المراسلات الجنسيَّة

المراهقون الذين يتراسلون جنسياً، معرضون أكثر من غيرهم للانخراط في السلوكيات الجنسيَّة
A+ A-

مقدِّمة:

لتوّك ضغطت على زر الإرسال، ها هو جسدك ترتفع حرارته، وها هو وجهك يحمرّ، وها أنت ذا تترقَّب الرَّدَّ على رسالتك من مستقبِلها.

نعم. إنك تراسل أحدهم، ولكنك تمارس نوعاً آخر من المراسلات.

إنها المراسلات الإباحية أو المراسلات الجنسية.

فما هي ماهيتها؟

 وما أضرارها؟

وهل لها تأثير على دماغك، أو حالتك النفسية؟

هذا ما نحن بصدد الخوض فيه!! 

المراسلات الجنسيَّة

المراسلات الجنسيَّة أو المراسلات الإباحية* هي إرسال واستلام الصور الجنسيَّة، أو الصور والرسائل المُوحية بالجنس عن طريق الرسائل النصيَّة أو البريد الإلكتروني. والأمر ليس وليد اللحظة؛ فقد شاع مفهوم تبادُل الصور والمواد الجنسيَّة، بشكل عام بطرق شتى. كالرسم، والصور، والفيديوهات. وقد كان هذا قبل عصر الإنترنت، ووسائل التواصُل الاجتماعي؛ حيث سهَّلت الأخيرة عملية التبادل تلك عن ذي قبل. فمن خلال كبسة زر واحدة، يُمكنك على الفور إرسال صورة واحدة، للكثير من المستخدمين، وبمجرد إرسال إحدى تلك الصور، فلا يمكنك استرجاع أي منها وكأن شيئاً لم يكن.

 الإحصائيات والدراسات:

كشفت دراسة من القسم الطبي بجامعة تكساس أن المراهقين الذين يتراسلون جنسياً، معرضون أكثر من غيرهم للانخراط في السلوكيات الجنسيَّة. ومن بعض النتائج التي توصَّلت إليها الدراسة:

- صرَّح 28% من المراهقين أنهم قد أرسلوا رسالة جنسية.

- 76.2% من المراهقين الذين دُعوا إلى التراسُل الجنسيّ، أو أُغروا به، قد مارسوا الجنس بالفعل.

- طُلب من الفتيات إرسال رسالة جنسيَّة (بنسبة 68%) بوتيرة أكبر من الفتية بنسبة 42%.

- أقصى سنٍّ للمراسلات الجنسيَّة كان من 17:16 عاماً.

- تضمحلُّ المراسلات الجنسيَّة بين الأفراد، عند سنِّ الثامنة عشرة وما بعدها.

 دراسة أخرى من جامعة إنديانا في عام 2019، والتي شارك فيها أكثر من 500 بالغ، ذكر فيها 21% منهم أنهم أرسلوا رسائل جنسية، وذكر 28% أنهم استلموا رسائل جنسية، ليس ذلك وحسب، بل إن 16% من المشاركين في الدراسة قد أرسلوا صوراً جنسية فاضحة واستقبلها -الصور الفاضحة- أكثر من 23%. وبعيداً عن المعنيين بالتراسل الجنسيّ، فإن78% من الإناث و66% من الذكور قاموا بالتراسُل الجنسيّ لمغازلة شريكهم/ شريكتهم.

لماذا يقوم المراهقون بالتراسل الجنسيّ؟

- بسبب فضولهم: الجنس بطبيعته مثيرٌ للفضول، والفضول يقود إلى البحث، والاستكشاف والتجربة، وينطبق هذا على المراهقين أكثر من غيرهم. الأمر ليس بالجديد، بل إنه أمرٌ طبيعيٌ بالكلّيّة، فالمُراهق قد يكون فضولياً، حيال مظهر الآخرين وهم عراة، التعرِّي يستثير المراهق بسهولة.

- بسبب الضغط النفسيّ: قد يمثِّل ضغط الأقران سبباً آخر، لدخول المراهقين إلى عالم المراسلات الجنسيَّة. فلِمَ لا، طالما أن الجميع يفعلها؟!

فعندما يحوز جميع أصدقائك، صورًا جنسية، لبعض الفتيات، على هواتفهم بخلافك، فقد يدفعك شعورك لحظتها لتفعل مثلهم، خاصّةً إذا خوَّفوك بنبذك إن لم تفعل.

وعلى الجانب الآخر، كفتاة ترى صديقاتها يتباهين بإرسالهن صوراً جنسيةً لأصدقائهن، فقد تشعرين بالحاجة إلى فعل الشيء ذاته، خاصةً إذا شعرت أنك وحيدة والكل يفعل ذلك، فلم لا تكونين مثلهن؟ّ!

- عدم التفكير بشكل جيد: هناك جزءٌ في دماغ الإنسان يُسمَّى بقشرة الفصِّ الجبهي، وهو الجزء المسؤول عن حلِّ المشكلات، والتحكُّم بالانفعالات، وموازنة الخيارات والبدائل. ولكن ومع الأسف، فإن هذا الجزء من الدماغ ليس مكتمل النمو عند المراهقين. بل إن نضجه لا يكتمل حتى بدايات إلى منتصف العشرينيات.

 آثار المراسلات الجنسيَّة على الدماغ:

قد تظن -خطأ منك- أن تأثير المراسلات الجنسيَّة مصدرها جسدك، لكنَّ دماغك هو جهازك الجنسيّ الأكبر.

 فمثلاً، من المحفّزات الشائعة، والتي تحفّز دماغك وتستثير جسدك:

 سماع شريكك يتفوّه بألفاظ بذيئة، أو استنشاق عطره، أو رؤية صورة مثيرة. 

والرسائل الجنسيَّة لا تختلف في شيءٍ عمّا ذُكر أعلاه. فعندما تستقبل رسالة جنسية، فإن دماغك، يحاكي مختلف المواد الكيميائية العصبية، والهرمونات المعنية باللذة والمتعة كالدوبامين.

وبالنسبة للنساء، فيفرز أيضاً هرمون الأكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يلعب دوراً أساسياً في الأمومة، ويكثّف المشاعر المرتبطة ببهجة وسعادة القرب والترابط.

وعندما يجمع دماغك بين اللذة، والارتباط والقرب، فقد تُستثار جنسياً، حتى بمجرد إرسال واستقبال موادَّ جنسيةٍ، أو بالتراسُل الجنسيّ. وبالنسبة للذكور، فيساعد هرمون الفازوبرسين على زيادة اللذة الجنسيَّة.

أمَّا الدوبامين فيساعد عقلك على إدراك المكافأة؛ لتقوم بفعلٍ ما، ثم تفوز بإحساس المتعة، وهو متعلق بشكلٍ أو بآخرَ بالإدمان.

 فمثلاً: تصلك رسالة جنسية، فتجعلك تشعر باللذة، وعلى الفور تتلهَّف للحصول على المزيد، ومن ثَمَّ، ففي اللحظة التي يرِنُّ فيها هاتفك، فإنك تُمسك به على الفور؛ لتتفقَّد رسائلك الواردة.

 الآثار النفسيَّة:

على الصعيد النفسي، قد يُؤدِّي التراسُل الجنسيّ، إلى حدوث أضرار بالغة، وخاصّة، إذا وقعت رسائلك الجنسيَّة، بين يدي الشخص الخطأ. فالمراهقون يتمتَّعون بقدرة فريدة من نوعها، على الشعور بأنهم منيعون، فقد يكونون على علم بأن التراسُل الجنسيّ شيءٌ يجب الابتعاد عنه، إلا إنهم لا يفكرون باحتمالية أن يكتشف أحدٌ أمرهم.

 ومن الآثار النفسيَّة للتراسل الجنسيّ ما يلي:

- الشعور بالخجل والمهانة: عندما ترسل صورة جنسيَّة، أو صورة عارية إلى شخص ما، فلا شيء يضمن بقاءها حبيستكما وعدم انتشارها بين عدد كبير من الناس، وقلّما تظل الصورة مشتركة بين شخصين فقط، فعادةً عندما يغضب منك صديق، أو تنتهي علاقتك به، فإنه سيقوم بتوزيع ونشر تلك الصور على نطاق واسع، وغالباً ما يُشعرك هذا الأمر بالحرج والمهانة، حيث عبَّر الكثير من الفتيان عن شعورهم، وهم يسيرون في أفنية مدارسهم، وكأنهم متجرّدون من ملابسهم –كنايةً عن شدة خجلهم- بعدما نُشرت صورهم الجنسيَّة على نطاق واسع.

- الشعور بالذنب والعار: نشر صور شخصية، خاصة بك، بين عدد كبير من الناس قد يُشعرك بالذنب والعار. وعليه، فكثيراً ما يندم الأطفال الذين يتراسلون جنسياً على فعلتهم، كما تُؤثِّر المراسلات الجنسيَّة في احترام الذات؛ حيث تتركهم المراسلات الجنسيَّة ضعفاءً هشيّن، ومفضوحين.

يقول الكاتب وخبير العلاقات الإنسانية كولترين لورد في حواره مع أحد المواقع:

رد الفعل، والاستجابة السلبية، لشخص يرسل رسالة جنسية مرتبط بشعور المرسل، تجاه متلقي الرسالة، ومدى تقبله لجنسانيته.

فإذا لم يكن المرسل، على علاقة وطيدة مع الطرف الآخر، فالإحساس اللاحق  قد يكون إحساساً بالندم، أو العار، استناداً إلى مدى حيائهم الجنسيّ، أو مدى خلاعة الرسالة الإباحية التى أرسلها، وفحشها.

اعلم أن أجسادنا، وأدمغتنا مترابطة، متصلة فيما بينها، فإذا فسَّر عقلك شيئاً ما، أو فسر فعلاً على أنه "خطأ"، فإن استجابة جسدك ستكون تبعاً لذلك.

الفرق بين المراسلات الجنسيَّة ومشاهدة الإباحية:

رغم عدم وجود دراسات محدّدة، تتطرَّق إلى آثار التراسُل الجنسيّ الجسدية والنفسيَّة، إلا إن الخبراء يقولون أن الاستجابة وردَّ الفعل للمراسلات الجنسيَّة، تُماثل على الأرجح، الاستجابة إلى بقيّة الأنشطة المحفّزة جنسياً، كمشاهدة الإباحية.

 يقول دكتور جوردن ويجنز (عالم الجنس والطبيب المعالج بالطرق الطبيعية) في حواره:  

"المراسلات الجنسيَّة، تُطلق نفس المواد الكيميائية، العصبية، التي تطلقها الموادالإباحية."

وهذه المواد هي الدوبامين (المعنيّ باللذة والمكافأة)، والأوكسيتوسين (المعنيّ بالترابط والتقارب)، ولكن مع الفارق، فرغم إفراز نفس المادتين، إلا إن هناك بَوْناً شاسعاً بين الإباحية، والمراسلات الجنسيَّة.

 يكمل دكتور ويجنز: ((إن هذا الفارق متعلّق بنوعية التجاوُب، والتفاعُل، الخاص بالمراسلات الجنسيَّة.

 فبينما تُعَدُّ مشاهدة الإباحية نشاطاً فردياً، فالتراسُل الجنسيّ يتطلَّب شخصاً آخر، لإتمام عملية الممارسة، والقيام بالرَّدِّ والتفاعُل، وعلى عكس الإباحية، فالتراسُل الجنسيّ، يمنحك القدرة والإمكانية، على التحكُّم بهذا التفاعُل بشكل أكبر)).

((السيطرة والقدرة على التحكُّم قد يكونان مثيرين بشكل كبير. فالتراسُل الجنسيّ يعطيك الفرصة لترقُّب وانتظار الرَّدِّ من شريكك، لتكوّن الرغبة)).

تأثيرات جسدية، ومزيد من التأثيرات الدماغية والنفسية:

إن أبرز التأثيرات الجسدية والنفسية للتراسُل الجنسيّ هي الاستثارة.

 فعلى مستوى الدماغ، الإثارة النفسية: مزيجٌ من مشاعر الخوف، أو الخطر، ومشاعر الأمن والأمان.

 في الواقع، الجزء الدماغي المسؤول عن استجابة "القتال أو الهروب" -وهو اللوزة الدماغية- هو نفسه، الجزء الذي ينشط عند الاستثارة.

يقول لورد في حواره:

((بِناءً على نمط وتطور الضغط العصبي، لدى كل إنسان، فقد تتزايد الإثارة عند التعرُّض للمخاطر، أو قد يتخدّر جسدك)).

((فقد يُفسّر دماغك حالة الخطر تلك، معتمداً على استجابة "القتال أو الهروب" أو قد يتجمَّد ولا يحرك ساكناً، وفي كلتا الحالتين فإن جسدك يتعرَّض لإثارة متزايدة وهياجٍ إلى مستوى ما)).

ولأن الرسائل الجنسيَّة مثيرة بنفسها، والتراسُل الجنسيّ عامل خطورة إضافي، فدكتور (ويجنز) يخبرنا أن التراسل الجنسيّ، من شأنه تنشيط الجهاز الحوفيّ، والذي تتحكّم به اللوزة الدماغية. والجهاز الحوفيّ، هو الجهاز المسؤول عن ردَّة فعلك، واستجابتك تجاه مختلف المحفّزات، ويتمثل في الخوف التلقائي، الذي يُراودك عندما -على سبيل المثال- يُباغتك زومبي في منزل مسكون.

ولتوضيح الأمور أكثر، فإذا كنت تملك جهازاً حوفياً فقط، فإن دماغك سيخبرك أنك على وشك أن تموت بمجرد رؤية الزومبي، وسوف تهرب وأنت فزعٌ من طالب الجامعة، الذي قام بالتنكُّر على هيئة زومبي.

ولكن ليس هذا ما سيحدث؛ لأنك تملك جزءاً آخر في دماغك يُدعى الحُصين (أو قرن آمون)، والحصين هو الجزء الذي يُساعدك على تفسير واستيضاح المحفّز. فيخبرك أن هذا مجرّد تنكُّر زائف لزومبيٍّ غير حقيقي، وأنه لا داعي لتفرَّ خائفاً. هذا التحليل الذي قامت به استجابة الدماغ الأولية، لشيء مروّع، هو الذي يمَكِّنك من الشعور باللذة، أثناء الذعر والخوف، أو وبعبارة أخرى، يمكِّنك من التمتع بالاستثارة التي يصيبك بها الخوف.

وعند الحديث عن المراسلات الجنسيَّة، فإحساسك بأنك ترتكب خطأ أو فعلاً بذيئاً، بالإضافة إلى الخطر الحقيقيّ للغاية، والمتشكّل في فضح أمرك، كل هذا له القدرة، على أن ينشِّط في دماغك نفس الجزء الذي ينشِّطه بيت الزومبي المسكون، ولكنَّ عقلانية الحصين هي التي تبَيِّنُ حقيقة ما أنت فيه للوزة دماغك (العاطفية)، ويتحوَّل إحساسك بالخطر إلى إحساس بإثارة جنسية.

عندما يتعلَّق الأمر، بكيفية استجابة دماغك للرسائل الجنسيَّة، فـ "لورد" يخبرنا أن إمكانية الوصول إلى شفير الإلهاب (الإثارة) الجنسيّ، مقابل الشعور بالخطر هي مَرْبَطُ الفرس.

وبالطبع، فإن جسدك وعقلك ليسا -كما أسلفنا- كيانين منفصلين عن بعضهما البعض، فحدوث تفاعُل في جسدك يُفضي إلى حدوث استجابة في دماغك، والعكس بالعكس. ففي مثال الشعور بالخطر أو الإثارة (المذكور أعلاه)، فإن ردَّة فعل (استجابة) جسمك تكون بزيادة ضغط الدم، وتمدّد حدقة العين، وإبطاء عملية الهضم، وليس هذا فقط، بل قد تشعر بأن جسدك أصبح أدفأَ، أو تلاحظ ظهور بقعٍ حمراء على وجهك وصدرك، وقد يندفع الدم كذلك إلى أعضائك التناسلية، وبعيداً عن أجزاء جسمك غير الحيوية، كاليدين والقدمين.

هذه الاستجابات، وردود الأفعال التي قرأتها لتوّك ما هي إلا أعراضٌ نمطية للغاية تعتري جسدك عندما تُستثار جنسياً.

العلاج والتعافي:

عادةً، يتطلَّب علاج إدمان المراسلات الجنسيَّة، تدخُّلاً من المختصّين، ويمكن أن يكون بالغ التعقيد؛ لأن الامتناع عن استخدام الهاتف المحمول، في الأيام الراهنة ليس حلًّا عمليًّا.

 فبما أن الهواتف في متناول اليد -وهو ما يُعَدُّ صورة من صور الإغراء لمدمن المراسلات الجنسيَّة-، إذاً فلا بد لمدمني المراسلات الجنسيَّة، توَخِّي الحذر إزاء الانتكاس.

ولأن إدمان الإباحية، وإدمان المراسلات الجنسيَّة، آخذان في الانتشار، فقد أصبحت الكثير من عيادات المرضى الجديدة -الداخليين والخارجيين على السواء- التي تُركِّز على علاج هذين الاضطرابين، متاحة في شتَّى بقاع الأرض، وعلاوةً على ذلك، فإن فريق واعي يمُدُّ لك يد العون؛ لتتعافى، ويدوم تعافيك، حيث يؤمِّن برنامجاً علاجياً متكاملاً للدعم النفسيّ، من خلال مجموعة للتعافي، على صفحة الفيسبوك الخاصة بالفريق، إضافةً إلى مجموعات تعافٍ أخرى للشباب والفتيات والمتزوّجين على تطبيق التيليجرام على الهاتف الذكيّ.

ذلك إلى جانب مُتابعة علاج المدمنين، من خلال المراسلات الخاصة، على جميع صفحات التواصُل الاجتماعي التابعة للفريق.

وفضلاً عن ذلك، فهناك العديد من الكتب، والمقالات، والمقاطع المرئية، التي أصدرها الفريق -على موقعه الرسمي، وعلى مختلف منصَّات التواصُل الاجتماعي، كاليوتيوب وغيره من المنصَّات- لتوعية الناس بمخاطر إدمان الإباحية، ومعالجة مَن وقع بالفعل في إدمانها، بأسلوب علميٍّ مبسَّط.

  • اسم الكاتب: أ. يوسف عز العرب
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: أ. يوسف عز العرب
  • مراجعة: م.عمر طه، أ.محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 12 يونيو 2021
  • عدد المشاهدات: 2K
  • عدد المهتمين: 165

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك