيك ووُضعت تحت ماسح ضوئي لبعض الوقت، ستلاحظ أن هذه المنطقة تم استغلالها من مناطق أخرى كاللمس والشم. هذه المنطقة يتم استخدامها لوظائف مختلفة تماما بالنسبة لمن وُلد أعمى، كالسمع واللمس وحفظ المفردات وما إلى ذلك. لذلك علينا تغيير مفهومنا عن المناطق وتسميتها، وأن لا نختَص بعض المناطق بوظائف معينة، كقولنا: " هذا الجزء مسؤول عن الإبصار."

إذن، هل يقوم الدماغ بتجميع البيانات وتنظيمها بعد ذلك؟

يجيب إيجلمان على هذا السؤال بأن سحر الدماغ يكمن في كونه لا يهتم بمصدر البيانات؛ لأن كل شيء يتم تمثيله في الدماغ على هيئة إشارات أو طفرات كهروكيميائية تدور حوله، وتنفجر كل خلية عصبية ما بين العشر لمائة مرة في الثانية. لا يعرف الدماغ إذا ما كانت الإشارات تأتي من هذه الفوتونات، أو من موجات ضغط الهواء القادمة من الأذنين، أو مزيج الجزئيات التي يدخل عن طريق الأنف أو الفم. كل ما يهتم له الدماغ هو معالجة هذه الفوتونات وتحويلها إلى إشارات لإرسالها إلى العضلات على هيئة أوامر.

لدى إيجلمان أفكار وتخمينات حول سبب رؤيتنا للأحلام. فهو يرى أننا نحلم لنحمي خيالنا البصري، ولكن هل يعني هذا أننا قد نفقد قدرتنا على الإبصار إن لم نحلم؟

"بالضبط" هذا ما يقوله إيجلمان، ويوضح: " منذ سنوات مضت، عملت أنا وأحد تلامذتي على نموذج يوضح أن الهدف من الأحلام هو حماية القشرة البصرية كل ليلة، حيث تنفجر خلية عصبية كل تسعين دقيقة تقريبا لضرب النشاط في القشرة البصرية. وهذا نشاط دفاعي عشوائي إلى حد كبير، ولكنه يعطي رسالة واضحة " هذا وقت الليل، وأنت نائم، علينا إبقاء هذا المكان نشطا؛ حتى لا يتم الاستيلاء عليه من قبل الأجزاء المجاورة."

قد تبدو هذه كرؤية غير رومانسية أبدًا للأحلام، فبدلا من اعتبارها نافذة للعقل اللاوعي أو للروح، من الواضح أنها تبقى القشرة البصرية نشطة ليس إلا.

لا يسعى إيجلمان إلا للحقيقة، فبعد دراسة ما يقرب من 25 نوعا من الثدييات الرئيسية في التصنيف العلمي للمملكة الحيوانية، والتركيز على مدى مرونة أدمغتهم ومقدار نوم حركة العين السريعة الذي يحصلون عليه ليلا، فهناك علاقة قوية بينهما، فما وجد هو أنه كلما زادت مرونة الدماغ، زاد مقدار نوم حركة العين السريعة الذي تحتاجه، وهذا النوع من النوم هو ما يحصل عليه الأطفال الرضع أكثر من غيرهم؛ لأنهم يمتلكون أدمغة مرنة حقا، وتحتاج إلى هذا فعلا للدفاع عن القشرة البصرية.

ماذا لو كان هناك كوكب آخر لا يدور حول نفسه يوميا، أي أنه لا يكون مظلما لنصف اليوم، ألن يرى سكانه أحلامًا؟

نحن -الحالمين- نادرون حقا، لأننا كنا نعيش على كوكب منير أو مظلم دوما، فما كنا اهتممنا بهذا الموضوع. ولو كنا نعيش على كوكب يدور حول نفسه سريعا كل 90 دقيقة، ما كنا لنحلم.

هناك قصص رائعة لأشخاص فقدوا نصف دماغهم، إما لأنهم ولدوا بدونه أو تم استئصاله جراحيًّا، ومع ذلك غالباً ما يكون لديهم حياة طبيعية. كيف يعقل ذلك؟

يجيب إيجلمان عن هذا التساؤل بأنه: “ما دام هذا الاستئصال قد حدث في سن صغير (قبل السابعة على سبيل المثال) فالطفل سيكون بخير. لقد تحدثت مع بالغين كُثر خضعوا لعمليات استئصال نصف الكرة المخية في سن مبكر، ولم تكن حتى لتلاحظ هذا، إلا أنهم ربما يكون لديهم عرج خفيف في الجانب الآخر من الجسم حيث تم الاستئصال.  لكن من الناحية العقلية، فهم بخير. ما يعنيه هذا أنه ربما تفقد نصف مخك، ولكن سيكون الدماغ قادرا على أداء مهماته بشكل طبيعي.

وحتى في عالم الحيوان هناك أمثلة على مرونة الدماغ، فعلى سبيل المثال، كان قد وُلد كلبٌ بدون أرجل أمامية، إلا أنه تعلم المشي على أقدامه الخلفية.

يعقب العالم على هذه الحادثة بأنه ويا للروعة، لقد تمكن الكلب من ذلك؛ لأنه كان مضطرا للوصول إلى الطعام أو إلى والدته. وهذا يعلمنا أن أدمغة الكلاب ليست مرتبطة وراثيا بأجساد الكلاب فقط، بل يمكنها إدارة أي جسد. عند النظر لعالم الحيوان، تجد تنوعا لا يصدق في الأجسام، وطول العظام، والعضلات، والأجنحة، والمخالب، والحناجر. ليس لزاما أن يكون لكل جسد عقلا خاصا به، ولكن التغير يكمن في الجينات. فلو أجريت أي تعديل على الجينات، ستحصل على أجساد مختلفة بالمقابل.

لقد أثار سؤالا ما اهتمام العالم إيجلمان لفترة طويلة، وهو كيف يتمكن الجسم من تعويض حاسة ما، وعما إذا ما كنا قادرين على إحداث حواس جديدة للبشر. هل يمكننا تغذية طريقة تدفق بيانات معينة عندما يحصل المخ على معلومات مفيدة؟

هذا هو ما يسمى بالتبديل الحسي. بدأ إيجلمان استخدامه مع أشخاص صم في معمله.  حيث صمموا سترة مغطاة بمحركات اهتزازية، تشبه نوعًا ما الجرس الموجود على هاتفك الخلوي. تلتقط السترة الصوت وتحوله إلى أنماط اهتزازية. تتراوح المحركات من التردد المنخفض إلى العالي، وهذا كما يتم ترتيبهم في أذنك الداخلية، كما لو تم نقل الأذن الداخلية إلى الجلد.   اتضح أن الأشخاص الصم يمكنهم فهم ما يحدث في العالم السمعي من خلال الحصول على المعلومات فقط، من خلال أنماط الاهتزاز على بشرتهم. أنت لا تستخدم بشرتك في الكثير من الأشياء، ولكن هذه المواد الحاسوبية المذهلة يمكنها تمرير الكثير من البيانات من خلالها.

لماذا يعتبر الجلد جيدا جدا في الحوسبة؟

إيجلمان: " هذا لكونه حساس جدا لأي شيء، كهبوط ذبابة عليك أو وجود شيء ما يزحف على جسدك، ويتمتع بنطاق ترددي جيد جدًّا حيث يمكنك تمرير الكثير من البيانات إليه. يعمل الجميع على إيجاد طريقة لتمرير المزيد من المعلومات إلى عيون الأشخاص من خلال ارتداء، على سبيل المثال، نظارات مزودة بشاشة عرض للرأس، أو من خلال ارتداء سماعة أذن لتمرير معلومات إضافية، لكنك تحتاج عينيك وأذنيك لأشياء أخرى، بينما الجلد متاح تماما.  من ناحية فإن هذا الجهاز سيكون مفيدا لشخص أصم، ولكن سيكون هناك احتمالات أخرى لتطوير خبراتنا الحسية. حتى لو كانت حواسنا جيدة، فقد تكون أفضل أو حتى مختلفة تماما.

الشيء الآخر المثير للاهتمام هو التوسع الحسي، فهل يمكننا توسيع نطاق ما نراه حتى مجال الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية؟

عندما رُبط إيجلمان بسوار الأشعة تحت الحمراء بواسطة أحد المهندسين، كان يمشي بين المنازل في الظلام، وقد شعر فجاة بضجيج على معصميه، وتساءل عن سبب هذا الصوت. وعندما تتبع إشارات السوار وصل مباشرة إلى كاميرا مراقبة ليلية، محاطة بمؤشر LED، والذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء. في العادة يكون هذا غير مرئي تمامًا بالنسبة لنا، ولكن قد يمكنك المشي بجوار سيارة، وستعرف أنها أُوقفت للتو؛ لأن المحرك ساخن. ستحصل على كل معلومات درجة الحرارة هذه من العالم، وهو شيء جديد يمكننا الاستفادة منه بشكل كبير.

ولكن ماذا لو أحدثنا حواس جديدة تماما؟ ماذا لو كان بإمكانك معرفة ما يحدث لسوق الأوراق المالية مباشرة، أو أخبار تويتر، أو الطائرة بدون طيار التي تستقلها، فتشعر بالانحدار، والانحراف، والتوجه، وكل ذلك على بشرتك؟ كما لو كنت قد غطيت الطائرة ببشرتك. هناك العديد من التجارب الجارية الآن للنظر إلى ما سيحدث إذا كان لديك أحاسيس جديدة تمامًا. فهل يمكن لعقولنا الحصول على تجارب حسية جديدة فعلا؟

هل تعتقد أننا سنكون قادرين على رسم خريطة للخلايا العصبية في دماغ أحدهم والتي نعرف منها صفاته وسماته الشخصية؟

يجيب العالم إيجلمان قائلاً: "إن هذا ممكن، ولكنه لن يحدث في حياتنا. نظريا، يتم تخزين كل ما تمر به في خلايا عقلك. وليست فقط الروابط بين الخلايا وقوتها، بل وحتى داخل الخلايا نفسها.  التوزيع الدقيق للمسارات، التسلسلات الكيميائية الحيوية الدقيقة، وصولاً إلى نواة الخلية التي يتم التعبير عن الجينات فيها، كل هذه الأشياء تمثل تاريخك في العالم. من الناحية النظرية، ربما في غضون ثلاثمائة عام، سيمكننا قراءة دماغ شخص ما.

هناك رد فعل عنيف على هذه الفكرة القائلة بأن كل شيء في العقل يمكن اختزاله في علم الدماغ.  أطلق بعض الناس على هذا "هوس الأعصاب" أو حتى "القمامة العصبية ".  ما رأيك في هذا النقد؟

إيجلمان: "هذا النقد لا أساس له من الصحة. نعم هناك بعض التجارب السيئة متعلقة بعلم الأعصاب، فقد تجد أحدهم يقوم بدراسة تصويرية مثلا، ثم يرى ثلاث نقاط مضيئة هنا أو هناك فيقول "لقد وجدنا الأساس العصبي لشيء ما، فليكن الكرم والامتنان"، وهذا ليس جيدا على الإطلاق. نعم يوجد الكثير من المبالغات العلمية الخاطئة، ولكن ليس هناك أي شك في أن ما يشكل الإنسان هو عقله، وبأن كل شيء يحدث في حياتك: تاريخك، من تكون، ما شاهدته، كل هذا يتم تخزينه في دماغك.

لدينا على سبيل المثال الأشخاص مصابو الباركنسون الذين تحولوا إلى مدمني قمار، وقد تطلب الأمر بعض الأطباء الأذكياء ليدركوا أن السبب هو الدواء الذي كانوا يتناولونه. رفع هذا الدواء مستويات الدوبامين لديهم، مما ساعد في حل المشكلات الحركية، لكنه أيضًا حولهم إلى مدمني قمار. التغير في الناقلات العصبية في دماغك يغير من تصرفاتك ومن مشاعرك تجاه المخاطرة لذلك هم لم يختاروا أن يكونوا مدمنين، ولكنك تتغير عندما يتغير دماغك.

قد يجعل هذا المبدأ الكثير من تلك الأسئلة الفلسفية القديمة لا معنى لها تماما - مثل الإرادة الحرة، أو أصول التجربة الروحية، أو طبيعة الذات. إنها مجرد مجموعة من الخلايا العصبية التي تعمل في الدماغ!

إيجلمان: "أعتقد أن هناك طريقًا وسطيًّا يمكننا من خلاله فهم هذا المبدأ، دون القول: إنها مجرد مجموعة من الخلايا العصبية. إن كل خلية دماغية بالغة التعقيد، وتحتوي على الجينوم البشري بأكمله. ويتم نقل ملايين البروتينات في مجموعات كيميائية حيوية معقدة للغاية. فكل خلية عصبية في رأسك معقدة إلى حد كبير، ولديك ست وثمانون مليار منها. لذلك عندما نقول: إن الإنسان مجرد مجموعة من الخلايا العصبية، فإننا نتجاهل كل هذه الروعة.  في الحقيقة، هناك عالم كامل من الحياة بداخلك.

هل يمكننا اختزال كل التجارب الذاتية في وظائف الدماغ؟

أكد إيجلمان صحة هذا الاعتقاد وأضاف: "إذا تعاطيت المخدرات فستحظى بتجارب مختلفة تماما. كذلك يمكن أن يصاب الإنسان بالهلوسة بسبب تلف في الدماغ.  تتعلق كل هذه الأمور بالدماغ، ولكن ليس لدى العلماء أي نظريات معتبرة حول التجارب الواعية، فهل يتعلق الأمر بالروائح، أو بما يشاهده الإنسان ويستمتع به.

ينشأ الوعي غالبا من الدماغ، ولكن هناك احتمالات أخرى. لقد ذكر الكاتب إيجلمان هذا في كتابه " Incognito” أو " المتستر."  تخيل أنك الشهير كالاهاري بوشمان، الذي عثر على جهاز راديو في الرمال، ولم تكن قد رأيت شيئا مماثلا مسبقا. ستلاحظ أنك كلما حركت الأزرار سمعت صوتا ما، وإذا قمت بفك مساميره من الخلف، ستلاحظ أن الأصوات تتشوش، وكذلك عندما تحرك أسلاكه.  ولأنك شخص يصب اهتمامه على الراديو، فربما تستنتج أن الأسلاك بترتيب معين تتسبب بشكل ما في خروج الأصوات، ولكنك لن تدرك أن هناك مُدنًا بعيدة بها أبراج راديو، فليس لديك طريقة للمس أو الشعور أو حتى الشك في وجود الأشعة الكهرومغناطيسية، بينما هذا هو المكان الذي تأتي منه الأصوات بالفعل. لذلك ربما ليس كل شيء ينشأ من الدماغ، وربما يأتي الوعي من أماكن أخرى.  يرى إيجلمان أن هذا الاحتمال ينبغي أخذه على نحو الاعتبار.

سؤال غامض ما زال يشغل عقل الكاتب إيجلمان وهي مسألة الوعي، ولماذا نشعر أحيانا بأن شيئا ما حيا. يمكننا صناعة وتطوير آلات متطورة للغاية، ولكن لا أحد منا لديه شك بأن حاسوبه لديه خبرات حسية حية، إلا أننا نشعر بذلك.  وهذا هو ما يعنيه أن تكون إنسانا. ليس لدينا نظرية جيدة حول هذا الموضوع، ونحن حتى لا نعرف كيف يجب أن تكون هذه النظرية الجيدة.

  • اسم الكاتب: STEVE PAULSON
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • مراجعة: محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 21 يناير 2022
  • عدد المشاهدات: 632
  • عدد المهتمين: 136

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك