الإباحية قضية صحة عامة… مبالغة أم حقيقة؟

تشكّل الإباحية خطراً على الصحة العامة،مما يؤدي إلى مجموعة كبيرة من الآثار الفردية، والعامة، والأضرار المجتمعية
A+ A-

قامت بعض المجالس التشريعية، في الولايات المتحدة، في الآونة الأخيرة، بإصدار قرارات، تعلن أن الإباحية، قضية صحة عامة، وتنص هذه الإعلانات تحديداً على: "تشكّل الإباحية خطراً على الصحة العامة،مما يؤدي إلى مجموعة كبيرة من الآثار الفردية، والعامة، والأضرار المجتمعية".

ودعا القرار أيضاً إلى اعتراف موحد، بالحاجة إلى التعليم، والوقاية، والبحث، وتغيير السياسات، على مستوى المجتمعات. من أجل التصدي، لهذا الوباء، الذي يضر بأفراد الأمة.

كما أصدر مجلس ولاية فرجينيا، قراره ضد الإباحية بأغلبية 82- 8، كذلك أصدرت مجالس جنوب داكوتا، ويوتاه، قراراتها بالإجماع، من مجلس النواب، ومجلس الشيوخ. وتنظر ولايات أخرى في إصدار قرارات مماثلة، تعترف رسمياّ بالأضرار الكبيرة للإباحية، على أفراد المجتمع.

ويأتي كل هذا التغيير في الولايات المتحدة، عقب تصويت بالإجماع في البرلمان الكندي. لإجراء دراسة شاملة، على مستوى البلاد، لمعرفة أضرار الإباحية، على الصحة العامة.

رد الفعل:

كانت استجابة المواطنين لهذه القرارات، غاية في الروعة. فمن ناحية، شعر عدد منهم بالارتياح؛ لأن المسئولين قد اعترفوا بمشكلة لم تحظَ -من وجهة نظر المواطنين- باهتمام كافٍ، مقارنةّ بقضايا الصحة العامة الأخرى، وأكثر هؤلاء، أفراد، وأُسر، عانوا من الآثار السلبية للإباحية، على حياتهم، وحياة من يحبونهم. ومع ذلك، من ناحية أخرى، يرى بعض المواطنين، أن هذه القرارات نفسها تمثل مشكلة؛ نتيجة ثلاثة مخاوف لديهم وهي:

الأول: تتلقى الإباحية اهتمامًا زائدًا

عبر البعض عن قلقهم من أن  الإباحية تحظى باهتمام كبير، مقارنة بالقضايا الاجتماعية الأخرى، متهمين مجالسهم التشريعية، بتشتيت الانتباه، عن مشاكل أكثر أهمية.

كما علًق أحد الأشخاص في إحدى  الصحف: "أعتقد من السخف، أن نتحدث عن الإباحية، أو أي شيء آخر. فهناك الكثير من القضايا الأكثر أهمية مثل: الإرهاب، وحدودنا، واقتصادنا. لا ينبغي علينا أن نشعر بالقلق، إزاء الإباحية".

وأضاف آخر: "لدينا قضايا أكبر، تستحق الاهتمام، أكثر من موضوع الإباحية، فما علاقة الإباحية، بأزمة الصحة العامة؟".

ردنا: لماذا يجب أن يكون الاهتمام الاجتماعي لعبة محصلتها صفر؟

لحسن الحظ، لا يوجد حد، لعدد القضايا التي يمكن أن نقلق بشأنها، في مجتمعنا.  فكون الشخص مهتمًا بحماية البيئة، لا يعني أنه لا يمكنه أيضًا الاهتمام بالمساواة بين الجنسين في مكان العمل.

كما أن زيادة القلق، بشأن الاتّجار بالجنس والاستغلال، لا يمنعنا من الاعتراف بأهمية  الاقتصاد، أو توفير الرعاية الصحية في مجتمعاتنا.  ونحن في (واعي) لا نقول بأن الإباحية، هي المشكلة الوحيدة في مجتمعنا، أو حتى أكبر مشكلة في مجتمعنا، لكنها  تهديد غير معترف به،  يستهدف الشباب في الأعمار الصغيرة.

الثاني: هذه القوانين ستؤدي لفرض الرقابة

بالنسبة لآخرين ينتقدون هذه القرارات، فإن هناك مخاوفَ أخرى، من أن الهيئات التشريعية، تبالغ في تقدير مشكلة الإباحية. أو تجعلها أسوأ بكثير مما هي عليه بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، يشعر آخرون، بالقلق من أن هذه القرارات، تمثل خطوة خطيرة، نحو التعدي على الحقوق الشخصية، والحرية الجنسية.

وهو رد فعل غريب، باعتبار أنه لم تُذكر الرقابة، أو حجب الإباحية، في أي من القرارات الصادرة، من قريب ولا من بعيد. ومعظم الأشخاص، الذين يعبرون عن قلقهم بشأن الإباحية، لا ينادون برقابة البالغين على المواد الإباحية، بل يطالبون بالتعليم وحماية الأطفال الصغاروالمراهقين. ودعوتنا في (واعي) لتثقيف الناس بمخاطر الإباحية ليس مراقبة لهم.

الثالث: عدم توافر أدلة علمية

هناك ادِّعاء شائع، بأن العلم لم يثبت شيئًا بخصوص الإباحية. ويقول مقدمو هذا الادّعاء: تلك القرارات الصادرة، جاءت نتيجة تحفظات أخلاقية، ودينية، تجاه الإباحية، دون إجراء أبحاث تدعمها. وأن هذه الادّعاءات، نادرّا ما تلتفت إلى الدراسات، أو الأدلة، المشار إليها في تلك القرارات.

نشر مؤخّرًا الدكتور جون فوبرت -وهو أستاذ جامعي في جامعة ولاية أوكلاهوما، وخبير بارز، في مجال العنف الجنسي- مقالًا بحثيًا، يُبرز بعضًا من أضرار الإباحية، على الصحة العامة، ويسلط الضوء بشكل خاص على البحث في ثلاثة مجالات تؤثر فيها الإباحية، على صحة المجتمع، وهي: تغيير وصلات الدماغ، والضعف الجنسي، والعنف الجنسي. دعونا نتناول هذه النقاط بشيء  من التفصيل.

تغيير وصلات الدماغ:

يشير الدكتور فوبيرت، إلى أن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة، على أن الإباحية تؤثر على نمو الدماغ، وخاصة عند الشباب، ويلاحظ كذلك، أن عددًا من أقوى دراسات المخ، والمواد الإباحية، تأتي من التحقيق في فحوصات الدماغ، ويقول موضحًا:

"في إحدى التجارب، تم فحص أدمغة الرجال، أثناء مشاهدتهم للإباحية. عندما نظر أطباء الأمراض العصبية إلى نتيجة الفحص. لاحظوا أن أدمغة الرجال، تتفاعل مع النساء كما لو كانت أشياء، وليست أشخاصًا، هذا أمر مهم؛ لأنه يعتبر عملية تجريد للشخص من إنسانيته، مما يجعل العنف ضده أكثر قبولّا بدرجة كبيرة."

كما يقول الدكتور مشيرًا إلى دراسة أخرى:

"للتعمق أكثر في هذه الظاهرة الدماغية، قام مجموعة من أطباء الأعصاب، بدراسة المزيد من فحوصات الدماغ، لأشخاص يشاهدون الإباحية، وقد استخدموا تصميمًا تجريبيًا، لتوضيح وإظهار السبب والنتيجة،  فوجدوا أن الأشخاص الذين يشاهدون  الإباحية، بمعدل كبير، يصبحون أقل قدرة، على انتظار الإشباع -بالزواج- من الأشخاص الذين يشاهدون الإباحية، بمعدل أقل، كما تظهر دراسات المخ الآن، أن مشاهدة الإباحية بكثرة، تؤدي إلى إبطاء  ذاكرة المدى القصير."

مدهش. أليس كذلك؟ تُظهر البحوث أيضًا أن الإباحية، تُعيد صياغة السلوك الجنسي، لدى عدد كبير من الأجيال الصاعدة، فمع احتواء الإباحية على الإنترنت على كم كبير من العنف والعدائية، يتم دمج هذه المفاهيم -العنف والعدائية- مع الجنس، في أدمغة شباب اليوم التي ما زالت في طور النمو.

الضعف الجنسي:

يسلط الدكتور فوبير -في مراجعته للأبحاث- الضوء أيضًا، على الطريقة المدمرة، التي تؤثر بها الإباحية، على الصحة الجنسية، لجيل الإنترنت، ويستشهد في مقاله، بالبحث الذي يُظهر، أن معدلات ضعف الانتصاب، في ازدياد لدى الشباب، ويظهر كذلك أن هناك دليلًا قويًّا، على أن هذا يرتبط مباشرة، بالمشاهدة باستمرار  للإباحية، كذلك يقول الدكتور مستشهداّ بعشرات الدراسات:

"في أربعينيات القرن الماضي، كان أقل من 1٪ من الرجال دون سن الثلاثين، يعانون من ضعف الانتصاب، في عام 1992، كان 7 ٪ من الرجال تحت سن 30 يعانون من ضعف الانتصاب، والآن تظهر العديد من الدراسات الحديثة أن 30٪ من الشباب، يعانون من ضعف الانتصاب. وفي السنوات العشرة الأخيرة فقط، تضاعف معدل ضعف الانتصاب، في الجيش الأمريكي.

وإذا وصلت مشاهدة الشخص للإباحية، إلى مستوى الإدمان، فمن المرجح أن يكون مصابًا بضعف الانتصاب، بنسبة 60٪. وجميع هؤلاء الرجال يعانون من ضعف الانتصاب، عندما يكونون مع شريكهم، ولكن ليس عندما يكونون بمفردهم يشاهدون الإباحية."

العنف الجنسي:

تعتبر الأبحاث التي تربط الإباحية بالعنف -والتي يقول عنها د. فوبيرت أنها: حاسمة- ذات أهمية خاصة، عندما يتعلق الأمر بوصف الإباحية، كأمر متعلق بالصحة العامة، يقول موضحًا:

"أكثر من 100 دراسة تُظهر أن استخدام المواد الإباحية، يرتبط بمجموعة واسعة من السلوكيات العنيفة، ويعد سبباّ لها (وهذا واضح من خلال الدراسات التجريبية).

كما تُظهر أكثر من 50 دراسة، وجود علاقة قوية بين الإباحية، والعنف الجنسي، والنتائج واحدة في دراسات تجريبية مترابطة، تمت بشكل طولي، ومستعرض: مشاهدة الإباحية ترتبط بالعدائية الجنسية بشكل مباشر"

مرة أخرى، يقول الدكتور -مشيرًا إلى عدد متزايد من الدراسات-: إن مشاهدة الإباحية، تزيد من احتمال ممارسة الشخص لعنف جنسي، ضد المرأة، خاصة إذا كان الرجل يتّصف بالتهور والاندفاع، أو كان يشاهد الإباحية باستمرار.

يعرض الدكتور أيضًا، دراسات تُظهر أن الرجال، الذين يفضّلون الجنس غير الشرعي، والذين يتّسمون بالعدوانية تجاه النساء، أكثر عرضة للتعدّي على النساء، إذا ما اعتادوا على مشاهدة الإباحية. ويشير إلى أن مشاهدة الإباحية باستمرار، ليست سبباً مباشراً للعنف الجنسي بحد ذاته. وإنما يزيد من احتمال حدوث ذلك العنف، إذا ما توافرات عوامل أخرى، كتفضيل الجنس غير الشرعي، وعدم احترامه للمرأة، ويختتم الدكتور كلامه قائلاً: "إذا كان ينوي أيٌّ منكم أن يقضي على العنف الجنسي، فيجب أن يعالج قضية الإباحية؛ حتى تكون حلوله ذات جدوى".

ختامًا:

على الأقل، يجب على منتقدي القرارات التي تُولي اهتمامًا بالإباحية، أن يعترفوا أن مسألة عدم وجود دليل، هي شيءٌ مضلل غير صحيح؛ حيث تبرهن الأدلة، التي توثّق أضرار الإباحية، على الحاجة إلى زيادة الإنفاق، والبحث، لمعرفةٍ أكثر وضوحًا، لآثار الإباحية؛ حيث تتسم تلك الآثار بالتعقيد، وأنها بحاجة إلى البحث.

لكن الجهود الرامية، إلى إغلاق التقييمات المسئولة عن أضرار الإباحية، والمحادثات الاجتماعية حول هذه التأثيرات، تعتبر ذات أهمية خاصةّ، عندما يتعلق الأمر  بالشباب، ومع كل هذا على المحك: لماذا لا يرغب أيُّ شخص بالتحقيق في أضرار الإباحية بشكل أكبر؟

  • اسم الكاتب: Fight The New Drug
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: د. محمد عبد الجواد
  • مراجعة: أ. محمد حسونة
  • تاريخ النشر: 3 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 1K
  • عدد المهتمين: 157

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك