هل يمكن أن تؤثر الإباحية على العلاقات الحميمية؟

يُعتبر البشر كائنات عاطفية، يحتاجون إلى بعضهم البعض. نحن مُبرمجون كي نتواصل معا، كما أننا ننتعش ونسعد أكثر، في وجود العلاقات الدائمة، السعيدة.
A+ A-

يُعتبر البشر كائنات عاطفية، يحتاجون إلى بعضهم البعض. نحن مُبرمجون كي نتواصل معا، كما أننا ننتعش ونسعد أكثر، في وجود العلاقات الدائمة، السعيدة.

في خضم احتياجاتنا الاجتماعية، للتواصل والانتماء، يحتاج الكثير من الناس إلى العواطف والرومانسية أيضا. في الواقع، يحب معظم البشر الرومانسية. لذلك، فليس من المفاجئ أن نَعْلَق في أي شئ، يمكن أن يحسن علاقاتنا الرومانسية.

لذا، ماذا عن الإباحية؟ هل سمعت قبلا عن شخص يقول: "إن الإباحية تساعد علي تحسين العلاقات الرومانسية؟ أو أن الإباحية، تمثل طريقة جيدة لزيادة أواصر العلاقة وإحمائها، بين الشريكين؟ غالبا يسلك الجدال هذا الطريق. او يقول: ربما لا تمدك الإباحية بالجنس الحقيقي، لكنها تساعدك على ممارسة الجنس الحقيقي بصورة أفضل – وهذا أمر عظيم لتحسن العلاقات الرومانسية."!!!

هل هذا حقيقي؟

فلنلق نظرة حول ما تقوله الأبحاث، عن هذا الأمر. الإجابة تختلف اعتمادا على طريقة نظرتنا لهذا الأمر، هل ننظر إلى النتائج قصيرة الأمد، أم طويلة الأمد.

النتائج قصيرة الأمد المبلغ عنها ذاتيا.

إنها لفكرة جذابة جدا، فمن السهل فهم لماذا يصدق الناس أن الإباحية تفيد الأزواج.

ظاهريا، تظهر الإباحية على أنها تمد بالشرارة الفورية، للإثارة والتجديد. علي الأقل في البداية. وهذا بالضبط ما تظهره الدراسات "التأثير الإيجابي للإباحية، على العلاقات". بقياس التأثير المبدئي، السطحي، والمبلغ عنه ذاتيا. والإيجابي لأثرها على العلاقات.

لوهلة، أظهرت إحدي الدراسات، أن الأزواج، الذين يشاهدون الإباحية سويا، يظهرون قدرا أكبر من "الاكتفاء الجنسي" من الذين لا يشاهدون تلك الأفلام – ولكن نؤكد كما ذكرنا سابقا، أنهم يقصدون "التجديد والإثارة" التي يعتقد أن الإباحية تمد بالشرارة الأولى لها.

العامل الآخر في المعادلة، هو مدى طول العلاقة. أبلغت العديد من الدراسات، عن أن الآثار الإيجابية المتصورة للإباحية علي الأزواج، دُرست فقط على الأشخاص، الذين كانوا في بداية علاقاتهم وتواعدهم.)لكن ٠جدية العلاقة، تظهر الآثار الجانبية السلبية التي تدمر الأزواج. 

النتائج طويلة الأمد المرصودة

الحقيقة أننا لا نستوضح نتيجة أي أمر بجلاء، إلا بعد أن نتابع تأثيراته علي المدى الطويل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، انظر إلى أنماط الأكل والتمارين عند بعض الناس، تجد أنهم يستمتعون بأكل الوجبات السريعة علي المدى القصير، لكن إذا نظرت بصورة أكثر شمولية، إلي تأثيرها علي المدى الطويل، ستجد أن الآثار السلبية غير الصحية لها، ستبدأ بالظهور عليهم بجلاء.

على المدى الطويل، ماذا يحدث للرومانسية بين الأزواج، الذين يشاهدون الإباحية؟ ترسم الدراسات طويلة المدى، صورة مختلفة لهذا الأمر. فالنتائج الثابتة، من العديد والعديد من الدراسات الأكثر عمقا (طويلة المدى) تظهر بشكل دائم أن استهلاك الإباحية، يقلل من مشاعر الاكتفاء في العلاقات، التقارب العاطفي، والاكتفاء الجنسي. وهذا لا يبشر بالخير، أليس كذلك؟

هذه بعض الأمثلة، من فرق بحثية مختلفة:

في دراسة عام 2012 أجرتها أماندا مادوكس، وفريقها البحثي، استخلصت من نتائجها، أن الأفراد الذين لم يشاهدوا مواد إباحية صريحة، أظهروا كفاءة أعلى في علاقاتهم ( في جميع المقاييس) مقارنة بهؤلاء، الذين شاهدوا مواد إباحية صريحة، من تلقاء أنفسهم.

دراسة جديدة أخرى أجريت في العام 2017 اختبرت التأثير بين الأزواج، الذين يستهلك أحدهم، مواد إباحية أكثر من الآخر – والذي يمثل نمطًا شائعًا ومتكررًا جدًّا.

استنتج الباحثون أنه كلما زاد الفارق بين الزوجين، كلما قلل ذلك من معدلات الاكتفاء في العلاقة، واستقرارها، والتواصل الإيجابي فيها، كما زاد من العنف المرتبط بها.

في واحدة من تلك الدراسات القليلة، التي درست العلاقة، على المدى الطويل بين المتزوجين، لعدة سنوات. ظهر أن استهلاك الإباحية، خاصة حينما يتكرر الأمر من الزوج، يضر بكفاءة العلاقة والاكتفاء فيها. حيث قال الباحثون:

" في العموم، أبلغ الكثير جدا، من الأشخاص المتزوجين منذ 2006 والذين شاهدوا الإباحية، عن نقص حاد، في مستوى الكفاءة الزوجية في 2012، بالمقارنة مع معدلات الكفاءة الزوجية في بداية زواجهم. لم يكن تأثير الإباحية مجرد عامل ثانوي، في مشاعر عدم الرضا، في الحياة الجنسية، أو اتخاذ القرارات الزوجية في 2006. فمن حيث التأثير الجوهري. كان معدل استهلاك الإباحية منذ 2006 هو ثاني أقوى عامل متنبئ لكفاءة الزواج في 2012."

هذا ما تظهره الدراسات طويلة المدى، والأكثر عمقا في هذا المجال. في الحقيقة، نحن لا نعلم أي دراسة ( بعيدا عن الدراسات قصيرة المدى) أظهرت أي تأثير إيجابي، لدى الأفراد الذين يستهلكون المواد الإباحية، من ناحية كفاءة وازدهار العلاقة بشكل عام، أو من من ناحية نظرة الرجال بصورة أفضل، إلى زوجاتهم.

هذا الأمر ليس مفاجئا، أليس كذلك؟ إنه من الصعب جدا، أن تتخيل شخصا ملتزما في اي مكان في العالم، شعر بحب أو إثارة أكثر، تجاه شريكه أو شريكته، بعد استهلاك الإباحية.

خلاصة القول: هل الإباحية "تساعد في العلاقة أم لا؟" والإجابة تعتمد على تعريفك لكلمة "مساعدة".

أنتحدث عن الإثارة قصيرة الأمد؟ إذا كان كذلك، فلا تستغرب أن بعض الأفراد، أو الأزواج، يبلغون بشعورهم "بالاستثارة" أو "بالتجديد" حينما يستهلكون الإباحية سويا – حيث أن هذا هو القالب التقليدي، الذي يستخدمه صناع الإباحية، لصناعة منتجاتهم.

لكن، ماذا يعني هذا للعلاقة، حينما يحتاج الأزواج، إلى اكتشاف ما يثيرهم جنسيًّا، بعيدا عن علاقتهم مع بعضهم؟ ماذا يعني هذا، حينما يحتاج شريكك أن ينظر إلى شخص آخر، ليشعر بالانجذاب والوئام معك؟ ماذا يعني هذا حينما تحتاج أنت، إلى النظر إلى شخص آخر، لتشعر بالانجذاب لشريكك؟

هناك الكثير من الطرق التي تحافظ على الإثارة والانجذاب، في الحياة الحقيقية للأزواج، دون الحاجة إلى مشاهدة، صور صريحة لغرباء، يمارسون الجنس على الشاشة.

أم أننا حينما نطلق لفظ  "ساعدوا العلاقة" نقصد الحديث عن تلك العلاقة، طويلة الأمد، العميقة التي تمتاز بالاكتفاء والاستقرار؟ تقريبا لم يذكر أي شخص، مساعدة الإباحية له في هذا الأمر. لقد خُلقت العلاقات الحقيقية، لهؤلاء الأشخاص الحقيقيين، الواعين. الذين ينجذبون لبعضهم البعض بطرق أصيلة وحقيقية. ولكي تستمر للأبد لا بد أن يكون الشريك انجذب للآخر كوحدة واحدة، أن يكون انجذب لذلك الشخص ثلاثي الأبعاد الذي يقف أمامه لا لشبيه ذلك الشخص الذي يشاهده في الأفلام الجنسية. الأمر أكثر من مجرد أن تكون صورة مُتخيلة أو محاولة لمحاكاة عالم مبالغ فيه من سيناريوهات مكتوبة ومعدلة للإباحيات الجنسية.

لذا فالأمر عائد لك: ما نوع العلاقة التي تريد أن تحظى بها؟ ما نوع ” العلاقة القوية” التي تبحث عنها؟ علي حسب الطريقة التي تجيب بها عن هذا السؤال، سيؤدي بك هذا لاستنتاج أشياء مختلفة عن الإباحية – وتأثيراتها المحتملة عليك وعلى العلاقة التي تنغمس فيها الآن، أو التي تريد أن تحظى بها في المستقبل.

  • اسم الكاتب: Fight The New Drug
  • اسم الناشر: فريق واعي
  • ترجمة: أ. عبد الله ماهر
  • مراجعة: أ. سناء الوادي
  • تاريخ النشر: 6 أغسطس 2021
  • عدد المشاهدات: 642
  • عدد المهتمين: 146

المصادر

  • الاكثر قراءة
  • اخترنا لك