الدرس الثاني و العشرون : كيف تسد ذلك الشعور بالفراغ الذي بداخلك؟

عندما كنت قادرا على وقف إدماني للإباحية ظللت أشعر بنفس الشعور (الفراغ الداخلي) وكنت بحاجة لإيجاد وسيلة صحية للتعامل مع تلك المشاعر.
A+ A-

يقول (أليكس): عندما كنت في سن المراهقة في المدرسة الثانوية شاهدت مدمنا للكحول تحدث لنا عن طفولته وعن سنوات المراهقة وكيف شعر أنه لم يكن ينتمي إلى هذاالعالم ولم يكن يستطيع التواصل مع الآخرين، وكيف شعر بــ (الفراغ) الداخلي.

ثم  قال أنه عندما شرب الكحول لأول مرة شعر بأن هذا الفراغ الداخلي قد اختفى، ثم أصبح مدمنا على الخمر بكل أسف، ولكنه في النهاية استطاع أن يتوقف، وفي النهاية قال لنا ما ملخصه، أن نتذكر دوما أن الكحول لم يكن ولن يكون حلا لمشاكلنا.

أتذكر أنه بعد مشاهدتي لهذا الرجل سألت نفسي: هل قال لنا ما هي المشكلة؟ وهل قال لنا ما يجب القيام به لحل تلك المشكلة؟

ولكن ماذا علي أن أفعل؟ كيف يمكنني ملء هذا الفراغ في داخلي؟

لقد جئت من عائلة من المدمنين على الكحول، لذلك كنت أعرف أن المخدرات والكحول ليست هي الحل.

هل تدرون أنني جعلت -للأسف- إدمان الجنس طريقا للهروب من مشاعري الداخلية التي استولت عليَّ حينها، عندما كنت قادرا على وقف إدماني للإباحية ظللت أشعر بنفس الشعور(الفراغ الداخلي) وكنت بحاجة لإيجاد وسيلة صحية للتعامل مع تلك المشاعر، ولكن أولا كان علي أن أفهم: ما الذي كان يسبب لي هذه المشاعر من الفراغ؟ قرأت كتابا ساعدني على فهم سبب الفراغ الداخلي وكيف أسده، ومنذ صغري قرأت الكتب وشاهدت الأفلام والإعلانات التجارية وشاهدت واستمعت إلى قصص الآخرين حول كيف من المفترض أن تكون الحياة؟

والنتيجة هي أنني وضعت مجموعة معينة من التوقعات عن الطريق الذي سأسلكه (عندما أكبر)، وكانت المشكلة أنه كان لي بعض التوقعات، والمشكلة لم تكن في تلك التوقعات في حد ذاتها وإنما في توقعاتي أنا.

أردت أن أكون مثاليا، أردت أن أفعل كل شيء صحيح في المرة الأولى، وفي كل مرة يحدث خطأ ما أتوقع أن السبب هو أنني لم أكن من الموهوبين في ذلك فتوقفت.

بحلول الوقت أصبحت في سن المراهقة، بدأت أشعر بأن تلك التوقعات لا قيمة لها حيث لم أكن قادرا على الارتقاء إلى مستوى التوقعات الخاصة بي.

كان لدي تعريف لتلك التوقعات تجاه حياتي وما هو من المفترض أن تكون عليه، ولكن الحياة كانت تتكشف بشروطها وأنا لا أعرف كيف أتعامل معها، حتى شعرت بالألم وحاولت تقرير مصيري ومداواة نفسي وللأسف من خلال مشاهدة الأفلام والصور الإباحية وإهدار المزيد من الوقت على شبكة الأنترنت.

فعلت كل ما بوسعي لكي أعطي نفسي فرصة للبدء من جديد، لقد غيرت المدارس والبلدان والأصدقاء، انضممت إلى الجيش على أمل أن أجد مسعا جديدا من شأنه أن يصلح لي ولكن بغض النظر عن ما فعلته في نهاية المطاف وجدت نفسي مرة أخرى في مربع واحد خائب الأمل وغيرسعيد مع نفسي، ما لم أكن أدركه هو أنني بالفعل طوال الوقت كنت أبحث عن الكمال .

يقول (أليكس): اسمحوا لي أن أطرح عليكم سؤالا: أليس الكلب كماله في كونه كلب؟ هل الكمال عندما يكون مجرد جرو؟ أو أن الكمال عندما يكبر بشكل كامل؟ أم أنه عندما يكون كبير وهاديء وحكيم؟

إنه سؤال مضحك: كمال الكلب هو دائما في كونه كلب، قد يتغير مظهره على أساس مرحلة من مراحل الحياة، ولكنه لا يعدو أن يكون مجرد كلب، فهذا كماله.

إنها نفس الحال معي: أنا كمالي في كوني نفسي، ستكون سيئة جدا في كونها سوبرمان أو باتمان أو بروس لي أو بيل غيتس، ولكن الكمال في كوني أليكس.

سبب فشلي في كل شيء أنني لم أعطي نفسي الوقت الكافي للنجاح، كلما حاولتَ تعلم مهارة جديدة -رياضة كرة المضرب مثلا- ولم يكن لك الصبر على ممارستها فلا تنتظر أن تكون مثل هؤلاء الأبطال الذين تشاهدهم عبر البطولات العالمية في السرعة والمهارة، وسوف تفشل، وفي كل مرة تمارس فيها الرياضة سترى أنك بعيد جدا في مستواك عنهم وعن أي ماهر بتلك اللعبة، كن مهتما فقط بالنتيجة، وهي معرفة كيفية لعب كرة المضرب ومارس اللعبة.

لذلك فإن المفتاح لممارسة ناجحة أن تكون هناك مجموعة واقعية وصحيحة من التوقعات، فلا تتعجب إن بقيت مغمورا تماما وغير موهوب في عملية التعلم، وركز على ممارسة اللعبة وفهم مهاراتها وحاول ثم حاول ثم حاول واستمتع.

ومن المثير للدهشة أن تجربتك مع التعلم سوف تتغير عن طريق تغيير توقعاتك بأن تجعلها واقعية، وسترى بعد ما كانت مؤلمة أو مملة تحولت إلى شيء سهل وممتع، فقط انظر إلى النتائج ولا تضع توقعات غير صحيحة أو غير عملية، ستستمتع بما تقوم به وربما أصبحت يوما بطلا.

في برنامج الثنتي عشرة خطوة يقولون: (التقدم وليس الكمال)، وأود أن أضيف: (العمل وليس الكمال) أو (العمل وليست النتائج ) فإنكم إذا واصلتم الانخراط في العمل فإن النتائج سوف تأخذ مجراها وستؤتي بثمارها بإذن الله.

وقفة وتعليق:

لقد رأينا سويا كيف أن (أليكس) حاول التوصل إلى حقيقة الشعور بـــ (الفراغ الداخلي) عبر مراحل عمره، وجَرَّبَ كل الوسائل وادَّعَى أنه قد توصل إلى سببه، ولكن -كما رأيتم- لم يصل لشيء حقيقي وواقعي وادَّعى أنه استطاع أن يصل إلى طريقة لملئه ولكن أشك أنه قد نجح.

أشار (أليكس) إلى شيء مهم جدا وهو ذاك الشعور الداخلي المخيف بالفراغ الذي يشعر به بسبب أنهم كفروا بالله سبحانه وتعالى، وتلك هي الحقيقة التي تغيب عنهم، يبحثون عن العلاج الفعلي لهذا الشعور المخيف بغير هدى، فاللهم اهدنا وإياهم.

وللعلم فإن شيئا من هذا الشعور ينتابنا عند المعصية كلما ابتعدنا عن الله، لدى كل منا شعور بأن هناك شيء بداخلنا نحتاج أن نملأه، إنها الروح، طبعًا (أليكس) لم يصل إلى أنها الروح، وأن هذا الشعور الداخلي بالفراغ لا شيء يسده ويملأه مثل الإيمان بالله والقرب منه ومحبته والأنس به، وإن كان قد وصل لما يشغل وقته أو وصل لهدف دنيوي لكنه مازالت روحه خاوية.

أما نحن المسلمون فبفضل الله لدينا الزاد والطريق من المولى سبحانه؛ يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ طه:124.

والضنك المذكور في الآية مرتبط بالروح، فكما أن للجسد غذاءٌ يعينه على البقاء والاستمرار وإذا زاد أو قل أو تناوله الإنسان بطريقة غير صحيحه فإن قوانين الجسد تختل فتصيبه الأمراض والعلل كذلك الروح؛ فإن للروح غذاء: إن قل أو انعدم حدث لها اضطراب وخلل وأصيبت بالضنك الذي يجمع الكثير من الأمراض أقلها الضيق والحيرة والملل مرورا بالتوتر العصبي إلى أن ينتهى به المطاف إلى اليأس من رحمة الله أو يصاب بالجنون أو يدفعه الشيطان للانتحار كفرًا بالله.

من المؤسف حقاً أن يشعر الإنسان بأنه في هذه الحياة لا دور له وكأنه خُلِقَ بلا غاية مما يترتب عليه الشعور بالملل والسآمة، وأحياناً يصل به الحال إلى أن يفكر في الهروب من الحياة كلها بالانتحار، وهذا كله بسبب الضياع والتيه والفراغ القاتل، رغم أننا الأمة الوحيدة التي وضع لها مولاها برامج تنظم حياتها على مدار الساعة، بل إن الواجبات لديها أكثر من الأوقات.

والمسلم الصادق الواعي لا يعرف اليأس، ولا يجوز له أن يستسلم لهذا الواقع المؤلم وإنما يجب عليه أن يسعى لإنقاذ نفسه بشتى الوسائل الممكنة، خاصة وأن الطريق مرسوم رسمه لنا الإسلام منذ أيامه الأولى، ولذا فالنبدأ.

أولًا: أُوُلَى الخطوات هي ضرورة الشعور الصادق بالحاجة إلى التغيير، فهذا أهم عامل من عوامل العلاج والنجاح.

ثانياً: الاستعداد لعملية التغيير بالأخذ بالأسباب الممكنة؛ لأن الحق جل وعلا أخبرنا بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ الرعد: من آية 11، فلم ولن يحدث التغيير إلا إذا كنا راغبين فيه, جادين في حدوثه.

ثالثاً: لابد من دراسة الواقع دراسةً متأنية، وهل أنت فعلاً تعاني من مشكلة حقيقية؟ أم أن هذا وصف غير دقيق وبالتالي لا توجد مشكلة؟ فإذا نظرت في واقع حياتك بدقة وحلَّلْتَ نظامك اليومي ستخرج قطعاً بنتائج طيبة تساعدك في تحديد مقدار التغيير المطلوب إدخاله على حياتك ونظامك اليومي من حيث المحافظة على الصلاة في أوقاتها وقراءة القرآن بتدبر والمحافظة على أذكار الصباح والمساء ونحو ذلك.

رابعاً: بعد الشعور الصادق بالتوبة إلى الله يأتي برنامج التغيير الحقيقي والذي يرتكز على:

المحافظة على الصلاة في أوقاتها.

تخصيص وقت يومي لحفظ ولو آية واحدة من القرآن وعدم إهمال ذلك، وإلَّا فلا أقل من التلاوة.

قراءة بعض الكتب الإسلامية.

المحافظة على أذكار الصباح والمساء مع الإكثار من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

الاجتهاد في صيام النوافل، وهذا وصية نبوية وعلاج لمن لم يستطع الزواج.

إذا كنت في مرحلة دراسية فعليك بتحديد وقت محدد للدراسة والمراجعة بصفة يومية حتى تصبح المذاكرة عادة وليست حسب الظروف، عليك أن تضع في اعتبارك التفوق الدراسي وبذلك تستغل معظم الأوقات في المراجعة.

إذا وجدت أي كتاب في تنمية الذات فمن الأفضل أن تطلع عليه، واعلم أخي الكريم أن الفراغ هو سبب الإدمان على النظر إلى المشاهد الإباحية، فإذا ما استطعت أن تحسن الاستفادة من وقتك بطريقة جيدة ترضي ربك فسوف تكون من أسعد الناس إن شاء الله.

نعيد التذكير بأن التغيير يبدأ من الداخل، وإذا علم الله صدق نيتك وفقك لكل خير وشغلك بطاعته وجعل لك سبلاً كثيرة -لا سبيلاً واحداً- للدعوة إلى دينه وهداية عباده: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فصلت:33، وأنصحك بسماع محاضرات تحض على هذا الأمر، مثلا محاضرة قيمة للداعية الدكتور إبراهيم الدويش عنوانها (الرجل الصِّفْر)، وأمثالها من المحاضرات التي تنمِّي فيك الإقبال على الدعوة وطلب العلم.

ولا يفوتنا أن نذكرك بوسيلة ناجعة هي: الصحبة الصالحة، وحبذا لو كانت في مراكز دعوية إسلامية، أو مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، فهناك ستجد الصحبة الصالحة، فمصاحبة المتفوقين تنتج شخصاً متفوقاً، ومصاحبة الكسالى والبطالين عاقبتها الإخلاد إلى الأرض والشعور بالنقص والدونية، والشعور بالغربة والتيه في هذه الحياة، فالزم الصالحين وستجد بعد ذلك فرقاً كبيراً في تذوق الحياة، وقد تشكو مستقبلاً من ضيق الوقت وعدم اتساعه لتحقيق أهدافك وطموحاتك الدعوية والشخصية، جرب، وكما قيل: التجربة خير برهان.

ثم ان (أليكس) أيضا توصل إلی نقطة هامة من خلال الكتاب الذي قرأه؛ فعلی الرغم من أنه لم يصل إلی حقيقة الفراغ الداخلي الذي كان يشعر به ولا كيف له أن يملأه، إلَّا أننا من الممكن أن نستنتج شيئا مهما هو أنه من أهم سبل العلاج هو أن تكف عن الشكوی وتبدأ العلاج.

إن ظللت تشكو وتشكو وتقول: أنا مدمن للمشاهد الإباحية لا استطيع أن أتركها، خسرت كل شيء، أنا متعب، لن تُحَل مشاكلك، بل ستكبر وستتضخم وتتزداد.

ركز في العمل، اعمل، اعمل، ثم اعمل. اعمل على أن يزداد عزمك علی الترك في كل مرة تنتكس فيها لا قدر الله.

حاول أن تجد طريقة جديدة للخروج من نفق هذا الإدمان في كل مرة ترجع فيها للطريق السيء.

أَلْزِم نفسك بشيء جديد يقربك إلى الله، فإن كنت تصلي الوتر فقط فقل: سأصلي ركعتين قبل الوتر، وإن كنت لا تصلي الفجر عاهد نفسك أن تصليها، وإن كنت لا تصوم تطوعًا  فصم ولو يوما في الشهر وراقب قلبك كيف سيكون، بالطبع سيكون أحسن حالا، وهكذا: فإن بدأت في شيء لا تتركه، حافظ عليه حتی يصير الخير لك عادة، واتخذ من كل سقطة نقطة انطلاق جديدة للصعود لا للهبوط.

اسأل الله أن ينير دربك وييسر لك كل الخير، وأن يهديني وإياكم إلى السبيل الأقوم، إنه هو الأعز الأكرم القائل﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الفرقان:70.

  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • تاريخ النشر: 26 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 2K
  • عدد المهتمين: 182
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك