الانتكاسة نجاح مغلّف بخيبة الأمل

الانتكاس نجاح أو فشل حسبما تريد أن يكون، كما يقول كوري: «الانتكاس مجرّد فشل إذا سمحت له أن يكون كذلك .. تعلّمت أنّ الانتكاس يمكن أن يٌنظر إليه على أنّه مجرّد خطوة مؤقتة إلى الوراء
A+ A-

كيف نحوّل الانتكاسات من هزائم إلى انتصارات؟

بالضبط كالطّفل الصّغير الذي بدأ للتوّ يخطو خطواته الأولى، سيتعثّر كثيرًا، وسيسقط أيضًا، وكثيرًا ما سيحتاج لأحد أن يَمُدّ له يده ليساعده على النّهوض، أنتَ أيضًا قد تتعثّر على طريق تعافيك. الطبيعيّ في تلك الرحلة المسمّاة بالتّعافي السّقوط، وتقبّل ذلك السّقوط كونه أمرًا ممكنًا وليس حتميًّا ضروريّ. ولنغّير مفاهيم الانتكاسة السّلبيّة ونحوّلها لنقاط قوّة، علينا أن نعي بعض المفاهيم الأساسية في التّعافي:

التعافي الكامل والتعافي الجزئيّ: التّعافي الكامل هو التّوقف أو الكفّ عن المادّة الإدمانيّة مع بناء العادات الصحّيّة، والعمل على التّوصّل لجذور المُشكلة وحلّها، وتعلّم التّعامل السّليم مع العواطف والانتكاسات، بينما التّعافي الجزئيّ يكون بالكفّ فقط، دون أيّ عمل داخليّ، أو دون برنامج تعافي، واستمرار الهرب من المشكلات والضّغوط.

«صعب»  و«أصعب»: التّعافي من مشكلة الإباحية «صعب»  يسهُل مع الوقت، وهذا ما يجعل صعوبته مُحتملة ومقدورًا عليها، وكما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فالسّير على جادّة التّعافي معروفةٌ وجهته، مضمونٌ الوصول لنهايته، ونهايته وعدٌ حقّ = الجنّة. أما ترك التّعافي فهو«أصعب»، ذلك أن ذاك الطّريق محفوفٌ بالمخاطر والعواقب، وتتكالب على السّائر فيه الهموم والمصائب، ويصبح لا يفرّق بين الحقّ والباطل، والخير والشرّ، فهل ستختار الصعب أم الأصعب؟ إليك الخيار.

المهرب المحمود والمهرب المذموم: لمّا كان من طبعِ الحياة أن تجرّعنا مرارة الآلام والأوجاع والابتلاءات، كان من طبعِ الإنسان الميل للهرب منها؛ حتّى يستريح من عبء مواجهتها أو يخفّف عن نفسه وطأتها، والإدمان ليس إلا شكلًا من أشكالِ ذلك الهرب. وفي عالمنا اليوم، كل شيء حولك يوحي لك بذلك: اشرب أكثر، كل أكثر، اشتر أكثر، استخدم هاتفك أكثر، جمّلي نفسك أكثر، مارس الجنس أكثر.. اهرب اهرب اهرب.. وهذا الضّرب من ضروب الهرب مذموم بلا ريب. إنّ وعيك بمشاعرك وانتباهك متى تلجأ لتلك المهارب، ومن ثمّ استبدالك تلك المهارب المذمومة بالمحمودة وتعويد نفسك عليها، كالرّياضة التي تُمدّك بهرمون الدوبامين، أو القراءة التي تُهدّئ بالك، أو الصّداقات الصّالحة التي تُهوّن عليك ثقل الأيام وعيٌ حقيقيّ، وسنأتي على ذكر قائمة من المهارب المحمودة في آخر المقال.

الالتزام والدّافع: من المعروف وجود دافع قويّ بداية التّعافي مع وجود مثاليّة شديدة، لكن كثيرًا ما ينخفض هذا الدّافع تدريجيًا خلال الرّحلة، والاعتماد على الدّافع وحده لإكمال التّعافي فخّ ينتج عنه الانسحاب المُفاجئ، أو الاحتراق النفسيّ. بينما الالتزام يعني أن تبدأ بحماس البدايات، وأن تستمرّ حتى إرهاق النهايات، أن تمتلك إجابة قويّة عن سؤال «لماذا أتعافى؟» تذكّر بها نفسك كلما تخور قواك، أن تتخلّى عن عقليّة مثاليّة المئة بالمئة المنهكة المركّزة على النتائج، وتستبدلها بعقليّة المكافح الواعي المتعافي الراضي بسعيه.

الفضول والحكم السّلبيّ: هنالك استجابتان مختلفتان عند حدوث الانتكاسة: الفضول والحكم السلبيّ. الفضول هو أن تبدأ في البحث عن أسباب الانتكاسة مباشرة، أن تقرأ وتتعلّم شيئًا جديدًا يساعدك، أن تسأل نفسك من باب الاستفهام لا التّوبيخ: كيف حصلت؟ ما الذي كنتُ أفعله للتوّ؟ وأن تسأل: كم السّاعة؟ وما اليوم؟ وما شعوري الآن؟ وما المشاعر التي سببت لي العودة للسّلوك القديم؟

أما الحكم السّلبيّ هو أن تُدين نفسك بحكم سجن الإدمان الأبديّ، وأن تُسمّي نفسك فاشلًا، أو مدمنًا يائسًا، أو أن تطلق على نفسك تشخيص المريض الذي لا يرجى شفاؤه، أو أن تصف نفسك بأنّك الذي لن يحبّه أحد، ولن يرغب بالزّواج منه أي أحد.

محاسبة النفس وجلد النفس: محاسبة نفسك تعني معرفة أنّ عليك تولّي مسؤولية الانتكاسة والخروج منها، فتجلس جلسةً هدفك منها دراسة الانتكاسة وفهم مسببّاتها، والتعلُّم منها، وأن تطلب المساعدة إذا احتجتها، وأن تكون بمحاسبة نفسك أقرب لها، وأعطف عليها كما تعطف على صديقك في التّعافي إن مرّ بتعثّر. أما جلد نفسك يعني أن تفرض على نفسك العقاب النفسيّ على ما حدث دون أن تتّخذ إجراء حقيقيّ للتّعامل مع الأمر، ظنًّا منك أنّ الجلد سيجدي نفعًا، وأنّ العقاب الذي تُلحقه بنفسك سيردعك المرّة القادمة -وهو في الحقيقة يجعلك أكثر قابليّة للانتكاس- وأن تُلقي على نفسك أنواع الشتائم والمُسميّات التي لن تقولها أبدًا لأحد غيرك.

ما الانتكاسة في إدمان الإباحيّة؟

هي العودة والاستغراق في سلوك استخدام الإباحية بعد الالتزام بالكفّ عنها لعدّة أيّام، فنحن هنا لا نتكلّم عن الهفوات ولا الزلّات، وقد تحصل الانتكاسة بعد مدة طويلة أو قصيرة من الالتزام.

الانتكاس سُنّة كونيّة

بالضبط كأوراق الشّجر، تراها هشيمًا في الخريف، وتصيرُ للعدم في الشّتاء، ثمّ تعود مُخضرّةً نضرةً في الرّبيع. تلكم الصّورة صورة واقعية لحقيقة التّعافي. قد يستديم ربيعُ تعافيك لفترة طويلة جدًا، ثم يباغتك خريفُه أو شتاؤه على حين غرّة، وتقبّلك بأنّ ذلك أمر طبيعيّ ومحتمل يقيك من اتساعها، وينمّي لديك حِسّ التّعاطف مع نفسك عوضًا عن القسوة عليها، كما يساعدك على تجاوز تلك المرحلة والاستعانة بها على الاستمرار بالتّعافي.

الانتكاس مُحتمَل وليس أمرًا محتومًا

هذا يعني أن تحيا بروح المُجاهد لهواه ونفسه، المُحسن الظنّ بربّه المطمئنّ بأن كلّ ما في الكون يقف في صفّه ليجعل تلك المشكلة في طيّ النسيان، وألّا تدّخر جهدًا ولا زادًا ولا سلاحًا إلا وبذلته وشَهَرْته أمام عدوّك، ومع ذلك تعرف أن الهزيمة ممكنة، وتتقبّل حدوثها إن حدثت، وألّا تستسلم لها باسم أنها طبيعيّة ولا بدّ منها! لكلّ جوادٍ كبوة، ولكنّ ذلك لا يُنهي الحرب، ولا يعني استمرار الهزيمة، ولا يمحي كل الانتصارات السّابقة.

أنت المتحكّم في رؤيتك للانتكاسة

الانتكاس نجاح أو فشل حسبما تريد أن يكون، كما يقول كوري: «الانتكاس مجرّد فشل إذا سمحت له أن يكون كذلك .. تعلّمت أنّ الانتكاس يمكن أن يٌنظر إليه على أنّه مجرّد خطوة مؤقتة إلى الوراء بغضّ النّظر عن مدى خيبة الأمل التي تشعر بها حيال ذلك في ذلك الوقت، فإنّه دائمًا ما يكونُ شيئًا مهمًّا تتعّلم منه الاستمرار.» الأمر أشبه برياضة تسلّق الجبال، فمتسلّق الجبال يجب أن يتعلّم جيّدًا كيف ينزل كما يتعلّم كيف يصعد، وإلا فإنّه إن سقط، سقط سقطةً قد يتعرّض بسببها للموت، والأمر نفسه في التّعافي، إن لم تتعلّم كيف تتعامل مع الانتكاسة وتجنّبت فكرة الوقوع بها، أنت معرّض لأن تزلّ قدمك أكثر من غيرك وأن يتزايد خوفك منها مع كل مرة ترتقي فيها في تشافيك.

بعض الخطوات العمليّة لتحويل الانتكاسة لصالحك

انتكس بفنّ: يقولون بأن الضربة التي لا تقصم ظهرك تجعلك أقوى، لذا إن حدثت لك انتكاسة أو رأيت رايات الانتكاسة تلوح من بعيد منذرةً قدومها، انظر لها على أنّها نوع من الإبداع الذي يجعلُك تبتكر حلولًا جديدة، أو أن تتّخذ قرارًا صعبًا، أو أن تغيّر معتقدًا أو فكرة سلبيّة. 

جرّب صنع «صندوق الطُّمَأنينة»: أحضر صندوقًا وزيّنه كما تحبّ، وضع فيه كلّ الاقتباسات من آيات أو أحاديث أو مقولات تؤثر فيك تطمئنك وتردعك عن الانتكاس، أو أفكارًا لأنشطة تحبّها، أو مسائل رياضيّة أو ألغاز. أو جرّب أن تكتب قصّة عن نفسك، تصف فيها بطولاتك، كيف مررت بالرّغبة ولم تستسلم لها، وكيف صبرت حينما نفد منك زاد الصّبر، أو اكتب شعرًا، أو رسالةً لنفسك تطمئنها بأنها ستُشفى، وأنها ستنال ما تودّ نيله حتمًا.

كن باحثًا علميًّا: دوّن يوميّاتك وكأنك عالم يجمع بيانات عن دراسة له عنوانها: «كيف نتجنّب الانتكاسات في التّعافي»، ابحث بشغف، فالانتكاسة مصدر علميّ غنيّ إن أحسنتَ استخدامها، دوّن كل التّفاصيل من زمان ومكان، وأفكار ومعتقدات، ومثيرات ومحرّضات، ومشاعر وأحاسيس، ثم حاول أن تجد روابطًا بين الأحداث، كالمحققّ الذي يحاول أن يحلّ قضيّة، حاول أن تجد نمطيّات معيّنة، مثل: كلما تخرج عائلتي > أُكثِر من استخدام الإنترنت > أتصفّح اليوتيوب > أنتكس. أو حاول أن تجد أسبابًا ونتائجها، مثل: أشعر بالوحدة، فينتج عن ذلك رغبتي بتجنّبها. أو متلازمات أو مثيرات شرطيّة، كالسّرير أو سماع أو رؤية شيء معيّن يسبب لك الانتكاس.

ابدأ بعدّ الرّغبات التي انتصرت عليها: للذين يتسبّب لهم تصفير العدّاد بالإحباط أو سئموا تصفيره؟ لا بأس، هنالك طرق أخرى:

- ابدأ بعدّ الرغبات التي لم تستسلم لها وانظر لها على أنها نجاحات، ولا تُركّز على الانتكاسات.

-  قم بعدّ أيّام تعافيك، واخصم منها أيّام الانتكاسة فقط، واستمرّ بالعدّ هكذا.

اجعل أسباب الانتكاسة سبيلًا للثّبات: أسباب انتكاستك = مثيراتك أو محرّضاتك = حدودك الحمراء. فمثلًا إن كان سبب انتكاستك إطلاق النّظر، هذا يعني أنّ من مثيراتك  إطلاق النّظر، وهذا يعني أيضًا أنّك يجب أن تحذر من  إطلاق النّظر. الانتكاسة تعلّمك أوقات ضعفك حتى تتجنّبها، واحتياجاتك الجسديّة أو النفسيّة أو العاطفيّة حتّى تسعى في تلبيتها، وتعلّمك نوع المشاعر الذي تهرب منه حتى لا تكبته أو تقمعه.

اكتب خطّة المواجهة: على الأرجح أنك تمتلك خطة الهروب، ولكنّك لا تملك خطة المواجهة. خطّة المواجهة أو خطّة العودة هي خطّة مكوّنة من خطوات عمليّة مرتّبة تبدأ بتنفيذها مباشرة بعد الانتكاسة.

مقترح لخطّة العودة:

- الاغتسال.

-  صلاة التّوبة والاستغفار باليدّ ١٠٠ مرّة.

- قراءة ربع حزب من القرآن.

- التّطهير السمعيّ والبصريّ: تأمُّل في الطّبيعة لعشرة دقائق، وسماع القرآن لعشرين دقيقة.

- الرّياضة لمدة ربع ساعة.

- ممارسة الهوايات لنصف ساعة، كصنع حلوى صحّية، أو رسم، أو قراءة.

- سماع محاضرة في التعافي.

- كتابة اليوميّات بطريقة الباحث العلميّ عن أسباب الانتكاسة والشّغوف السّاعي في إيجاد الحلول.

- مراجعة خطّة التّعافي وخطّة الهروب، والتعديل عليها إن اُحتيج لذلك.

- إنشاء قائمة المحظورات: العودة ليوميّات سابقة تستخلص منها أسباب الانتكاسات وتستشفّ منها المثيرات، وقد تضيف لها.

قائمة بالمهارب المحمودة:

- التّنفس العميق.

- الرياضة.

- الاستحمام بالماء البارد.

- تلقّي الدّعم من شركاء التعافي.

- سماع القرآن.

- الذّكر والدّعاء والنّجوى.

-الرّسم.

- المشي.

- قراءة كتاب.

- الجلوس في مكان هادئ والتّأمل.

أفكار أكثر تجدها في هذا المنشور على قناتنا


  • اسم الكاتب: رنيم الزهراني
  • اسم الناشر: aya gamal
  • تاريخ النشر: 28 نوفمبر 2023
  • عدد المشاهدات: 2K
  • عدد المهتمين: 55
  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك