الزوجة البديلة: التعويض عن النساء بالدمى في العلاقات الحميمية!

إنني لم أصنع تلك الدمى لاتخاذها وسيلةً جنسيةً، ظننتُ أنها قد تكون تصميمًا جديدًا مغريًا أو ضربًا من الفنون التفاعلية، ولكن ما انهال عليّ كسيلٍ عارم من تعليقات تُوحي باستعمالها استعمالًا جنسيًّا جعلني أتماشى فقط مع ما حدث
A+ A-

أنشأ (مات ماكملن) شركتهُ من مِرْآبه سنة 1997، وكان يصنعُ دمى عرضٍ خليعة ومغرية، ولمَّا بدأ في بيعها إما على حدة أو جملة لشركات أخرى، وصلتهُ رسائل من زبائنه يطلبون فيها منه صنع دمى أكثر إغراءً مما أنتجه في بادئ الأمر، وقد بيّن (ماكملن) حقيقة مُنتَجِهِ قائلًا: 

«إنني لم أصنع تلك الدمى لاتخاذها وسيلةً جنسيةً، ظننتُ أنها قد تكون تصميمًا جديدًا مغريًا أو ضربًا من الفنون التفاعلية، ولكن ما انهال عليّ كسيلٍ عارم من تعليقات تُوحي باستعمالها استعمالًا جنسيًّا جعلني أتماشى فقط مع ما حدث.»

وقد استمرّ (ماكملن) في صنع منتجه (ريلدول). تجارة يعود دخلها بالملايين تدّعي أنها تُنتج "أجود دمى جنسية مصنوعة صناعةً يدويةً محليةً في الولايات المتحدة الأمريكية"، تشحن هذه الشركة من موقعها ولاية كاليفورنيا أكثر من عشرة دمى أسبوعيًّا لمختلف مناطق أمريكا، ولكن السؤال هنا: ما الذي يحوج الكثير من الناس لشراء بضائع كهذه؟ 

وصف (ماكملن) عملاءه في مقابلة أجرتها صحيفة Vice معه، فيقول:

«منهم مَن يشعر بالوَحدة كثيرًا، ولسبب ما لا يمتلك الرغبة أو القدرة على توطيد علاقات حقيقية، ومنهم مَن هم ضحايا الظروف، إما أنهم مروا بحدث معين قلب حياتهم أو شخص داس على قلوبهم، أو أن المرض استلّ منهم عزيزًا على قلوبهم، ولهذا لا يودون الخوض في غمار علاقة جديدة.»

وقد صرّح (ديڤكات) -اسم مستعار- عن نفسه وهو (IDollator) -أو عاشق للدمى-، وهو لقبٌ يُشار به إلى مَن تجمعه 'علاقة' مع الدمى، وأدلى بدلوه في حلقةٍ من حلقات البرنامج الصوتي Love+Radio مبررًا لجوءه للدمى بأنه لمَ يستحسن علاقةً غراميةً مزيّفة، فيقول:

 «المشكلة مع العلاقات السويّة أنها بين شخصين مغرمين ببعضهما، وكلاهما مُحبٌّ يكوّن تصوّرات ذهنية غير حقيقية عن محبوبه، والحقيقة أن المحبَّ مغرمٌ بتلك التصورات عن المحبوب، وليس المحبوب بعينه، ولكن في حالة العلاقة الغرامية مع الدمية المصنعة، كل شيء واضحٌ جَليّ، فلا خديعة ولا صدمة فظيعة، أيما تفعل تبقى هي كما هي، هذه حصيلة علاقة كهذه.»

قصة (ديڤكات) وغيرها من القَصص ليست بغريبة على المجتمعات الغربية، كما أن هذه الرغبة غير الفطرية بعلاقات منحرفة قد اجتاحت المجتمعَ اليابانيّ أيضًا، فقد اصطلح اليابانيون أيضًا على (Moe)، وهو لفظٌ عاميّ يُراد به مَن انحرف عن العلاقات الإنسانية السويّة إلى تخيُّل علاقات غرامية على الأغلب مع شخصيات الرسوم المتحركة أو غيرها من الشخصيات ثنائية الأبعاد.

أجرى Patrick Galbraith بحثًا وضمّنه في كتابه "The Moe Manifesto" وهو عبارة عن تصريحات لعاشقِي الشخصيات الكرتونية، ولقاءات مع الخبراء في هذا المجال ليتقصَّى هذه الظاهرة، وقد أعرب الأخصائي النفسيّ اليابانيّ Tamaki Saito عن رأيه قائلًا:

«(ال Moe) -أو هوس الشخصيات الكرتونية- تعلقٌ بشخصية خيالية، والمتعلق بها يُخيّل له بأنه يحقق رغباته في عالم افتراضيّ ثنائيّ الأبعاد، وطالما اعتقدتُ أن من لا يستطيع أن يُقيم علاقة حقيقية مع امرأة يلجأ لتحقيق رغباته في خياله، ولكن الأمر هنا أكبر من هذا، فيمكن أن ترغب بشيء في عالم ثنائيّ الأبعاد لا ترغب به في عالم ثلاثيّ الأبعاد -فتعيش في عالم مثاليّ وهميّ لا تود مغادرته-، ولو كان موجودًا فعلًا لأفسد هذا روعة الخيال الذي تعيشه.»

 ومنتجات (ريلدول) تُزوّد الآن بذكاء اصطناعي؛ لتبدو أكثر كالإنسان وقادرة على 'إقامة علاقة' عاطفية مُتَخيّلة مع مستخدميها. ويحتجُّ بعض الباحثين أمثال دكتور Matthias Scheutz في جامعة إنديانا الأمريكية بأن صناعة دمى مزودة بذكاء اصطناعيـ وتحب مقتنيها، وبسمات شخصية يفضلونها، وتخضع لإمرتهم بلا قيود؛ لَأمرٌ مفسدٌ للمجتمع ولمقتنيها أيضًا على سواء، فيقول في بحثه (المخاطر الكامنة وراء الارتباط العاطفي أحاديّ الجانب بين الإنسان والإنسان الاجتماعي الآلي[١]):

«نحن بحاجة إلى بحث تفصيليّ عن المخاطر التي قد يُسببها الإنسان الاجتماعي الآلي للبشرية، فقد تتضاعف وتُؤثر على المجتمع بأسره عندما نجلس مكتوفي الأيدي أمام ظاهرة الانصراف إلى الإنسان الآلي لإقامة العلاقات الشخصية.»

وتُنادي الحملة ضد الاستخدام الجنسي للإنسان الآلي بمنع الدمى الجنسية، وتحتجُّ بأنهم جسّدوا النساء على أنهن مجرد آلات للجنس، ويحرضون على تعنيفهن، ولقد صرّحت القائمة على الحملة الدكتورة Kathleen Richardson من جامعة مونتفورت البريطانية في مجلة Trauma and Mental Health Report بأن: 

«الاتجار بالجنس والترويج للاغتصاب الذي يُبيح معاملة الإنسان كمعاملة الجماد قد أحال مفهوم الجماع من أنه قضاء وطر بين الزوجين إلى مفهوم على ما يبدو أنه تصعيد للإباحية، وتسليع الإنسان، والاتجار به.»

وصرّح (ماكملن) لمجلة Vice مدافعًا عن بضاعته: 

«يا لها من فكرة مبشرة لو طُوّرت لتصل إلى درجة من الكفاءة يستغني بها الناس عن الاتجار بالبشر، فيشتري أحدهم مجموعة منها وهكذا تحلُّ مَحل البشر.»

والصراع القائم حول علاقة الإنسان بالإنسان الآلي ليس إلا في أبكر مراحله، وسيحتدم الصراع أكثر فأكثر مع تطور التقنية. ومن جامعة واشنطن، تُوجه Julie Carpenter الباحثة في هذا النوع من العلاقات خطابَها في صحيفة Forbes قائلةً: 

«الخلاصة أن التواصل بين الإنسان والإنسان الآلي عملية غير مُتبادَلة، وعلى ما يظهر أنها طريقة غير سليمة للأغلب إن اعتمدوا عليها لفترة طويلة، واستعاضوا بها عن علاقات الحب السوّية بين طرفين، أو استبدلوها بعلاقة وانتماء الإنسان للإنسان.»

ولقلة الدراسات التي أُجريت على ظاهرتيّ عشق الدمى وهوس الشخصيات الكرتونية؛ لا يزال الجدل قائمًا على ما إذا كانتا ظاهرتين مفسدتين لمَن يُوقع نفسه فيهما أم لا.    

[١] مصطلح يشير إلى الإنسان الآلي التلقائي الذي يستجيب ويتواصل مع البشر ويصدر سلوكيات وفق ضوابط اجتماعية مزودة في نظامه. (ويكيبيديا)

  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: رنيم آل زنان
  • مراجعة: محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 22 يناير 2022
  • عدد المشاهدات: 2K
  • عدد المهتمين: 154

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك