السعادة ضد الإدمان: لماذا ممكن علميا أن يقع أي شخص في براثن الإباحية؟

يعتقد الباحثون أن العادة يمكن لها أن تتطور إلى إدمان بإعطائها المحفز المناسب من الدوبامين والذي يثير السعادة، لذا في الحقيقة فإن أي شخص لديه عادة قد يصبح مدمنا لهذه العادة، لذا فإن أياً منا قد يصبح مدمنا في أي وقت، ولكن كيف يحدث هذا في الحقيقة؟
A+ A-

هل إدمان الإباحية موجود أصلا؟

هناك جدال قائم حاليا في وسائل الاعلام وحتي في الاوساط العلمية حول هل استهلاك الافلام الاباحيه ومشاهدتها بشكل لا يقاوم يمثل ادمانا حقيقيا. في الحقيقه ان جزء من المشكله يتمثل في ان الناس لم يتفقوا علي تعريف محدد وموحد لمعني كلمة “ادمان”. لذا لنعود إلي الأساسيات ونبدا من هناك.

في وقت ليس ببعيد كان هناك اعتقاد علمي ومجتمعي ان الادمان هو الفشل او يؤدي الي الفشل، فالمدمن لا يستطيع ان يقاوم الرغبه في ادمانه، كما لا يملك القدره ايضا ان يترك هذا الادمان. كانوا بمثابة ضحايا لايمكن مساعداتهم، ضحايا لطبيعتهم وشخصيتهم المتهوره، وكان الحل الوحيد لهم هو العقاب الشديد والصارم. ولكن لحسن الحظ، نحن نعلم الآن الكثير عن الإدمان، وقد لاحظ  العلم المعاصر أن بداية الادمان هي معادلة اكثر منها طبيعة شخصية، هيا بنا نتعمق في تلك الحقيقة.

السلوكيات، العادات، والإدمان

يتداخل المعني الدارج لاستخدام كلمة “إدمان” مع كلمة “عادة”، ولكن القدرة على إظهار الفرق بين المعنيين له درجة كبيرة من الأهمية. تظهر مردافات الكلمتين المعني بطريقة واضحة جدا.

العادة: هي التقليد، الروتين، الممارسة، النمط ، المعيار، التقليد.

الادمان: هو التثبت ، الاستحواذ ، الاعتماد، الاستعباد، الحنين، الإكراه.

العادة هي نمط لتصرف يبدا بمثير وينتهي بمكافأة لا تنسى، وعلى الجانب الآخر يبدأ الإدمان بتصرف يتطور إلى اعتماد كامل يتعارض مع الوظائف الطبيعية في حياة الشخص، ومع العمليات التي يقوم بها المخ،

هل تلاحظ الفرق؟

إن كلمة “إدمان” مشتقة من الكلمة اللاتينية والتي تعني “الاستعباد، أو الخضوع” ولكنك ستلاحظ أن كلا من الادمان والعادة يبدأ بتصرف وهذا من القواسم المشتركة بين الكلمتين.

يعتقد الباحثون أن العادة يمكن لها أن تتطور إلى إدمان بإعطائها المحفز المناسب من الدوبامين والذي يثير السعادة، لذا في الحقيقة فإن أي شخص لديه عادة قد يصبح مدمنا لهذه العادة، لذا فإن أياً منا قد يصبح مدمنا في أي وقت، ولكن كيف يحدث هذا في الحقيقة؟

الدوبامين

طبقا لتقرير أوردته منشورات هارفارد الصحية :” إن الدماغ يتعرف علي جميع أنواع السعادة بنفس الطريقة سواء بدات بدواء مثير نفسيا، مكافأة لا تنسى، لقاء جنسي، وجبة شهية. فالسعادة لها علامة مميزة في المخ. إطلاق الناقل العصبي (الدوبامين) في الدماغ، وهي عبارة عن عنقود من الخلايا العصبية تقع أسفل القشرة المخية- إطلاق هذا الدوبامين، دائما يرتبط في المخ مع الشعور بالسعادة، حيث يشير علماء الأعصاب لهذه المنطقة على أنها “مركز المكافأة”، وبمعني آخر فإن المفتاح الرئيسي للإدمان هو السعادة، وبدونها سيفقد الإدمان معناه ويصبح مجرد جائزة أو عادة.

إنه الدوبامين “مركز السعادة في المخ” والذي لديه القدرة أن يغير روتيننا اليومي، ممارساتنا، أنماط حياتنا، للعبودية. بالطبع هذا ياخذ بعض الوقت وتدخل فيه عوامل أخرى،

ولكن دعنا نبسط المعادلة: حينما نعتاد علي الدوبامين فإننا نحتاج لدوبامين أكثر في المرة التالية من أجل الوصول لنفس النشوة التي وصلنا إليها أول مرة، وهذا يتطلب فعل هذا التصرف أكثر وأكثر من أجل إطلاق الدوبامين، وكلما نعتاد أكثر على هذا الاحساس كلما نتكل أكثر على هذا التصرف الذي أنتجه، وطبقا للعلماء فإن الاعتماد الجسدي، العقلي، العاطفي والجنسي على نمط تصرف معين يعدّ إدمانا.

قضايا أساسية

ولكن انتظر، هناك المزيد، المشاعر السلبية مثل الحزن الغضب، الملل، انعدام الأمان … إلخ تقوي طبيعتك المحبة للسعادة من أجل أن تخفي أو تنسي هذه المشاعر حتى تصل للراحة، يمكن أن يكون بحثك عن هذه السعادة من أجل الهروب من الألم، وهذا من ضمن العوامل المؤثرة على الإدمان. حينما يتم استخدام التصرف للهروب من مشكلة عاطفية مثلا، فإن هذا التصرف يتغير من تصرف متوسط الاستخدام لمفرط. يتحول من عادة لإدمان.

علي سبيل المثال” يمكنك تناول قطعة حلوى يوميا بعد يوم عسير. وهذا التصرف ربما لا يضر اذا تم استخدامه بتوازن، ولكن إذا أسيء استخدامه أكثر من اللازم من أجل تخدير نفسك وإبعادها عن التفكير في تلك المشاعر، التعب أو الاكتئاب، فان هذا التصرف قد يتحول إلى إدمان، تقريبا في نفس اللحظة التي تبدا فيها بتناول الحلويات لكي تخفي المشاعر الصعبة، وهذا الاحتياج الي السعادة يمكن أن يخلق طريقاً جديداً في المخ يربط بين تلك المشاعر السلبية وبين الاحتياج أو الحنين إلى الطعام.”

هل شعرت بالحزن مسبقاً؟ بالوحدة؟ هل مكثت بالساعات تشاهد الأفلام والمسلسلات للهروب من الواقع ومشاكل الحياة؟ كلنا انتابنا هذا الإحساس سابقاً. وهذا جزء آخر من المعادلة، المشاعر: ولكن بالتأكيد هذا لا يعني أن الإدمان هو أمر محتوم علينا، ولا حتى بناء عادات جديدة أو الإستجابة للدوبامين تعني أننا مدمنين، ولكن الإدمان هو خطر معرضون له كلنا بشكل أو بآخر.

إذن ماذا عن الإباحية؟

حسنا، إذا كان نظام المكافأة في المخ عبارة عن تفسير عصبي للإدمان، وإذا تأثر إدماننا في نهاية الأمر باضطراباتنا العاطفية؟ إذن فما هي محددات هذا الإدمان؟

نظريا، فإن المخدرات تعتبر عوامل محفّزة للإدمان، ولكن مواد أخرى مثل ” المخدرات والكحول” تقوم بعمل تلاعب كيميائي عنيف في الدماغ.

لذا ماذا عن الإدمان؟ هل نصبح مدمنين فقط للأشياء التي تغيّر استجابتنا للدوبامين؟ أو هل يمكن أن تقودنا تصرفاتنا المطلقة للدوبامين الطبيعي للإدمان؟

علي سبيل المثال: هل يمكن أن نصير مدمنين علي التمارين الرياضية كما ندمن المخدرات أو الطعام أو التسوق أو الجنس؟

طبقا لتقرير هارفارد “اعتقد العلماء لسنوات عديدة أن الكحول والمخدرات القوية فقط هي التي تسبب الإدمان، إلا أن تكنولوجيا التصوير العصبي والأبحاث الحديثة أثبتت أن بعض الأنشطة التي تجذب السعادة مثل القمار، التسوق، الجنس يمكن أن تفعل ذلك أيضا بالمخ.”

اتضح أن السعادةهي السعادة، فالمخ لا يستطيع أن يفرق بين أسباب إطلاق الدوبامين مادام يٌطلق سواء كان سببه وجبة شهية، شراء حذاء جديد أو أخذ مخدر معين، جميعها سيّان بالنسبة للمخ.

ولذا بمعرفة كل ذلك فإننا نعلم الآن أن الإباحية يمكن أن تصير إدمانا،  فكل ذلك يتم بتأثير المخ، فإذا كان مشاهدة الصور الجنسية ينتج إحساسا بالنشوة في الدماغ، فإن المخ سيصدر إشارات لكي تعود إلي هذا الفعل مرة أخري لتحصل علي تلك السعادة. لذا فإن  التخلص من إدمان الإباحية هو في الحقيقة ينتج عن التخلص من تفسير الانخراط في العمل علي أنه “سعادة” في “مركز المكافأة” بالمخ.

لماذا ينتشر الجنس؟ هذا لأن البشر مبرمجين ليدركوا أن الإنخراط في الجنس يجلب السعادة. وهو وسيلة للبقاء. إنه من الطبيعي بنسبة 100% أن تحب الجنس، ولكن إذا لم يستطع المخ أن يفرق مثلا بين منشأ الدوبامين، فكيف يمكنه أن يفرق بين السعادة الناتجة عن الجنس الحقيقي وتلك الناتجة عن الصورة الجنسية؟ ، لا يمكنه ذلك!

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: عبدالله ماهر العشري
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 22 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 533
  • عدد المهتمين: 118
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك