الدرس الخامس: كن حذرا وراقب مشاعرك حتى لا تقع في الإباحية!

إن قوة (الدماغ العاطفي) مألوفة جدا بالنسبة للمدمنين، فهو الذي يجعلنا نفعل الأشياء التي لا نريد أن نفعلها والتي قد نندم على فعلها فيما بعد.
A+ A-

الآن بعد أن ناقشنا (الدماغ الزاحف) حان الوقت في درسنا الخامس لنصبح أكثر فهما لـ (الدماغ العاطفي).

كما  تتذكر ليس لـ (الدماغ الزاحف) القدرة على التعلم، وبالتالي سيستمر في القيام بنفس الشيء مرارا وتكرارا مهما كانت خبرته السابقة بهذا الشيء.

أما فيما يتعلق بـ (الدماغ العاطفي) فلديه القدرة على التعلم وتحقيق التوازن.

(الدماغ الزاحف) يستخدم إشارات من اللذة والألم للسيطرة على سلوكنا.

من المهم جدا أن نفهم أن العواطف التي نشعر بها -لا الأفكار التي نعتقدها- هي التي تملك السيطرة على معظم سلوكنا.

 إن قوة (الدماغ العاطفي) مألوفة جدا بالنسبة للمدمنين، فهو الذي يجعلنا نفعل الأشياء التي لا نريد أن نفعلها والتي قد نندم على فعلها فيما بعد.

على سبيل المثال: لفترة طويلة جدا يظل مدمن الإباحية يكافح ويناضل لتجنب المواقع الإباحية، لكن بعد أسبوع أو اثنين من البقاء بعيدا عنها يجد نفسه قد استسلم وعاد،

هذا يحدث لسببين:

االأول: استجابة مبرمجة مسبقا من (الدماغ الزاحف) تسبب له البحث عن الإباحية.

الثاني: علاقة عاطفية بين الموقع والمتعة المدمرة جدا التي تأسست في الماضي والمرتبطة به في دماغ المدمن. 

السبب الثاني هو الذي يصنع كل هذا الفارق، فـ (الدماغ الزاحف) لا يتعلم، وسوف يحافظ دائما على رغبته في ممارسة الجنس، راجع مقال كيف يعمل الدماغ البشري.

(الدماغ العاطفي) هو ما يدفع المدمن لأن يدخل إلى موقع إباحي على شبكة الأنترنت ليشعر بمتعة شديدة عند المشاهدة، هذا هو السبب في أن المدمن رغم أنه يقول لنفسه: لا أريد أن أذهب إلى هذا الموقع، لكنه يشعر فجأة أن تلك الفكرة ليست سيئة وينجر وراءها به إلى ما يغضب الله، ويدمر نفسه وأسرته ومجتمعه.

يقول (أليكس) وهو معالج لمدمني الإباحية حاليا وكان مدمنا: قبل أن أعرف ذلك، كنت أقوم بقضاء ساعات في مشاهدة المواد الإباحية حتى وصولي الى مستوى من التحفيز الكبير بما يكفي لتلبية حاجة العقل الزاحف لدي، وبعد الانتهاء من تصريف الشهوة عندها فقط يقوم (الدماغ الزاحف والعاطفي) بإعادة السيطرة الكاملة على جسدي، من خلال العقل الواعي أو الرئيسي، مما يسمح لي أن أحلل ما حدث للتو، ونتيجة لذلك فإنني أشعر بالذنب والأسف لأني فعلت شيئا لم أكن أريد القيام به.

من المهم أن نعرف أن لدينا دماغا زاحفا وعاطفيا لديهما القدرة على تجاوز الدماغ الواعي وتركه بصفة مراقب فقط، هذا هو السبب في أننا يجب أن نكون حذرين للغاية عند اتخاذ أي قرارات في وقت نشعر فيه بأية مشاعر مكثفة سواء كانت إيجابية أو سلبية، لأنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير جدا على قراراتنا.

يقول الدكتور عبد الدايم الكحيل ([1]): "لقد تذكرت حديثاً عظيماً يحذرنا من شعور مثل الغضب، فعندما جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: أوصني، قال له النبي الأعظم -صلى الله عليه وسلم- كلمة واحدة يطلقها علماء الغرب اليوم ناصحين بها الناس بعدما اكتشفوا ما تحمله من أسرار وفوائد ودلالات، إنها: "لاَ تَغْضَب". 

حينما طلب الأعرابي من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه بوصية كررها النبي له مراراً حتى خُيِّل له أن الإسلام يتلخص في هذه العبارة الرائعة: "لاَ تَغْضَب".

ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَوصِني، قال: "لاَتَغْضَب" فردَّد مِرارًا قال: "لاَ تَغْضَب"، فالغضب هو مفتاح لكل أبواب الشر، وقد كان نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- لا يغضب أبداً لنفسه، ولا لأمر من أمور الدنيا، إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله. 

وقد حذر عدد من الأطباء البريطانيين من تفشي ظاهرة انعدام السيطرة على المزاج، مؤكدين أنها تعد مشكلة كبيرة، رغم ألا أحدا يعتبر أنها تحتاج علاجاً. قال الأطباء: إن عدم التمكن من السيطرة على الغضب أصبح ظاهرة تتزايد وتتسبب بارتفاع أعداد الأعمال الإجرامية، وتفكك العائلات، بالإضافة إلى المشاكل الصحية الجسدية والعقلية" ([2]).

كذلك كن حذرا تجاه مشاعر الحزن والفرح، تأمل تلك الآية من قوله تعالى:

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۞ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ الحديد: 22 -23 وهي آية ذات دلالة مهمة في توجيه المسلم إلى التسليم والخضوع لما قدره الله وقضاه، في الأمور الخارجة عن نطاق السيطرة، والحزن معلوم ومفهوم وهو يحصل طبيعيا للمرء إذا فاته أمر يحبه، والفرح طبيعي معلوم يحصل طبيعيا للمرء إذا حصل معه أمرا يحبه.

فعلى أي حزن ينتصب النهي في الآية؟ وعلى أي فرح أيضا؟

نقل الطبري في تفسيره عن ابن عباس ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ قال: "ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبراً، ومن أصابه خير فجعله شكراً" من تفسير آية 23 من سورة الحديد.

وقال المبرد: "ليس المراد من قوله: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ نفي الأسى والفرح على الإطلاق.

بل معناه لا تحزنوا حزناً يخرجكم إلى أن تهلكوا أنفسكم، ولا تعتدوا بثواب على فوات ما سلب منكم، ولا تفرحوا فرحاً شديدا يطغيكم حتى تأشروا فيه وتبطروا" ([3]) فانظروا عافاكم الله، لم يترك لنا الإسلام شيئا فيه خير إلا أرشدنا إليه، ولا شيئا فيه شر إلا حذرنا منه.

للأسف، معظم الناس ليس لديهم هذه العادة في رصد مشاعرهم ومراقبتها، هذا هو السبب الذي يجعلني أطالبكم بأن نولي اهتماما أكبر لما نشعر به بقية اليوم، بعض المشاعر الأساسية التي تدفعك إلى المشاهدة هي: الغضب والقلق والإثارة والسعادة والحب والحزن.

فراقب مشاعرك وكن حذرا وتعلم كيف تتعامل مع تلك المشاعر وكن متزنا معتدلا.

في الفصل التالي بإذن الله سنذهب لنلقي نظرة على بعض الأشياء البسيطة التي يمكننا القيام بها لنساعد أنفسنا على تعزيز الدماغ الواعي الرئيسي لنعيش في حياة أكثر وعيا.

([1])في مقال له بعنوان (الإعجاز العلمي في حديث “لا تغضب”).

([2]) من موقع جامعة أم القرى.

([3]) مفاتيح الغيب للفخر الرازي من تفسير آية 23 من سورة الحديد.

  • اسم الكاتب: أليكس
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 25 يوليو 2021
  • عدد المشاهدات: 1K
  • عدد المهتمين: 224
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك