الإباحية والصدمات العصبية: العلاقة الخفية

من أين يأتي إدمان الإباحية؟ ولماذا بعض الناس يدمنون أشياء، يمكن للبعض الآخر من الناس فعلها بسهولة، ودون إدمانها؟
A+ A-

هل تساءلت من قبل عن سبب الإدمان؟ هل سألت نفسك قط، من أين يأتي إدمان الإباحية؟ ولماذا بعض الناس يدمنون أشياء، يمكن للبعض الآخر من الناس فعلها بسهولة، ودون إدمانها؟

ذلك سؤال وجيه، وهو كذلك سؤال ليست إجابته سهلة. ورغم ذلك، فإن البحوث العلمية، التي تتناول الإدمان، مستمرة في النمو. وكلما توصلنا إلى معرفة أوسع بالإدمان؛ تفهمنا أكثر أن الإدمان ليس عشوائيًّا، بل لديه جذور ومٌسببات، يمكن تعريفها وفهمها.

هناك العديد من الآليات، المتحكمة في السلوك الإدماني، وذلك يختلف بحسب كل شخص، ولكني أريد أن أفحص واحدة، لا تحظى بالاهتمام الذي تستحقُّه: دور الصدمات العصبية.

ما هي "الصدمة العصبية"؟

كيف يمكنك التعايش مع التوتر، والضغط العصبي؟ ذلك سؤال مهم لنا جميعا. وهو خصوصا بالغ في الأهمية؛ إن كان التوتر شديدا ومثقِلا.

في أعقاب حرب فيتنام، بدأ الأطباء يلاحظون أن كثيرا من الجنود، يعانون من أعراض متشابهة، بعد أن رجعوا إلى بلادهم: كوابيس، تمثلات لذكريات سيئة*، يقظة مفرطة تجاه التهديدات**، وأيضا عانوا من أعراض جسدية، مثل الارتجاف وخفقان القلب المفرط، وضيق في التنفس.

كانت هذه الأعراض منتشرة للغاية، إلى درجة أن تمّ تأليف تشخيص جديد، في الطب النفسي: "اضطراب ما بعد الصدمة" (PTSD). اعتقد الأطباء النفسيون لبعض الوقت، أن هذا الاضطراب يظهر نادرا، ولا يصيب إلا مَنْ جرَّب أهوال الحروب ورعبها.

ولكن قبل مرور وقت طويل، لوحظت نفسُ الأعراض، عند مجموعات مختلفة من الناس: منهم عمال الطوارئ، وضحايا الاغتصاب، والأشخاص الذين عانوا من الكوارث الطبيعية، وما تُوقعه من خسائر مفجعة. بدأ الأطباء يفحصون، إذا كان هذا الاضطراب منتشرا أكثر مما اعتقدوا قبلُ؛ وذلك أدَّى إلى اهتمام أكثر بالتجارب الشائعة مثل الصدمات، والضغط العصبي الشديد.

عاجلا أم آجلا، سيمرُّ كل شخص بموقف يواجه فيه ضغطا عصبيا شديدا، مثل وفاة أحد الوالدين، أو حادث سير، أو العنف المنزلي، أو حتى -وذلك يحدث أكثر مما قد تعتقدون- تعنيف الأطفال وإهمالهم، سواء كان هذا التعنيف جسديا، أو معنويا، أو جنسيا. هذه التجارب الحياتية قد تتسبَّب في رد فعل عارم، وهو ما يصفه الأطباء بـ"الصدمة العصبية".

عادةً يتم تعريف الصدمات، بالمعرّفات الثلاثة الآتية:
- حدث أو سلسلة من الأحداث، تسبِّب ضغطًا عصبيًّا شديدًا.
إحساس بالعجز والضعف، يطغى على قدرتنا على التعايُش.
- ثقة منعدمة بالنفس، وهي تدمّر القدرة على الإحساس بالمشاعر، والتجارب الإنسانية.

لا شكَّ أن التجارب المروعة التي قد يمرُّ بها الإنسان مثل الاغتصاب أو الحروب قد تُسبِّب حدوث صدمة، إلا أن التجارب الشائعة مثل التعرُّض للتنمُّر، أو إساءة المعاملة والإيذاء (لفترة زمنية طويلة)، أو حتى الطلاق من شأنها أيضا أن تسبِّب حدوث صدمة عصبية. أحيانا مجرد السماع عن معاناة أو وفاة شخص مقرّب قد يسبب صدمة عصبية.

الصدمة العصبية، ليست شيئا يُستخفُّ به. پيتر ليڤين، الباحث في الصدمات العصبية لأكثر من 35 سنة، يؤكد أن "الآثار التي تخلفها الصدمات العصبية، قد تكون مفجعة. قد تؤثر على عاداتنا ونظرتنا للحياة، مما يُؤدي للإدمان، وسوء اتخاذ القرارات في الحياة، أيضا قد تؤذي أواصر العائلة والعلاقات الشخصية، وأيضا قد تسبب ألمًا جسديا، وأعراضًا مختلفة، وأمراضًا. وقد تُؤدي للعديد من السلوكيات المؤذية للنفس."

العلاقة بين الصدمات العصبية والإباحية

ربما الآن تتساءلون، عن علاقة الصدمات العصبية بالإباحية، والإجابة هي أن الصدمات العصبية، التي لم تتمُّ معالجتها بإمكانها جعلنا ضعفاء في وجه الإدمان، بما في ذلك إدمان الإباحية.

الذين يُعانون من الصدمات العصبية؟ غير المعالجة، يعانون أيضا من آلام عاطفية. قد يُدفن الألم أو يُتجاهل، إلا أنه يزال موجودًا، مخزّنا في أجسادنا. ومن الطبيعي أنّنا عندما نعاني، نحاول الهروب من هذه المعاناة. نحن بطبيعتنا نبحث عن أي شيء، يساعدنا على نسيان أنّنا في معاناة وشقاء، ولو لبضع ثوانٍ.

عندما نصاب بالصداع؛ نتَّجِه مباشرة إلى الأدوية. ورغم ذلك، فإنه كثيرا ما تكون الآلام العاطفية، الناتجة عن الصدمات العصبية، أسوأ بكثير من الصداع. هذه الآلام بطبيعتها مرهقة جدا، وتهدّد استقرار النفس وحتى وجودها؛ ونتيجة لذلك فإنَّنا نتَّجه لأشياء أقوى؛ لنهرب من هذه الآلام. قد تكون هذه الأشياء عند بعض الناس مُخدّرات أو كحوليات. ولكن عند الأكثرية، قد تكون أشياء أكثر خفاء -رغم أنَّها مؤثرة بنفس الدرجة- مثل الإباحية. أي شيء يُحسِّن مزاجنا ولو مُؤقَّتا، من الألعاب الإلكترونية، حتى التسوّق، قد يُسبب الإدمان؛ ويُمثِّل ملاذا من الآلام، والمعاناة العاطفية.

ولكن للأسف، أغلب الطرق التي نتبعها حتى نستطيع أن نتعايش ليست مفيدة، وتجرحنا أكثر. وفي هذا السياق،  فإن الإباحية ليست إلا طريقًا يتبعها البعض حتى يتعايش. الإباحية تُمثل تجربة جسدية وعاطفية في نفس الوقت، وكذلك فإن آثارها تُماثل كثيرا من آثار الكحوليات والمخدرات على المخ. إذ أنها تُنسي المعاناة لبعض من الوقت، ولكن بمجرد أن ينقضي هذا التأثير المؤقّت، فإنا نعود لنتذكر أن الآلام لا زالت موجودة. الإباحية لا تعالج ولا تداوي، بل تُؤذي أكثر.

إذا كنت تشعر أنك تعاني من صدمات عصبية لم تُداوَ، فابحث عن المساعدة التي تستحقُّها!

بالطبع، ليس كل مَنْ يشاهد الإباحية، يعاني من صدمات عصبية غير معالجة. ولكن مع ذلك، فإن كانت لديك عادة للإباحية، ووجدت نفسك غير قادر على التخلّص منها، ربّما عليك أن تفحص إذا ما كانت مشكلتك سببها الصدمات غير المعالجة.

إليكم بعض العلامات التي تُعرِّفكم بوجود صدمات عصبية:

    - القلق المزمن ونوبات الهلع (التعرُّق، الارتجاف، التنفس الشديد، ونبض القلب المتسارع)

      - الأرق والكوابيس

        - البلادة والجمود الشعوري

          - الاكتئاب

            - الأفكار الانتحارية

              - كره النفس والتركيز على عيوبها بطريقة هستيرية

                - تجنب الأماكن والأشخاص أو الأشياء التي تذكرك بشخص ما أو بموقف ما

                  - إيذاء النفس (جسديا)

                    - الإحساس بالانفصال والغياب عن الحياة

                    كل هذه مجرد علامات تدلُّ على وجود صدمات عصبية غير معالجة. تذكر أنك قد لا تتذكر ما يُسبب الصدمة العصبية، ولكن ذلك لا يمنعها من التأثير سلبا على حياتك. واعلم أنه مهما كان ما تعاني منه، فأنت لست وحدك. التعرُّض لإيذاء جسدي، ونفسي، ومعنوي، شيء منتشر-للأسف الشديد-، إلى جانب أنواع أخرى من التجارب والأشياء الصادمة. ولكن لحسن الحظ، الحلُّ موجود. ويتم الآن تطوير علاجات لمختلف أنواع الصدمات العصبية.

                    إذا كنت تعتقد أن مشكلة الإباحية لديك متعلقة بصدمة عصبية، احصل على مساعدة طبيب نفسي مؤهل. ذلك بمثابة استثمار في نفسك وفي مستقبلك، وبإمكانه أن يخفف كثيرا من آثار الصدمات العصبية. وعلاوة على ذلك، سيكون بإمكانك بدء الحياة الحرة، والمريحة، والمزدهرة التي تستحقها.

                    - تمثلات الذكريات السيئة: فيها يُحسُّ الشخص الذي قد تعرَّض لصدمة عصبية، بأنه يعيش نفس اللحظات المروعة مرة أخرى، سواء كان ذلك توهُّمًا برؤية أشياء، أو سماع أشياء، أو اشتمام رائحة أشياء، كلها تذكّر بالذكرى السيئة، أو بالحدث المروّع.

                    - اليقظة المفرطة: هي حالة يقظة مبالغ فيها. إذا كنت في حالة من اليقظة المفرطة، فأنت شديد الحساسية لما يحيط بك. يمكن أن تجعلك تشعر، وكأنك متيقظ لأي مخاطر خفية، سواء من أشخاص آخرين، أو من البيئة المحيطة. ومع ذلك، فإن هذه المخاطر ليست حقيقية في كثير من الأحيان.

                    • اسم الكاتب: Sam Guzman
                    • اسم الناشر: فريق واعي
                    • ترجمة: أ. خالد الجمّال
                    • مراجعة: أ. محمد حسونة
                    • تاريخ النشر: 11 يونيو 2021
                    • عدد المشاهدات: 2K
                    • عدد المهتمين: 167

                    المصادر

                    • الاكثر قراءة
                    • اخترنا لك