تجريدُ الموادِّ الإباحيَّةِ من قوَّتِها

عندما لا تُعطينا الحياةُ ما ظننَّا أنَّنا نَستحقُّهُ تنهارُ كلُّ الجوانبِ الإيجابيَّةِ والصِّحِّيَّةِ في حياتِنا؛ وذلكَ بسببِ الإباحيَّةِ؛ مِمَّا يُكسبُنا شعورًا بالفراغِ الداخليِّ والحزنِ والخجلِ، ونكرهُ أنفسَنا، ونظنُّ أنَّه لا قيمةَ لنا
A+ A-

تزرعُ فينا الموادُّ الإباحيَّةُ شعورًا قويًّا بأنَّنا نَستحقُّ الكثيرَ، وهذا الشعورُ نابعٌ من كونِها تُمدُّنا بما يُشبعُ حاجاتِنا دونَ قيودٍ، ومع الإباحيَّةِ نتعلَّمُ أنَّ بإمكانِنا الحصولَ على ما نُريدُ وقتَما نُريدُ، وليسَ علينا العملُ أو الانتظارُ أو القلقُ من أيِّ شيءٍ.

هلْ تجدُ هذا مَنظورًا صِحِّيًّا للحياةِ؟؟

أنا لا أعتقدُ ذلك.

فعندما لا تُعطينا الحياةُ ما ظننَّا أنَّنا نَستحقُّهُ تنهارُ كلُّ الجوانبِ الإيجابيَّةِ والصِّحِّيَّةِ في حياتِنا؛ وذلكَ بسببِ الإباحيَّةِ؛ مِمَّا يُكسبُنا شعورًا بالفراغِ الداخليِّ والحزنِ والخجلِ، ونكرهُ أنفسَنا، ونظنُّ أنَّه لا قيمةَ لنا، ولكنَّنا ما زلنا -بسببِ ما زرعتْهُ فينا الإباحيَّةُ- نُريدُ كلَّ شيءٍ وبشكلٍ فوريٍّ، وهذه عقليَّةٌ ملتويةٌ وخطيرةٌ تُؤذي صاحبَها بلا أدنى شكٍّ.

هذا المزيجُ من الشُّعورِ بالأحقِّيَّةِ في أشياءَ كثيرةٍ والشُّعورِ بعدَمِ الثِّقَةِ يُقوِّي من اعتمادِنا على إدمانِ الإباحيَّةِ؛ فهو يُجرِّدُنا من قوَّتِنا، ويُعزِّزُ من اعتمادِنا على الإباحيَّةِ، وحينَها يجدُ المُدمنُ نفسَه مُتخبِّطًا وغيرَ قادرٍ على تحطيمِ قيودِه أو حتَّى التفكيرِ في ذلك.

ولكنْ كيفَ يُمكنُنا استعادةُ قوَّتِنا؟ وكيفَ يُمكنُنا مُساعدةُ غيرِنا في ذلك؟

هُناكَ ألفُ طريقةٍ للإجابةِ عن هذا السُّؤالِ، ويُمكنُك البدءُ بقصَّةِ أحدِ مُقاتلينا واسمُه جيسي:

يقولُ جيسي: “وُلِدْتُ مع بداياتِ انتشارِ الإنترنِت، وأصبحْتُ مُدمنًا على الإباحيَّةِ وعُمري لا يَتجاوزُ الحاديةَ عشْرةَ، وكنْتُ سيِّئًا للغايَةِ، وأدركَ والدي ووالدتي ذلكَ، ولكنَّنا لم نكنْ نعلَمُ ما الذي يُمكنُنا فِعلُهُ حِيالَ ذلك، كنتُ أجلسُ كثيرًا مع الأخصائيّ الاجتماعيّ في المدرسةِ، ولكنِّي كنتُ أكذبُ عليه، وهذا كانَ أسهلَ بالنِّسبةِ لي من التَّحدُّثِ عن الأمرِ، لم أشأْ أنْ أُخيِّبَ أملَ أحدٍ، لم أُرِدْ أنْ أشعرَ بالذَّنبِ على الأقلِّ أمامَ النَّاسِ، وأردْتُ دائِمًا أنْ أكونَ أفضلَ من ذلك، ولكنِّي لم أشعرْ أبدًا بالأمانِ لأبدأَ في المُحاولَةِ، لقد كنتُ على اقتناعٍ تامٍّ بأنَّه يلزمُني التَّعافي بشكلٍ كاملٍ من إدمانِي؛ لأُصبِحَ شخصًا جديرًا بالاحترامِ، كنتُ أؤمنُ بأنِّي سأُصبحُ على ما يُرامُ يومًا ما، ولكنِّي الآنَ ما زِلْتُ مَكسورًا، وفي النِّهايةِ تمكَّنْتُ من تلقِّي بعضِ المُساعدَةِ، وبدأَ أشخاصٌ كثيرون حَولي في الظُّهورِ، وكانوا يُعانون من نفسِ المشكلةِ، وعندما بدأتُ طريقَ التَّعافي استطعتُ أنْ أُبعدَ هذا الشُّعورَ الدَّائمَ بالخجلِ عن نفسِي، وبدأتُ في التَّحسُّنِ، وكلُّ ذلك حدَثَ عندما خرجْتُ من الدَّائرةِ المُغلقةِ، وبدأتُ في التَّحدُّثِ عن مُشكلتي بطريقةٍ واضحةٍ؛ فكان هذا بمَثابةِ الأوكسجينِ بالنِّسبةِ لي، أنا لا أتحدَّثُ هنا عن كشفِ كلِّ شيءٍ للغُرباءِ، ولم أكنْ أهتمَّ بالتَّفاصيلِ، ولم أُطلِعَ أحدًا على تاريخِ البحثِ على المُتصفّحِ الخاصِّ بي، وأردْتُ أن أُثبتَ لنفسي أنِّي شخصٌ جديرٌ بالاحترامِ، وأنَّني قادرٌ على اجتيازِ إدمانِي والتَّعافي منه”

وهُنا نَقولُ لأبنائِنا المُقاتلين:

لا شيءَ سيجعلُ عمليَّةَ التَّعافي صعبةً بالنِّسبةِ لك أكثرَ من مُحاولَتِك أنْ تجتازَها مُنفردًا، نعلَمُ جَيِّدًا أنَّك تُريدُ الانتظارَ حتَّى تستطيعَ السَّيطرةَ على نفسِك، وهذا سيمنعُك من التَّحدُّثِ عن الأمرِ مع أيِّ أحدٍ، ولكنْ هذا سيُزيدُ من صعوبةِ الأمرِ، أمَّا تعامُلُك مع الأمرِ بوُضوحٍ وكشفُ الغطاءِ عنه سيُريحُكَ من إحساسِ الخجلِ والشُّعورِ بالذَّنبِ، وسيُصبحُ من السَّهلِ عليكَ التَّحدُّثُ عن الأمرِ مع عددٍ أكبرَ من الأشخاصِ، وسيُقدِّرُ الآخرونَ صَراحتَك حتَّى لو كنتَ مُدمنًا، ربَّما يكونُ من الصَّعبِ عليكَ التَّحدُّثُ في البدايةِ، ولكنَّ الأمرَّ يَستحقُّ المحاولةَ؛ لأنَّك ستفوزُ في النِّهايةِ.

كمَا نَقولُ للآباءِ:

لقد مَضى “وقتُ الكلامِ”، فإذا أخذْنا في الاعتبارِ مِقدارَ انتشارِ الإباحيَّةِ في الإعلامِ ومَدَى تَعرُّضِنا لذلكَ بشكلٍ يوميٍّ سواءً أكانَ ذلكَ عن قصدٍ أو بشكلٍ عَفَوِيٍّ، فإنَّ اعتقادَك أنَّ طفلَك لا يعلَمُ عن الإباحيَّةِ شَيئًا اعتقادٌ خاطئٌ، ومُحاولاتُك للسيطرةِ على هذا لنْ تُجدِي نَفعًا؛ حيثُ يحتاجُ طفلُك للشُّعورِ بالرَّاحةِ وعدمِ الخجلِ، كمَا يحتاجُ للشُّعورِ بأنَّك تَثِقُ به، ويجبُ عليكَ أنْ تُحذِّرَ أطفالَك من أخطارِ الإباحيَّةِ بشكلٍ واضحٍ، ويجبُ أنْ يكونَ بيتُك مكانًا يستطيعُ فيه أبناؤك طرحَ أيِّ نوعٍ من الأسئلةِ أو الكلامَ عن أيِّ شيءٍ يُقلقُهم أو أيِّ خطأٍ يَرتكبونَه دونَ حرجٍ أو خوفٍ.

لقد أخبرَنا جيسي أنَّ أسرته الآنَ تتكلَّمُ عن الإباحيَّةِ طِيلةَ الوقتِ (طبعًا بطريقةٍ مُناسبةٍ)، وأنَّ جميعَ أفرادِ الأسرةِ تقريبًا يمتلكونَ أقمصةً كُتِبتْ عليها عبارةُ: (حاربوا المُخدِّرَ الجديدَ)، وحتَّى بعضُ أقارِبِهم خارجَ نِطاقَ الأُسرةِ، ولم يَعُدْ النِّقاشُ حولَ الإباحيَّةِ شيئًا بشِعًا مُحرَّمًا لا يَصحُّ أنْ نتحدَّثَ عنه، بل هو شيءٌ يجبُ أن نفهمَه جيِّدًا وندرسَه ونعرفَ كيفيَّةَ التَّعامُلَ معه؛ لنحذرَ من مَخاطِرِه.

ونقولُ للشُّركاءِ في عمليَّةِ التَّعافِي:

إنَّ بإمكانِ أيِّ شخصٍ مُقرَّبٍ من المُدمنِ التأثيرَ عليه بشكلٍ إيجابيٍّ وتذكيرُه دائِمًا بأنَّه شخصٌ جديرٌ بالاحترامِ، وذلك عن طريقِ التَّواصُلِ معه بشكلٍ واضحٍ وصادقٍ، كمَا أنَّ الشَّريكَ قد مرَّ غالبًا بالكثيرِ من المَشاعرِ السَّلبيَّةِ، ولا مانعَ في أن يستخدمَ ما يتلقَّاهُ من مُسانداتٍ في مُساعدةِ شُركائِهِ، ولا تخجلْ أيضًا من طلبِ المُساعدةِ والمُساندةِ في المُقابِلِ، ويجبُ عليك أنْ تُساندَ شريككَ وأنْ يُساندَك وأنْ تعملا سويًّا على تطهيرِ علاقتِكُما من أيّةِ شوائبَ قد تَحولُ دُونَ تَعافيكُما.

ونقولُ لأبنائِنا المُقاتِلِين:

أحيانًا كثيرةً يكونُ النِّقاشُ حولَ الأمورِ ضروريًّا في حياتِنا، وربَّما نُواجهُ مُقاومَةً أو لا مُبالاةً من الآخرينَ، ولكنْ يجبُ علينا أنْ نُدركَ أنَّ كثيرًا من النَّاسِ يُعانونَ في صمْتٍ من هذه المُشكلةِ، وأنَّك إنْ لم تتحدَّثْ عنها ستُعاني مِنها وحيدًا لوقتٍ طويلٍ.

صديقُنا جيسي له أخٌ يصغُرُهُ سِنًّا وقد أرسلَ لنا عنهُ:

يقولُ جيسي: “أخي الصَّغيرُ تريفور يبلُغُ الآنَ أربعةَ عشرَ عامًا، وإنْ حاولْتُ التَّفكيرَ في أيِّ نتيجةٍ جيِّدَةٍ لإدمانِي فهي أنَّ أخي الصَّغيرَ أصبحَ الآنَ مُدركًا لِمَا مَررْتُ أنا به، وأهديتُه قميصًا كُتِبتْ عليه عبارةُ: “الحبُّ الحقيقيُّ لا يُمكنُ أنْ يكونَ على شبكةِ الإنترنت”، وهو يَرتديه طِيلةَ الوقتِ، حتَّى أنَّ أُمِّي أخبرتْني أنَّه عندما يجلِسُ يَقومُ بتعديلِ قميصِهِ حتَّى تظهرَ هذهِ العبارةُ بشكلٍ جَيِّدٍ، وعلى أيَّةِ حالٍ فأحيانًا ما يُصيبُه الغضبُ؛ لأنَّ النَّاسَ لا يسألونَ عن معنَى العبارةِ، ولكنَّه يُريدُ أنْ يُصبحَ مُحاربًا للإباحيَّةِ، بينَما أقرانُه في المدرسةِ يتحدَّثونَ عن المَواقعِ الإباحيَّةِ وكيفَ أنَّها تُعجبُهم، أمَّا هو فقدْ أُتيحَتْ له الفرصَةُ لِيُحدِّثَهم عن أخطارِ الإباحيَّةِ، وكيفَ أنَّها تُدمِّرُ الإنسانَ، كمَا أنَّه يُشجِّعُ أصدقاءَه على البحثِ عن ذلكَ، وإنَّه فخورٌ جِدًّا بذلك، والآنَ إنْ كانَ أحدٌ من أصدقائِه يُعانِي من الإباحيَّةِ فآملُ أنَّه سيذهبُ لأخِي؛ لأنَّه سيُساعدُه كثيرًا على التَّخلُّصِ من إدمانِه.

وقد أهديتُه قميصًا أحمرَ كُتِبتْ عليه عبارةُ: “الإباحيَّةُ تقتلُ الحبَّ” كمُكافأةٍ له، وأخبرتُهُ أنَّ هذا القميصَ سيُثيرُ إعجابَ الجميعِ.

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 23 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 421
  • عدد المهتمين: 154
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك