فضائح جنسية، وأعمال قذرة، ومدى تأثير ذلك علينا

يكاد لا يمر يوم إلا ونسمع عن فضائح جنسية هنا وهناك، وفي الأشهر القليلة الماضية ورد إلى علمنا أن جاريد فوغل، أيقونة الحملات الإعلانية لمطاعم Subway، كان يدفع مقابل ممارسة الجنس مع القُصَّر ومشاهدة المواد الإباحية للأطفال.
A+ A-

هل غرائزنا هي التي تربح المعركة؟

في 20 يونيو/ حزيران عام 2015م، تناهى إلى مسامع الناس اختراقٌ هائلٌ لبيانات آشلي ماديسون Ashley Madison (الشركة الأم Avia Life Media (ALM) ). ولمن لا يعرف هذه الشركة؛ فهي موقع يروّج بفاعلية لإقامة علاقات غرامية، وشعارهم الشهير أو بالأحرى "سيء السمعة" هو: " الحياة قصيرة، فلتقم علاقة الآن". وقد أعلن مخترقو الموقع أنه إذا لم تغلق آشلي ماديسون موقعها، فسينشرون بيانات شخصية منها أسماء وعناوين ومعلومات بطاقات ائتمان أكثر من 37 مليون عضو سجلوا في خدمتها، وهو الأمر الذي أجبر آشلي ماديسون على التدافع، هل كان هذا التهديد حقيقيًّا؟ هل يجب عليها غلق الموقع؟ وما الذي سيلحق بالشركة وبملايين الأشخاص الذين ستتغير حياتهم لو نُشرت هذه البيانات؟

إليك ما حدث، لم تغلق الشركة خوادمها وواصلت خدماتها، ونتيجة لذلك نشر المخترقون البيانات المسروقة، وصارت المعلومات الشخصية لملايين الأشخاص الذين سجلوا في الشركة من جميع أنحاء العالم منشورة على رؤوس الأشهاد. ومن الجدير بالذكر أنه نتيجة لهذه الكارثة تم إبعاد شخصيات معروفة منهم: جوش دوجار، والعديد من العاملين بالجيش والحكومة بما في ذلك شخصيات من البيت الأبيض. إذن الوضع لا يُحمد عقباه.

ذاك ما ستؤول إليه الأمور على المدى القصير، أما الآثار المدمرة طويلة المدى فستظل نارها مستعرة لسنوات. فقد كان نشر هذه البيانات كارثة، حيث انتهت زيجات البعض، وتضررت سمعة آخرين وفقدوا ثقة واحترام الناس، وآخرون تعرضوا للابتزاز. ومن الجدير بالذكر أن الأثر العاطفي لهذه الفضيحة كان جليًّا وبالغاً. هل لك أن تتخيّل أنك علمت بشأن  هذا الاختراق ومن ثم تتسائل: هل شريكي يخونني ثم تبحث عن بريده الإلكتروني؟ مجرد القيام بهذه الخطوات ربما يحفز الشك. ومن المؤسف أن ما يربو عن 30 مليون شخص من الذين قاموا بهذه الخطوات قد وجدوا شركاءهم استخدموا هذا الموقع بالفعل.

أعتقد أن آشلي ماديسون وصمة عار في المجتمع، ولكن ليست وحدها؛ لأن دور "الإله" الذي لعبه المخترقون كان له ضرر جسيم على حياة العديد من الأشخاص، حيث اختار بعض الأشخاص قتل أنفسهم هروبا من الفضيحة، وهذا ما أفادت به بعض المقالات، كما اختار آخرون الطلاق. ويا لها من مآسي!

هذه الفضائح تعطي انطباعاً سيئاً عن مجتمعنا، وذلك ما يحزنني. إنه لمن المخيف حقًّا أن الملايين من المتزوجين يسعون لإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج. ماذا دهى مجتمعنا؟ ما خطب عهود الزواج والوعود؟ ماذا حدث للشرف والنزاهة؟ أين نحن من القيم الجوهرية التي يشتدّ بها عضد المجتمعات؟ إن  للخيانة الزوجية ضرر بالغ على المجتمع بأسره؛ حيث إنها تضرب الثقة في مقتل، وتفكك أواصر العائلات.

وجدير بالذكر أن هذه البيانات قد فضحت الرجال، حيث أفادت التقديرات أن 90-95% من مستخدمي آشلي ماديسون كانوا رجالاً. وعلى فرض دقة هذه التقديرات، فهناك 3.7 مليون امرأة قد سجلت في هذه الشركة، بينما بلغت نسبة الرجال 33.3 مليون. نحن -معاشر الرجال- مَن نصنع هويتنا، نحن مَن تقوى المجتمعات على أيديهم، وإن الحضارات القوية النابضة بالحياة قائمة على العلاقات الصادقة، والرعاية المتبادلة، والوفاء بما تعهدنا به وتحمل تبعاته.

فضائح جنسية

يكاد لا يمر يوم إلا ونسمع عن فضائح جنسية هنا وهناك، وفي الأشهر القليلة الماضية ورد إلى علمنا أن جاريد فوغل، أيقونة الحملات الإعلانية لمطاعم Subway، كان يدفع مقابل ممارسة الجنس مع القُصَّر ومشاهدة المواد الإباحية للأطفال. وتعليقاً على ما ارتكبه جاريد فوغل، وصفه محقق فيدرالي بأنه " وحش"، وقد أقر جاريد واعترف بجريمتَي ممارسة الجنس مع قاصر، واستغلال الأطفال في المواد الإباحية.

أعقب هذه الفضيحة مزيد من المعلومات حول جوش دوجار. ولقد علمنا بعد نشر البيانات المقرصنة أن جوش أنشأ حسابين منفصلين، وعندما فُضح أمره اعترف أنه قد أقام علاقات غرامية، وأنه يعاني من إدمان المواد الإباحية، وما زال في صراع معه، وقد وصف نفسه بأنه " المنافق الكبير."

تلك القصص ليست مجرد قصصٍ تتحدث عن رجال تواقين للجنس، بل الأمر أبعد ما يكون من ذلك. يجب أن تكون تلك الواقعة جرس إنذار لنا جميعاً، ولم لا وهل منا مَن هو معصوم عن مثل ذلك؟ لقد سلطت تلك القصص المريرة الضوء على حياتنا الجنسية، وربما تكون نبراساً ينير طريقنا جميعاً. يجب أن نسأل أنفسنا: " ما الذي أدى إلى ظهور مثل هذا السلوك المدمر؟ وكيف نعالج هذه المشكلة؟ وبم يجب أن نصف هذا السلوك؟ بالتأكيد هذا السلوك غير أخلاقي، ولكن هل تعيننا تلك المسميات على تحديد المشكلة الحقيقية؟ بالطبع لا. هؤلاء الرجال اعتدوا على  فتيات مراهقات، وكانت لديهم مشكلات مع المواد الإباحية، وأقاموا علاقات جنسية خارج منظومة الزواج. لا شك أن هؤلاء الرجال قد آذوا أنفسهم، وعائلاتهم، وآخرين.

والسؤال هنا: ما هو التشخيص السريري الذي ينطبق على هؤلاء الأفراد؟ كمعالج نفسي، يمكنني الرد بأنه: طبقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية- الطبعة الخامسة (DSM-V)، لا يوجد تشخيص للإكراه الجنسي. ومن المؤسف أن جمعية علم النفس الأمريكية (APA) والعديد من المهنيين لا يعترفون حتى الآن بهذا النوع من القهر الجنسي كمشكلة يمكن تشخيصها.

دمر ملايين الأشخاص حياتهم بأيديهم ومنهم جوش دوجار وجاريد فوغل، وليس فقط حياتهم الخاصة بل أيضاً حياة عدد لا يُحصى من الأشخاص الآخرين. عندما ترى أشخاصاً يضعون علاقاتهم ومهنهم والآخرين على المحك، دون أن يطرف لهم جفن؛ من أجل الإشباع الجنسي، فأعلم أن هناك خطأ ما بالتأكيد. ما الذي يحمل شخصًا ما على مثل هذه المخاطرة؟ ماذا يجري داخل عقول الملايين الذين سجلوا في آشلي ماديسون؟ هل تملكتهم دوافعهم الجنسية وصاروا عبيداً لها؟ وكيف يختلف هؤلاء عن مدمن الكحول أو المخدرات الذي يعرض كل شيء للخطر من أجل مادته الإدمانية؟

ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن مَن يمارسون هذا السلوك الجنسي المحفوف بالمخاطرهم بشر أيضاً، سواء سميناهم مدمنين أم لا، بل ويشعر معظمهم باليأس والعجز وفقدان السيطرة على أنفسهم، ويعانون من سوء الفهم، ويعيشون تحت وطأة الخزي والعار والاضطرابات الداخلية، ولقد قيّدهم نمط حياتهم السري واستعبدهم. يجدر الإشارة إلى أن التعرض الجنسي الأول للعديد من الأشخاص كان قبل سن البلوغ ( فمثلاً يبلغ متوسط عمر مَن يتعرّضون للمواد الإباحية أحد عشر عاماً- البيانات مجمعة على www.assessingpornaddiction.com ) وفي حالات عديدة، يزيد التعرض الجنسي المبكر للمواد الإباحية من الدافع الجنسي للفرد؛ حتى إنهم ليندهشون من مدى تفكيرهم فيه. وتلك حال الكثيرين الواقعين في براثن القهر الجنسي. فبالرغم من أنهم يسببون المعاناة للآخرين إلا أنهم هم أيضاً يعانون في صمت.

هل ينبغي على المجتمع إدانة هؤلاء الملايين الذين سجلوا في آشلي ماديسون؟ أم ينبغي أن نصبَّ اهتمامنا أكثر على جذور المشكلة؟ ينبغي أن نبدأ بأنفسنا. انظر إلى نفسك في المرآة واسأل نفسك: كيف أقوِّي نفسي؟ وكيف أحمي أسرتي؟ يجب علينا جميعاً التعامل مع رغباتنا الجنسية بحكمة؛ لأننا كائنات جنسية ذوي رغبات وميول طبيعية، ولكن احذر! لأننا عندما نستسلم لميولنا الحيوانية، ونترك لها القيادة، ونهيم وراء غرائزنا كالأنعام، فإننا بذلك نحطُّ من قيمتنا وقدرنا، ونساهم في بناء مجتمع يتزايد مرضه باستمرار. نحن بحاجة إلى أن ننهض ونتغير للأفضل. لا ينبغي أن نقبل ثقافة يُهيمن فيها الجنس، وتعلو كلمته فوق كل شيء. ينبغي أن نجد طرقًا أفضل لتعليم أطفالنا وتوعيتهم. لم نُخلق لنرضخ لغرائزنا الحيوانية، بل خُلقنا لغرض أعظم بكثير.

  • اسم الكاتب: Kevin B Skinner Ph.D.
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: سارة حمدي علي
  • مراجعة: محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 26 يناير 2022
  • عدد المشاهدات: 841
  • عدد المهتمين: 168

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك