الاعتداء الجنسي على الأطفال من نفس الفئة العمرية، وعلاقته بالإباحية والعار

عندما أصبحت ممرضة مختصّة بفحص الأشخاص المُعتدى عليهم جنسيًّا، لم يخطر على بالي يوماً أنّ الفئة العمرية لمرتكبي هذه الجرائم هم من الأطفال، وليسوا رجالاً كما هو متعارف عليه. لنكن صادقين، الإباحية هي سبب رئيس وراء هذه الاعتداءات وتغذيتها.
A+ A-

عندما أصبحت ممرضة مختصّة بفحص الأشخاص المُعتدى عليهم جنسيًّا، لم يخطر على بالي يوماً أنّ الفئة العمرية لمرتكبي هذه الجرائم هم من الأطفال، وليسوا رجالاً كما هو متعارف عليه.

لنكن صادقين، الإباحية هي سبب رئيس وراء هذه الاعتداءات وتغذيتها.

كاتبة المقال طبيبة أطفال ومتخصصة ( Heidi Olson) في فحص الاعتداءات الجنسية.

خلال حياتي المهنية كممرضة، أتلقّى العديد من النصائح، ولعل أعمق هذه النصائح وأهمها، تأتي من الممرضين ذوي الخبرة المتجذّرة على مدى سنينهم الطِوال في أروقة المستشفيات، ومن أهم هذه النصائح " ثِق بحدسك" عند التعامل مع المرضى. وكانت هذه النصائح غير منطقية لممرضة حديثة قد بدأت عملها للتوّ؛ لأننا هنا نتعامل مع حقائق وأرقام وإشارات حيوية لتشخيص الحالة المرضية. ولكن مع الأيّام أدركت أنّ "ثِق بحدسك" تعطيك بصيرة في الأمور المخفية وإشارات مهمة، والتي تحتاج إلى حدس غير عادي لإدراك حقيقتها 

في مستشفى أطفال كبير ومعروف، أنا أخصائية فحص وتشخيص حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال، عملي هو جمع الأدلة وفحص الإصابات وتقديم الدعم، ولاحقاً الشهادة في المحاكم المختصة لضحايا الاعتداء الجنسي. مهمتنا كمتخصصين هي فحص وتشخيص حالات الاعتداء الجنسي وجمْع الأدلة وتحليلها وإعطاؤها معنى بشكل رئيس.

حدسي الأول:

لا زلت أذكر بوضوح قبل عدة سنوات، عندما شعرت بشيء غير طبيعي بعد التحدث لوالدَيْ طفلة في الخامسة من عُمُرها،  تعرضت لاعتداء جنسي على يد أخيها الأكبر ذي الاثني عشر عاماً. كان هناك إخفاء واضح وغير مبرر وتلعثم بما يخص نوع الاعتداء، وفي نفس الوقت كان الوالدان المكلومان والباكيان يبحثان عن إجابة: لماذا فعل ابننا شيئًا كهذا؟ وعقلي كان غارقاً في محاولة منه الإجابة على نفس الأسئلة.

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن هذه السلوكيات العدوانية هي أفعال مكتسبة وليست غريزية، ولا يمكن أن يولد الأطفال بهذه النزعات العدائية تجاه بعضهم البعض. ولا شك أن العديد من المُعتدين من الأطفال هم أنفسهم ضحايا، وحدسي يخبرني أنّ هناك خيطًا مشتركًا ومسكوتًا عنه في معظم هذه الاعتداءات.

العديد من هذه الاعتداءات تحصل كنتيجة لانفتاح الجناة والمعتدين على هذه الأفعال من خلال الشاشات، إن مشاهدة الأطفال للعديد من السلوكيات الشاذة المليئة بالعنف وبدون توجيه مسبق وتفريق بين ما هو طبيعي وصحّي، وبين ما هو شاذ وعنيف يُغذي الميل لممارسة هذه الأفعال على الأطفال الآخرين. وهذا مؤشر خطير جدًّا ومهم؛ لأن الإباحية أصبحت متاحة وعنيفة ومتطرفة بشكل غير مسبوق، وهناك ارتباط وثيق بين الإباحية وبين تزايد هذه الاعتداءات بشكل خطير يدعو للقلق. 

وبينما كان عقلي غارقا في هذه التفاصيل، أشارت والدة الطفلين إلى وجود العديد من المقاطع الإباحية المكتشفة مؤخراً على هاتف ابنها متسائلة إن كان ذلك على صلة بما حدث مؤخراً لطفليها؟ وأنا لحظتها أدركت مدى تشابك هذين الأمرين معاً.

لا يستطيعون قيادة السيارات، ولكنهم متهمون بالاعتداء الجنسي:

عندما بدأت هذا العمل كممرضة مختصة بقضايا الاعتداء، كنت أظن أن الجاني ربما يكون على الأغلب رجلا في عَقده الستين، ويُغوي طفلاً بقطعة من الحلوى إلى أحد أقبية البنايات المخفية؛ ليقوم بجريمته بعيداً عن الأعين، ولكني حقًّا كنت مخطئة، منذ العام 2016 إلى العام 2018 حتى تاريخ كتابة هذا المقال، كان الجناة من الفئة التي تتراوح أعمارهم بين  11-17 عاما من الأطفال.

دعونا نفهم هذا الأمر للحظة، هؤلاء لا زالوا أطفالاً، حتى إنهم غير مهَرة بقيادة السيارات، ولكنهم متهمون بأخطر قضايا الاعتداء الجنسي في منطقتنا ( مدينة كنساس الأمريكية). ولنضعه في قالبه الصحيح، المستشفى الذي أعمل فيه يُعدّ من أكثر المستشفيات على مستوى الولايات المتحدة الذي يحتضن ضحايا الاعتداءات الجنسية، ومن الجدير بالذكر أن الجاني والمتهم هما من الأطفال، وبالتأكيد هذه ليست حالات فردية أو شاذة بالاعتماد على تزايد الحالات المضّطرد بشكل كبير.

كان من المزعج العلم بعدد جرائم الاعتداء المرتكبة من الأطفال بعمر 11 و 12 و 13 عاما التي كنت أتعامل معها، مما دفعني للبحث في تاريخ ضحايا الاعتداءات لأجد المئات من الحالات والتي ارتُكبت من أطفال، الإباحية لا شك هي أحد الأسباب المرتبطة، وفي بعض الأحيان الوحيدة والمؤثرة في هذه الممارسات العنيفة باتجاه الأطفال من نفس الفئة العمرية. أبحاثنا تشير إلى أنه من الضروري والملِحِّ أن نفهم ارتباط الإباحية كعامل مدمر لأطفالنا في هذا العالم.

الحالات المتزايدة من الاعتداءات الجنسية وأبطالها من الأطفال:

قصص الاعتداءات الجنسية تصدح في جميع أنحاء العالم، وبشكل مضطرد. ومع انتشار الإباحية وسهولة الوصول إليها، العديد والعديد من الأطفال يشاهدون بل يمارسون ما شاهدوه على الأطفال الضعفاء، وعلى الأغلب أقاربهم من الصغار، والأمر ليس محصوراً على على الذكور من الأطفال؛ لأن الإناث من الأطفال أيضاً يرتكبون هذه الجرائم بالمثل.

بعد أن تهدأ العاصفة، وفي اللحظات التي تلي مثل هذه المعاناة للعائلات، يصبح الجميع على استعداد لفهم ما حصل بالضبط، أو ربط الخيوط ببعضها، وهنا في قسم الطوارئ نسمع الحقيقة المرّة، وهي العلاقة الوثيقة بين الإباحية والاعتداءات الجنسية والتي كانت سبباً رئيساً ومباشراً  لتصرف الأطفال على هذا النحو. هم ضحايا الإباحية، التي صنعت منهم مجرمين، يمارسون أفعالهم على ضحاياهم من الأطفال. 

لقد رأيت الكثير مما لا أستطيع أن أُفصح عنه، العنف غير المبرر ناهيك عن فهمه، إلى اللحظات التي جعلتني أشعر بالغثيان أو حتى دفعتني للبكاء، أطفال في عمر الورود يرتكبون جرائم بشعة في حق أقرانهم من الأطفال، واعتداءات وحشية من مراهقين يعتقدون أن العنف الجنسي هو شيء طبيعي. 

أرى أطفالاً -وحتى قبل سن المراهقة- يعتقدون أن الممارسات الجنسية الشاذة هي أمر طبيعي. ناهيك عن القصص المقززة لمعتدين لا يلقون بالاً لضحاياهم وهم يتوسلون إليهم بشكل مستمر أن يتوقفوا، لماذا؟ لأنهم شاهدوا هذا العنف بأمّ أعينهم آلاف المرات، وهم الآن يمارسونه على أرض الواقع؛ بدعوى أنه سلوك جنسي طبيعي، تاركين وراءهم آثاراً نفسية مدمرة لضحاياهم، هم ليسوا بمنأى عنها.

توضيح: ليس من السهولة بمكان التعامل مع هذه القضايا، هناك نوع من العار والحساسية من طرف أهالي الأطفال المُعتدين، معظم الأهالي يُفضلّون عدم التحدث ناهيك عن الاعتراف أن هذه المأساة قد حصلت بالفعل، وأن أطفالهم جزء منها، ليس هناك العديد من المجموعات المتخصصة في العلاج النفسي، ولا حتى أي خدمات تُفرض من المحاكم للتعامل أو احتواء مثل هذه القضايا، ولذلك نجد عددا محدودا من الجِهات التي يمكن الاعتماد عليها، والتي تساهم في العلاج. والذي يزيد الأمر سوءاً أننا نعيش في ظل ثقافة مجتمعية تجعل من الإباحية أمرا طبيعيا، وترفض الاعتراف بصلتها البشعَة بالاعتداءات الجنسية ونشر ثقافة الاغتصاب.

بينما أرفض أخلاقيًّا الأفعال المنبثقة عن الاعتداءات الجنسية، وأنحاز دوما إلى ضحايا هذه الأفعال المشينة، من المهم بمكان أن نذكر أن الجناة أنفسهم ضحايا مجتمع لا يحميهم هم أيضا، أضف إلى ذلك الثقافة السائدة بأن الإباحية هي أمر طبيعي، وتَركهم عُرضة لمثل هذه العنف، بينما لا تكاد تجد أي مساعدة لهم تُخرجهم من دائرة الإدمان، وتمنعهم من الجريمة. هذا الجيل بأكمله قد أصبح مدمَّراً، براءة طفولتهم سُرقت منهم، هذه الطفولة التي اعتدنا على مر الأزمان أن تكون مليئة بالمغامرة والبراءة والاستكشاف، اليوم أصبحت هذه الطفولة مَعرضاً للعريّ، ناهيك عن الأفعال الجنسية العنيفة.

الجاني والضحية، وعامل الخزي: 

هناك العديد من العناصر المرتبطة بموضوع الاعتداءات والتي تدمي القلب، وأهمها أن الجناة الأطفال هم أنفسهم ضحايا. 

إن حساسية مثل هذه المواضيع في مجتمعاتنا تلعب دوراً سلبيًّا لإسكات أي توجه لطلب المساعدة لجميع الأطراف، معظم الضحايا يشعرون بالذنب  بشأن  الاعتداء، وأنهم بطريقة أو بأخرى كانوا سبباً في حصوله، ويخوضون في واقع صعب جدًّا محاولين فهم ما حدث. ولا شك أن الأطفال المنغمسين بالإباحية ومن ثم يمارسون ما شاهدوه بطريقة مؤذية، لا يجدون بدًّا من إخفاء الأمر عن الآخرين، فالمواضيع الجنسية والإباحية والممارسات الجنسية المرتبطة بها من النادر أن يتم طرحها على نطاق الأسرة أو حتى مقدمي الرعاية، حساسية هذه المواضيع المرتبطة بثقافة العيب في المجتمع ترسل رسائل خاطئة، وتؤدي إلى مشاعر مرتبطة بالإهانة والرفض والتخلّي. 

الصمت والاعتداء والإدمان على الإباحية في دائرة لا تنتهي مرتبطة جميعا بمشاعر الخزي أو ثقافة العيب في مجتمعاتنا؛ مما يعني أن الأطفال المعرضين دائما لخطر الإباحية ومن مستهلكيها نادراً ما يتحدثون إلى الراشدين طلباً للمساعدة؛ لأنهم غير متأكدين من وقْع ذلك عليهم، أو حتى كيف سيتصرفون حيال ذلك.

خلق بيئة آمنة للأطفال خصوصاً للمواضيع الأكثر حساسية في المجتمع لطرح مثل هذه القضايا، هو من أهم الخطوات التي يتعيّن على البالغين من الآباء ومقدمي الرعاية أو حتى الأوصياء على الأطفال توفيرها. وعكس ذلك يعني أن يسلك الأطفال منحنى خطيرا جدًّا بممارسة ما شاهدوه على الأطفال الأكثر ضعفاً.

الآلاف من الأطفال يتعرضون للاعتداء الجنسي كل عام، وذلك في الولايات المتحدة وحدها، مما يعني أن الآلاف من الأطفال هم جناة أيضاً، ناهيك عن التداعيات الخطيرة على الصحة العقلية والنفسية كأثر مباشر ينبثق عن تلك الاعتداءات والممارسات على طرفي المعادلة.

ولك أن تتخيّل جيلاً كاملاً يعاني من العنف الجنسي والصدمات اللاحقة خلال عشرين عاماً.

الطفولة البريئة في طريقها إلى الدمار بسرعة البرق، والإباحية هي السبب، وهذا لم يعد سرًّا، وحدسي لم يكن خاطئاً، ولكنّ الخبر السار، هو أننا نستطيع المساعدة.

ما هو الدور الذي يمكن أن نلعبه، في الحماية أولاً، وتقديم الدعم  والمساعدة والتثقيف؟

يجب أن يلقى الطفل الاستجابة الكاملة عند التحدث عن مشكلته مع الإباحية، وسواءً كان قد اقترف ذنباً بالاعتداء الجنسي أو كان من الضحايا، فيجب أن يُعامل بطريقة لائقة مع القبول. إذا تحدث الطفل عن تعرضه لاعتداء، يجب علينا أن نصدقه؛ لأن الأبحاث تشير إلى أن الأطفال والراشدين يقولون الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالاعتداء الجنسي.

حماية الأطفال وعدم وضعهم في موقف واحد مع الجناة هو أولوية قصوى؛ لأن ذلك يعطيهم شعورا بعدم الأمان، وربما يؤدي إلى صدمة جديدة، ومن المهم بمكان أن نَعي أن قبول الطفل وتشجيعه بأنه قام بالأمر الصائب وشكره أنه أفصح عن هذا الأمر يعد من أحد الاستجابات المهمة في هذا الصدد.

ونفس هذه الاستجابة يجب أن تُمنح للأطفال الذين أفصحوا عن مشكلتهم مع الإباحية، عدم الاستجابة أو التعامل على أساس العار أو الخجل يخلق عزلة، ويشجع الأطفال على الصمت المؤذي، ويصنع خوفاً لا مبرر له. فرصة الأطفال بالشفاء أو النمو أو التحدث عن هذه الحالات بالمستقبل تكون عالية عند خلق بيئة آمنة للطفل، يرى فيها حاضنة له للبوح والتعليم والحماية.

المساعدة: التركيب الفسيولوجي لعقول الأطفال، لا يُتيح لهم التعامل مع الصدمات والجنس المبكر. هم بحاجة للعلاج في حال أقدموا على العنف الجنسي أو في حال كانوا هم ضحايا لهذا الفعل.

بذل الجهد في فهمهم والتعامل معهم: الأطفال في الغالب يعثرون على الإباحية عن طريق الصدفة عند تصفحهم للإنترنت، تحدث لأطفالك قبل وصول هذه المرحلة، وأشعرهم بأمان للبوْح عن تجاربهم في هذا الصدد. تفقّد أجهزتهم الإلكترونية بشكل دوري؛ لأن الأطفال المعرضين للإباحية بشكل مستمر، هم الأكثر ميلاً لاقتراف الجرائم المرتبطة بها. تحدث لأطفالك عن أقرانهم، قم بتمكينهم وتعليمهم عن أعضائهم الخاصة أنها ملك لهم، ولا يُسمح لأيٍّ كان التصوير أو اللمس. 

التعليم: تحدث للآخرين عن خطر الشبكة العنكبوتية ، وناقشهم عن الارتباط الوثيق بين الإباحية والاعتداء الجنسي، وعن الطرق الآمنة لحماية الأطفال من هذا الخطر؛ لأن الوعي المجتمعي يساهم بشكل كبير في حماية الأطفال. 

ثِق بحدسك:

مع علمنا المسبق أن مواضيع الإباحية بشكلها الحالي وصلتها الوثيقة بالعنف الجنسي، هي مواضيع مرهقة نفسيًّا للجميع، ولكن من الأهمية بمكان إدراك هذا العالم الفاسد والماكر في آن واحد، والذي تصنعه الإباحية لأطفالنا، نصيحتي لكم: اتبعوا حدسكم عندما يتعلق الأمر بأطفالكم، لا يجب أن يمر شعوركم بعدم الراحة مرور الكرام. ضعوا أطفالكم في بيئة آمنة وليس بأفواهكم فقط، ردات فعلكم يجب أن تكون متوافقة مع وعودكم لهم بالأمان؛ ليعلموا أنهم قادرون على الإفصاح عمّا يصارعونه مع الإباحية أو في حال تعرضوا لاعتداء، الكثير من اللطف بالتعامل والحماية وليس العار والإنكار والذي يصنع فارقاً لأطفالكم معاً بالتزامن مع الأمان والاستجابة والاحتواء من مقدمي الرعاية، كل هذه الأمور مجتمعة تساهم في حماية وفي تسريع عملية الشفاء لأطفالكم.

  • اسم الكاتب: Fight The New Drug
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: خليل حامد
  • مراجعة: محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 6 يناير 2022
  • عدد المشاهدات: 781
  • عدد المهتمين: 156

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك