الشخصيّة الحسّاسة شخصيّة قويّة

إنّ الحساسيّة ليست مرضًا نفسيًّا أو شخصيّة مرضيّة، بل هي شخصيّة طبيعيّة. يقول د. أسامة الجامع في كتابه «الحياة مشاعر»: «أوّل شيء ينبغي أن يعرفه صاحب الشّخصيّة الحسّاسة أن شخصيّته نوع من أنواع الشّخصيّة الطبيعيّة، ففكرة أنّه غير طبيعيّ غير صحيحة.»
A+ A-

شخصيّتي الحسّاسة تُصعّب عليّ حياتي فكيف أتخلّص منها؟

في الحقيقة الشخصيّة الحسّاسة ليست عيبًا يتطلّب الإصلاح، كما أنّها ليست قابلة للتّغيير، وقبل أن نشرح ذلك باستفاضة، دعنا نفهم ما الشّخصية الحسّاسة أولًا.

الشّخصيّة الحسّاسة شخصيّة طبيعيّة

إنّ الحساسيّة ليست مرضًا نفسيًّا أو شخصيّة مرضيّة، بل هي شخصيّة طبيعيّة. يقول د. أسامة الجامع في كتابه «الحياة مشاعر»: «أوّل شيء ينبغي أن يعرفه صاحب الشّخصيّة الحسّاسة أن شخصيّته نوع من أنواع الشّخصيّة الطبيعيّة، ففكرة أنّه غير طبيعيّ غير صحيحة.» فهي سمة وليست اضطرابًا، ولكن إن مرّ مرهف الحسّ بتجارب نفسيّة قاسية، قد يمرض مثله مثل غيره، وإن عاش في بيئة متّزنة نفسيًّا ومتفهّمة لسمته، ربّما كان أكثر صحّةً وسواءً نفسيًّا من الشّخص الذي لا يمتلك هذه السّمة، فالحسّاس عنده من المميّزات ما لا تجدها عند ٨٠٪ من النّاس. إذًا، فكرة أن سمات هذه الشّخصيّة مشكلة ويجب حلّها أو مرض يجب علاجه خطأ.

ويعرّف سولو وقرانمان الحساسيّة في كتابهما «sensitive» الذي نُشر حديثًا هذا العام فيقولان أنّها: «القدرة على الإدراك والمعالجة والاستجابة العميقة للبيئة المحيطة» أي أنّ مرهف الحسّ يمتلك صفة تمكّنه من إدراك ما يحيط به بصورة أكبر من غيره، وأنّه «لو كنت شخصًا حسّاسًا، كلّ شيء يؤثّر بك أكثر، لكنّك تستفيد منه أكثر.» هذا يعني أن السّمة هذه إيجابيّة وفي صالحِ صاحبها. وتطلق د. إلين هارون رائدة أبحاث الشّخصيّة الحسّاسة على صاحب هذه السّمة (الشّخص عالي الحساسيّة\The Highly Sensitive Person) أي أنّه يتميّز بحسٍّ وإدراكٍ عالٍ للمثيرات في بيئته، بينما ذهب سولو وقرانمان إلى نقد كلمة «حسّاس» بعينها وارتباطها بوصمة عار وصَمَها المجتمع على هذه الشّخصيّة، واقترحا استبدالها بكلمة «مُتجاوِب\Responsive»، إذ من صفات الشّخصيّة الحسّاسة الأساسية سرعة أو شدّة التّجاوب مع البيئة المحيطة. كما نُقل المصطلح الذي اختارته د. هارون للعربية إلى (الشّخص مفرط الحساسيّة)، بينما أسمى  د. يوسف الجهني هذه الشّخصيّة بـ (الشخصيّة الرّاقية الحسّاسة)، وبين تظليلات المصطلح الأول السلبيّة وتظليلات الآخر الإيجابيّة، سنفضّل تسمية الشّخصيّة في مقالنا هذا بـ (الشّخصيّة مرهفة الحسّ) إذ هو أقرب مصطلح يصفها بدقّة وحياديّة تامّة.

وتميّز د. إلين مرهفي الحسّ بأربع سمات، واختصرتها في أربعة حروف (DOES):

- Depth of Processing التّحليل العميق: أي أنّهم يفكّرون مليًّا  قبل الشّروع في أيّ فعل أو قول، ويحلّلون كلّ شيء حولهم أكثر من غيرهم، سواءً أكان هذا بوعيٍ منهم أو بغير وعي. هذا يعني أنّ مرهف الحسّ ليس بطيئًا أو يمتلك قدرات ذهنيّة منخفضة، هو فقط يميل لتحليل الأمور بدرجة أعمق وأشمل.

- Overstimulation الاستثارة العالية: مرهف الحسّ يدرك محيطه أكثر، وينتبه للأصوات والأضواء وما يشعر به النّاس، لذا يصبح أكثر عُرضة لأن يُستثار ويتأثّر بها بسهولة.

Emotions & Empathy المشاعر والتّعاطف: أجمل ما في هذه الشخصيّة هو التّعاطف أو المشاركة الوجدانيّة، كما تتّسم باستجابات عاطفيّة قويّة أكثر من غيرها.

- Sensitivity to Subtleties الانتباه للتّفاصيل: التّفاصيل الدّقيقة التي تفوت على الكثير مثل تغيير طفيف في درجة التّكييف أو رائحة خفيفة لا تفوت على مرهف الحسّ.

الشخصيّة الحسّاسة شخصيّة قويّة

يقول النّبي ﷺ: «يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوامٌ، أفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أفْئِدَةِ الطَّيْر» فقد شبّهها بالطّير في خفّتها ورهافتها وورقّتها ولينها، وذلك غاية في المدح، ويقول عليه أتمّ الصّلاة والتّسليم: «حَرُم على النارِ كلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناسِ.» والحقيقة أنّ هذه السّمة اتّسم بها كثير من العظماء من العرب والغرب الذين غيّروا عالمنا، وأعظمهم رسولنا محمد ﷺ الذي بُعث رحمة للعالمين، الذي كان يمسح رأس اليتيم ويُحزنه حال قومه، وفاضت عيناه دمعًا عندما رأى سعد بن عبادة قد أنهك جسده المرض، وكثير من صحابته رضوان الله عليهم لهم آثار عدّة تبيّن رقّة قلوبهم، فتلك السّمة هي سمة المسلمين، يقول النبي ﷺ:  «تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى»، ويقول: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخيرَ كُلَّه» فتلك الصفة من صفات الكمال، والله تعالى رفيق يحبّ الرفق كما ورد في الحديث، وأن الأجر والمثوبة فيه كما ذُكر في شرح الحديث: «أعظَمُ مِن أيِّ صِفةٍ أُخرى مِن الصِّفاتِ الحَميدةِ؛ وذلكَ لأنَّ الرِّفقَ يَأتي مَعه ما لا يَأْتي معَ غيرِه»، فالإسلام قد مدح كل قلب ليّن، وذمّ كل قلب قاسٍ، وحُقّ للقلب الرّقيق أن يُمدَح، كيف لا وهذا القلب الأقرب لله، والأكثر حياةً وخشيةً منه سبحانه؟ والآثار في تحميد الرّحمة والّلين وذمّ القلب القاسي كثيرة ولا يسع المجال لذكرها هنا. ومن العباقرة والفنّانين والقادة المُلهمين الذين عرفهم العالم بأسره ممّن امتلكوا هذه الشّخصيّة ممّن ذكرتهم د. إلاين دانيالز: آينشتاين، فان جوخ، موزارت، إلينور روزفلت، إبراهام لينكولن، إيميلي ديكنسون، وغيرهم كثير.

يقول سولو وقرانمان: «يُخيّل للكثير أن مرهفي الحسّ تالفين منذ طفولتهم، إذ يرغب مربّوهم في إصلاحهم أو جعلهم (أخشن)، ومثلهم الزّملاء والأصدقاء، وحتّى أزواجهم لاحقًا في حياتهم، وكلّ هذا الجهد بلا علم وبلا فائدة، ليس لأنّ الحساسيّة قوّة وحسب، بل ببساطة: محاولة الإصلاح هذه لن تفيد في شيء»، وبيلسكي، واحد من العلماء الذين درسوا مرهفي الحسّ وأثبتوا مرونتها النفسيّة وقدرتها على تخطّي المصاعب تخطّيًا مثيرًا للإعجاب مقارنة بغيرها، اجتمع ذات يوم مع زملائه، وكلّ منهم ينطق بثمان لغات مختلفة، وطلب منهم أن يفكّروا بوصف مناسب لصاحب الشّخصيّة، فكان الوصف الذي اتّفقوا عليه باختلاف الّلغات: «محظوظ»!

الكمّ الكبير من سوء الفَهْم والتّصوّر المغلوط الذي يحوّط هذه الشّخصيّة يصل أحيانًا إلى درجة غير معقولة، فهم يتّهمونه بضعف الشّحصيّة والهشاشة والغباء، بل ربما التّخلف والجنون والمرض، والعمل على تغيير هذه المفاهيم عن نفسك إذا كنت ممّن وهبه الله هذه الشّخصيّة متعب جدًا، لكنّه يستحق .. عليك أن تفهم أنه لا يعيبك لين قلبك. وقد يتراءى للبعض أنّ الشّخصيّة تتّسم بها النّساء دون الرّجال، وهذا خطأ، فالرّجال يتّسمون بها أيضًا. وقد يواجه الرّجل الحسّاس موقفًا صعبًا من مجتمعه الذي لا يفهم شخصيّته، ويطالبه دومًا بأن يكون (أخشن)، لكن نقول: لا يعيب الرجل رقّة قلبه، بل هي من كماله، وكفى برسولنا ﷺ مثالًا.

ويؤلمني حين يتساءل أحدهم: هل أنا حسّاس بزيادة؟ هذا تساؤل فيه تشكيك مؤلم في النّفس .. أنت لست حساّس بزيادة أبدًا، إنّما أنت إنسان يشعُر، ولكن من النّاس من لهم قلوب لا تقشعرّ، فيستخدمون أحسن ما فيك ضدّك، ويحوّلونه إلى أفسد ما فيك، أو أنّهم يحاولون تشتيتك عن أذيّتهم لك بقولهم أنّك أنت من تتّوهم الأذى أو الإساءة أو أنّك تفكّر كثيرًا، فلا تسمع لقولهم! وكما يقول هذا الاقتباس الشهير: «صدّقني الرّقة ليست ضعفًا، وليس هنالك شيء في الوجود أقوى من قلبٍ رقيق يأبى إلّا أن يبقى عطوفًا ليّنًا، ولا يقسو أبدًا.»

فلنعد للسّؤال الذي استفتحنا به هذا المقال: كيف لا أكون شخصًا حسّاسًا؟

يجيب عن هذا السّؤال سولو وقرانمان: «كن شخصًا حسّاسًا، لأنّ كلّ تلك المفاهيم المبنّية على العار [التي تفسّر بها شخصيّتك] لا تمثّل ما تعنيه كلمة حسّاس في الحقيقة بالمرّة»، عندما تفهم أخيرًا المفهوم الصّحيح وتصبح في المكان الصّحيح، لن تشعر بأنّ شخصيّتك (خطأ)، وستتلاشى رغبتك بتغييرها.

من الممكن أنّ المجتمع حاول إقناعنا أن الشّخصيّة الحسّاسة (خطأ) لأنّه يدهشه جمالها ويخاف قوّتها، فأنا أستغرب دائمًا بعد كلّ شيء درسته وتعلّمته عن رهافة الحسّ وجمالها كيف تحوّلت النّظرة عنها لهذا الشّكل، كلّ هذا الجمال والحبّ وغنى النّفس والرُّقيّ والنُّبل والبذل شوّهوه حتى ظنّنا أنه مرض وهو طبيعة! ولكن لا عجب، فنحن نعيشُ في عالم لا يفرّق بين القوّة والقسوة، ويحسب أنّ الأخرى تماثل الأولى .. وطالما كانت اللُّغة السّبب في تطبيع الخطأ وتخطيء الطّبيعيّ، فلا عجب أن ساووا بين العطف والضّعف، واللّباقة والحماقة! يقول د. خالد روشه: «إنّ القضيّة مبادئيّة من الأساس،  فمجتمعاتنا التي بدأت تتخلّى عن مبادئها وقيمها هي التي سمحت بهذا أن ينمو بين جنباتها، وهي التي غذّت تلك الرّوح السلبيّة، وهي التي أغفلت صرخات المكلومين، فصار النّاس يرون أصحاب القلوب الرّقيقة غير قادرين على الإنجاز والنّجاح لبذلهم وعطائهم وحملهم هموم غيرهم في حين يرون الجامدين القساة في مقامات النّجاح.»

هل من المنطقيّ أن أعتبر السّمكة ضعيفة لأنّها لا تطير؟ أو أقول أنّ الزّواحف ضعيفة لأنّها لا تمشي؟ إن كانت إجابتك «لا، هذا غير منطقيّ»، فلمَ قلت ذلك؟ ستقول لي على الأرجح: «لأنّ الله خلقها هكذا»، وأنا أقول لك لا تقل أن شخصيّتك ضعيفة لأنّ الله خلقك هكذا أيضًا! فجيناتك مسؤولة عن تشكيل حساسيّتك بنسبة ٤٧٪ تقريبًا، والـ ٥٣٪ المتبقيّة تتشكّل ممّا يسمّيه العلماء بالمؤثّرات المحيطة، ويدخل بالمؤثّرات المحيطة عائلتك وأصدقائك والنّاس عامّة. ومن الغريب أنّ المجتمع قد يتسبّب في زيادة حساسيّة الشّخص إذا استخدمها للسّخرية والتّلاعب فيه، ثمّ يستخدمونها ضدّه!

إذًا السّؤال الذي ينبغي أن تسأله ليس «كيف أغيّر شخصيّتي؟»، بل «كيف أتقبّلها؟»

كيف تتقبّل شخصيّتك الحسّاسة

15-30% من النّاس يمتلكون شخصيّة عالية الحساسيّة، هذا يعني أنّ حواليّ ثلث المجتمع مثلك، ولكنّهم ربّما يخفونها تحت رداء شخصيّة أخرى. و70% من مرهفي الحسّ انطوائيون، يقول عبد الله النّعيمي في كتابه الكوميدينو: «في معظم المجتمعات البشريّة يُنظر للإنسان الحسّاس على أنه كائن انطوائيّ، غير قادر على التّواصل الفعّال مع محيطه، ويُعتقد أنّ التّعامل معه صعب ومحفوف بالاحتمالات الخطرة، ولكنّ الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا.»

عليك أن تعلم أن تعاطفك ومراعاتك لمشاعر الآخرين أجمل ما تتّصف به، ولكن عليك ألّا تظلم نفسك بعدم التّعبير عنها وعن عواطفها واحتياجاتها، واعلم أن احتياجاتك مهمّة بالضبط كما احتياجات غيرك مهمّة، وعامل نفسك بإحسان ولطف، بالضّبط كما تُعامل غيرك، فنفسك  بذلك أحقّ. وتعلّم فصل عواطفك عن عواطف غيرك، اسأل نفسك «هل ما أشعر به شعوري أم شعور شخص آخر تعاطفتُ معه؟» ثمّ إن تبيّن لك أنّه شعور شخص آخر، خذ نفسًا طويلًا وأرجعه لصاحبه. ربّما تكره شخصيّتك الآن، ولكن ربّما كلّ ما حصل هو عدم تقبُّلك لنفسك كما هي، وإهمالها كثيرًا على حساب رعاية الآخرين حتّى وصلت لدرجة عالية مستمرّة من (الاحتراق العاطفيّ). لا تعتذر لأنّك تحتاج وقتًا لترتاح، ولا تعتذر عند قولك «لا»، ولا تعتذر لأنّك تحتاج وقتًا لنفسك، أو لأنّك بكيت، أو لأنّك تشعر بعمق، لا تعتذر عن كونك أنت!

كونك رقيق القلب، هذا يعني أنّ تجاربك مختلفة عن غيرك، حتّى والديك وإخوانك وأقرب أصدقاءك، و من الضّروري أن تفهم هذا وتتقّّبله، وألّا تُكذّب أو تتجاهل مشاعرك وأفكارك فقط لأنّ معظم النّاس حولك لا يشعرون أو يفكّرون كما تفكر، تذكّر أنّ الجميع لا يملك نقاط قوّتك هذه. وتعامل مع النّاس الذين يؤذونك ولا يقدّرون شخصيّتك ولا يفهمونها بـ «الانفصال الوُدّي»: إيّاك ومحاولة تغييرهم، فقط اتركهم كما هم ودعهم يتولّون عواقب اختياراتهم وقراراتهم ومشكلاتهم، وحاول الاستجابة بطريقة مختلفة عندما تتحدّث معهم، فمثلًا إن قالوا لك: «متى تكبُر أيّها الطّفل الباكي»، اضحك هذه المرّة، ولا تُشخصن التّعليق، ولا تدخل معهم في ذات الجدالات المتكرّرة، أو حاول فصل نفسك عنها، وقل «لا» أكثر لدعوات الخروج أو الجلوس معهم، واسمح لنفسك بالهرب من أيّ موقف يسببّ لك التوتّر أو الضّغط النّفسيّ معهم، فذلك من عنايتك بنفسك.

يمرّ مرهف الحسّ عادة بالاستثارة الحسّيّة العالية «Overstimulation». عندما تشعر بالقلق والتّشتت والانزعاج، أو رغبة في إغلاق عينيك أو سدّ أذنيك، أو صداع أو ألم في البطن أو شدّ في العضلات، فهذا يعني أنّك على وشك الدّخول في حالة من الاستثارة العالية، عندما تشعر بأيّ من ذلك، اعتزل ما يؤذيك مباشرة، وخذ استراحة، وتنفّس بعمق، احضن نفسك حضن الفراشة، استلقِ على الأرض، أو اضغط بظهرك على الجدار، ضع يدك على قلبك وخاطبه، أو انقر نقرًا خفيفًا بأناملك في المنطقة المحيطة بعظمة التَّرقوَة، غطِّ نفسك بغطاء ثقيل، لا تحرّك رأسك كثيرًا، هدّئ نفسك كما تهدّئ طفل صغير.. واكتب يوميّاتك. ليس عليك أن تفعل كلّ ذلك، شيء واحد يكفي. وتقبّل الاستثارة كونها جزء لا يتجزّأ من روعة جهازك العصبيّ وقدرته على التّحليل العميق. قل «لا» أكثر، وخصوصًا للنّاس الطّيّبين، ضع حدودك ووضّحها لمن حولك حتّى لا تصل لهذه المرحلة من الاستثارة العالية، مثل: لا للعمل لأكثر من 8 ساعات لمديرك، لا للأصوات الصّاخبة لجيرانك.

غالبًا يُتوقع من الحسّاسين المثاليّة والملائكيّة، فشخصيّاتهم المعطاءة والتّعاطفية تُوهِم من حولهم بذلك. ويحصل أن يدقّق البعض في أخطائك وزلّاتك في العمل أو المناسبات الاجتماعيّة وغيرها، ويغفل عن غيرك وهو يحصل منه نفس ما يحصل منك. تعلّم تقبّل النّقد مع تذكير نفسك بهذه الحقيقة، ثمّ صحّح ما يلزم، وتذكّر أنّك بشر.

تقول د. ليندا سيلڤرمان أنّ معظم الموهوبين شخصيّات حسّاسة، وخصوصًا ممّن يملكون معدّل ذكاء عالٍ. ويتميّز مرهف الحسّ بحدس عالٍ بسبب انتباهه للتّفاصيل، فهو يلحظ أشياء تفوت على غيره. وضعه في البيئة التي تدعمه، وستراه الطّفل الذي يتفوّق على أقرانه، والبالغ الذي يتكيّف مع الضّغط النّفسيّ وأصعب المشكلات، والأمّ والأب الذي يحسن تربية أبنائه، ومثل د. ڤيكتور فرانكل، الذي سَخِر منه من كان معه في معسكرات الاعتقال النازيّة لرقّته، لكنّه فاقهم عقلًا وعلمًا وعاطفة ونجى بالنهاية.

الشّخصيّة الحسّاسة والإدمان

لم أجد دراسةً ولا بحثًا واحدًا يربط الإدمان بهذه الشّخصيّة. وعلى العكس، هنالك تجارب حقيقيّة تقول بأنّ التّشافي أسهل على الشّخص الحسّاس إذا ما فهم نفسه وتقبّلها كما هي واستخدم مميّزاته لصالحه. من الممكن أن يؤدّي كبت مشاعرك القويّة إلى محاولة الهروب منها للإدمان، ولكن تعلّمك تقبّلها والتّعامل الصّحيح معها بتسميتها والتّعبير عنها يقيك ذلك.

الشخصيّة الحساسّة كنزٌ يجب أن يُحفَظ، فلا شيء أثمن من قلب يحبّ الخير والمسارعة إليه، ويتألّم لغيره ويخاف أن يؤذيه، وهل اشتكت الأرض إلا من القلوب المتحجّرة، وهل تدنّست مشارقها ومغاربها إلا ممّن تخلّوا عن عواطفهم وإنسانيّتهم؟

حُقّ لك أن تقبل نفسك وأن تُحبّها .. وفي المرّة القادمة التي يقول فيها أحدهم لك: «أنت حسّاس جدًا» بنبرة شتيمة، قل له: «يا قليل الإحساس» بنفس النّبرة!

مصادر للتّعلُّم عن شخصيّتك

- كتاب «الشّخص مفرط الحساسية» للدكتورة إلين هارون.

- كتاب «الهدوء» لسوزان كين.

- لقاءات د. يوسف الجهني: 1 2 3

- محاضرات أ. آمال عطية: 1 2

ودونك مصادر غنيّة باللغة الإنجليزية تجدها على هذا الرابط

  • اسم الكاتب: رنيم الزهراني
  • اسم الناشر: aya gamal
  • تاريخ النشر: 28 نوفمبر 2023
  • عدد المشاهدات: 1K
  • عدد المهتمين: 54

المصادر

  • الجامع، أسامة بن عبد الرؤوف. (2020). الحياة مشاعر. الطبعة الثانية. الرياض: دار زارت للنشر والتوزيع.
  • روشه، خالد. (2018). معاناة القلوب الرقيقة. موقع المسلم الدخول للمصدر
  • النعيمي، عبد الله. (2018). الكوميدينو: دروس في الحب والحياة. الطبعة التاسعة. دبي: مداد للنشر والتوزيع.
  • Aron, E. N. (2013). The Highly Sensitive Person: How to Thrive When The World Overwhelms You. New York: Kensington Publishing Corp.
  • Daniels, E. (2023). 20 Famous Highly Sensitive People. Retrieved from: https://drelaynedaniels.com/20-famous-highly-sensitive-people/
  • Grannman, J. Solo, A. (2023). Sensitive. First Edition. New York: Harmony Books.
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك